أهلا وسهلا بالأخ السائل الكريم
كتب الأخ السائل يقول :” إذا أحَّبَ مسيحيان مؤمنان بعضهما {والحديث عن زوجين}، و تبنّى أحدهما الإلحاد وآختارَ أن يعيشَ بدون الأيمان بالمسيح :
+ ما هو الحَّل في هذه الحالة ؟
:- إن قُلنا أنَّ الحُّبَ يصنع المعجزات ، هل يحُّلُ الحُّبُ هذا الموضوع ؟
:- إنْ قلنا لا تنفع متابعة العلاقة ، أينَ يكون دور تقًّـبُل الآخر كما هو؟
+ هل للصـبر على الآخر حـدود ؟
+ أمْ ! ما هــو الحَّــل ؟
الزوج غير المؤمن يتقدس بالزوج المؤمن !
هكذا وصَّى مار بولس أهل كورنثية بألا يُطَّلقَ المؤمن زوجه الكافر إذا رضيَ أن يتساكنا من دون مشكلة لأنه، كما يضيف ويقول :” دعاكم الله أن تعيشوا بسلام” (1كور7: 12-16). أما إذا لم يكن العيش معًا بسلام ممكنًا فعندئذ يسمح الرسول بالفراق. ويعطي التأريخ شواهد على ذلك. كان والد كلٍّ من قسطنطين الملك وأوغسطينوس وثنيًا في حين كانت أُمهاتهما مسيحيتين. ونعلم كم كان رفيعا مقام كل منهما في الكنيسة. يكفي أنهما قديسان. لأنَّ الزواج لم يُبنَ على الأديان والمذاهب ولا حتى على الآراء والقناعات الخاصّة. الزواج سُنَّة الحياة تعود الى تنظيم الخالق من أجل استمرار الحياة. الأساس الذي عليه يقوم إختيار شريك الحياة هو الحب الذي يجعل من الأثنين واحدًا. والحبُّ يتطلب بل يفترضُ التوافق و الإنسجام والوئام. هكذا ليس لا الأيمان ولا الألحاد الذي يبني العُشَّ الزوجي بل التوالم و الأنصهار بالبعض. الأيمان يُغَّذي ويُنَّمي الحياة الزوجية.
فعند فقدان أحد الزوجين الأيمان أو عند الجحود ليس الحَّلُ في أن يتركه الشريك الثاني المؤمن بل أن يُحافظ على الرباط الزوجي المقَّدس، بقدر ما يسمح به الزوج المارق، حتى يُخَّلصَه. حُبُّ الله غير المحدود للأنسان قاده الى أن يتأنَّسَ ويموت من أجله وعلى يده حتى يُنقذه من خطر الهلاك. مثله فعلت القديسة ريتا بشأن زوجها السَّييء الأخلاق. لم تقاوم شَرَّه وعُدوانيته وحتى مُضايقته لها بل تحَّملت سوءَه، لأنها كانت تُحِبُّ شخصه، الى أن كسبته بحبها وغَيَّرت سلوكه فأنقذته من الشَّر الذي كان طامسًا فيه. وقد يعترضُ البعض أننا لسنا كلنا ” القديسة ريتا”. نعم لسنا ريتا. لكن ريتا أيضا لم تحَّقق المعجزة بقوتها بل بقوة المسيح الذي كانت تحبه وتثق بكلامه و وعوده. وأعتقد أن كلَّ مسيحي يحب المسيح وأنه من المفروض أن يلتزم بكلامه. معه نقوى على كل شيء كما قال الرسول :” وأنا أقوى على كل شيء بالذي يقَّويني “(في4: 13). ولذا حَرَّض بولس على الصبر قائلا:” ليشتهر صبرُكم عند جميع الناس “(في4: 5).
الحُّب … الصبر … !
إذا كان الله بالحبِّ تحَّملَ نكران جميل الأنسان وآثامَه، وبالصبر على تمَّردِه وجفائِه أعادَه الى حضنه وغفر إثمَه وأعادَ اليه حقوقه المفقودة ، فبالحب والصبر أيضا يستطيع الأنسان أن يحمي العائلة ويُعيدَ الى طريق الصواب أعضاءَها الماردين. الفراق ليس حَّلاً بقدر ما هو إنجرافٌ وراءَ الشهوة والعاطفة وتثبيتٌ لحالة السوء وخضوع للشر الذي يعصفُ بالعائلة. فهو ضعفٌ. أما الحُّبُ فهو قُوَّةٌ لأنه يقاوم الشر وصراعٌ من أجل إنقاذ من نحب. والصبر ليس سوى الأيمان بالله وبحكمته والأتكال عليه. لقد صبرت مونيكا على إبنها أوغسطينوس عقودًا وصَّلت من أجله سنين لأنها كانت تحبه، وحبها له سند صبرَها وقدَّسَ دمعها، و ذَوَّبَ عناد ابنها وصهر إثمه إلى أن ألقاه في حضن الأيمان. كذلك القديسة ريتا إنتصرت لحبها بصبرها. وصنع الحب فعلا معجزات.
أين حــدود الصبر ؟
قالت إحدى الأغنيات لأم كلثوم :” للصبر حدود”. ذلك لأنَّ الحُبَّ بلغة العالم حِسّيٌ ومحدود ومشروط. أما الحب الصادق فيقاسُ على مثال حب الله (يو13: 34).وحب الله لا يعرفُ له حَّدًا (يو13: 1). والصبر ثمرة الحب مثل الرحمة والغفران. فإذا عرف الزوجُ البريءُ أن يُحِّبَ كالمسيح يعرف أيضا أن مثله يرحمَ ويغفرَ ويُضَّحيَ. وإذا عرف كلَّ هذا لن يستثقلَ الصبرَ بل يحُّسُ بأنه حلو رغم مرارته. فيأخذ الصبرُ عندئذ بُعده من الله ذاته ويُصبحُ ” بلا حدود”. منذ خلقة الأنسان يصبر الله على آثامه لأنه يحبه ويريد له الخير. وصبر الأنسان، مثل حبه، يُقاس على صبر الله.
والحَّـــــــــل ..!!!
والحَّل أيضا يجب أن يكون مثل حلول الله. يسوع أعطانا المثال وطلب منا أن نقتدي به في كلِّ شيء (يو13: 15؛ طي 2: 7؛ 1بط2: 21) : في الحب ، في العمل، في الغفران، في الصبر، في الخدمة، في التضحية، و لاسيما في الشهادة للحق. هو جاء ليشهد للحق أي للحياة الألهية (يو18: 37) وكلفنا أن نشهد بدورنا للحق أي للنموذج الألهي (أع1: 8). فإذا حاولنا أن نجد حلولا عاطفية تكون ردود فعل لما نحُّسُ به، قد تنجح وتريحنا قليلا لكنها لن تدوم. أما إذا بحثنا عن حلولٍ أصلية وجذرية نابعة من الأيمان والمنطق الألهي فقد تكلفنا تضحية في البدء وصبرا لكنها في الآخير تفلح وتريح حَّقا. لأنها حلولٌ الهية والله لا يريد للأنسان غير الراحة التي تأتي بعد العناء.