تتلى علينا اليوم القراءات : تك 17: 1-27 ؛ { اش42: 18-43: 4} غل5: 1-16+في2: 5-11 ؛ متى1: 18-25+لو2: 21-40، 52
القـراءة : تكوين 17 : 1 – 27
يتراءى الله لآبراهيم ويَعِدُه نسلاً كثيرًا، ملوكًا و أُمراء، وأرضًا هي كنعان. ويعقُدُ معه عهدًا ، يتَّكفلُ فيه الله أن يحميَه ويُوَّفر له كلَّ خير مقابل أن يكون إبراهيم ونسله مُلكًا له يحفظُ كلامَه. وأقام له علامة حِسّية تُذَّكرُه بالعهد هي ختانة الجسد. القـراءة البديلة : إشَعْيا 42 : 18 – 43 : 4 :– يصفُ النبي الحالة التعيسة للشعب بسبب عصيانِه على الله. إنَّهُ شعبٌ أصَّمُ وأعمى. لكنَّ اللهَ سيُنقِذُهُ من محنتِه لأنَّه يُحِّبُه ويُعِزُّه ، ويُقيمُه لنفسِه شاهدًا على الأيمان والحَّق.
الرسالة : غلاطية 5 : 1-16 + في 2 : 5 – 11
حَرَّرنا المسيح من حرف الشريعة. ختانة الجسد لا تنفع بعدُ. والعهد نفسُه أُلغيَ لأنَّ الشعب لم يتقَّيد به. فلا حاجة الى علامة. ما ينفع اليوم هو ” ختان القلب ” (رم2: 29)، والأيمان العاملُ بالمحَّبة.
الأنجيل : متى 1 : 18 – 25 + لوقا 2 : 21 – 40 ، 50
يخضَعُ يسوع لشريعة البشر لأنَّه إنسانٌ كامل وينتمي إلى شعبٍ يُحسبُ فيه الختان من أركان الحياة. و هذا الشعبُ هو شعبُ الله ، ونُفِّذت بحَّقِه أيضًا شريعة ” البكر فاتح الرحم”.
علامة عهدٍ بيني وبينكم !
هكذا قال الله لآبراهيم عندما عقد معه ” العهد “، وطلب منه أن يختتن هو وكلُّ ذكر من بيتِه ونسلِه من بعدِه. والعهدُ أوَّلاً أن يُعطيَه، من زوجته سارة، نسلاً ويُكَّثرَه أُممًا وشعوبًا. و ثمَّ بلدًا يقطنه مقابل أن يَعبُدَه ويحفظ كلام العهد. وكي لا ينسى ويُلهيه عن الله شيءٌ آخر، آلهةٌ أصنام أو كِسوةٌ أو طعامُ، أو حربٌ أو سلامُ. أصغى إبراهيم الى الله ساجدًا وقبله سَيِّدًا مُطلقًا له، إلَهًا يعبُدُه، عندما غيَّرَ إسمه من أبرام إلى إبراهيم، ثم نَفَّذَ أمره بختانة غُلفَةِ بدَنِه كعبدٍ مختومٍ لله يتمَّيزُ عن عبيد آلآلهة الأوثان. لكن التأريخَ عرفَ الختانة قبل إبراهيم. ذكرها الكاتب هيرودوت (القرن 5 ق.م) ونسَبَها إلى الحضارة المصرية والحبشية. ودَلَّت على ممارستها فعلا في تلك البلاد نحوتٌ مصرية ترتقي الى 2300ق.م أي قبل إبراهيم. ذُكرتْ لممارسة الختانة بعضُ الأسباب، منها علاجًا صحيًّا، وغيرها أدبية كأن تكون رمزًا لرفض خطايا الجسد، أو تقَّللُ من الشهوة، أو حتى رمزًا لتقريب الأنسان قربانًا لله الذي منحه الحياة. يُقَّدمُ جزءًا من جسده عوضَ الجسد كله. أمَّا اليونان والرومان فآعتبروا الختانة سوءًا ” بترًا لجزءٍ من الأنسان”، فكرهوها وقاوموها وساعدوا على التقليل من ممارستها. وقامت بين اليهود المعاصرين حركةٌ للأصلاح دعت بمنعها ، بل نعتها أحد مفكريهم بـ ” فعلٍ دموي وحشي”.
لا نفعٌ لا للختانة ولا لعدمها !
هكذا كتب مار بولس لأهل روما وغلاطية (رم2: 25؛ غل5: 6 و 15) وهو يجادلُ بني قومه المتعَّصبين للختانة، الذين يفتخرون بها ويعُّدونها أحد أهم أركان الديانة اليهودية، بل هوية اليهودي أنه مُلكٌ لله. يرَّكزُ بولس على باطن الأنسان ، الروح، أكثر من الجسد. لأنَّ الاهتمام بالجسد” موتٌ إذ هو تمَرُّدٌ على الله، بينما الأهتمام بالروح هو حياةٌ وسلام” (رم8: 6). ودعا نظامَ الشريعة القديم” نظامَ الحرف”. فالختانةُ إذًا تتبعُ نظام الحرف. أما المسيح فحرَّرنا من ذلك النظام وأعطانا نظامًا جديدًا هو نظام الروح (رم8: 2). لقد صَرَّح المسيح أنَّ تعليمه ” ليس حرفًا. بل هو روحٌ وحياة ” (يو6: 63)، هو” المحَّبة ” (يو13: 34). وقد ” متنا عما كان يُقَّيِدُنا لنعبُدَ اللهَ في نظام الروح الجديد ” (رم7: 6). أمَّا ما ينفع الآن فليسَ ختانة الجسد بل ختانة القلب بالمحبة التي هي روح :”.. إنَّما الختان هو ختان القلب بالروح لا بحروف الشريعة. هذا هو الأنسان الذي ينالُ المديحَ من الله لا من البشر” (رم2: 29).
وفي يومه الثامن خُتِنَ وسُمِّيَ يسوع !
عرفنا من القراءة أن الختانة كانت علامة حسّية في المختون أنه أصبح مُلكًا لله يعبُدُه و يخضع لمشيته، تقَّيُدًا بالعهد الذي تمَّ بين الله والشعب المُختار. وعرفنا من مار بولس أنَّ الختانة أُبطِلَ مفعولُها. إرتبطت الختانة، في العهد، مع إيمان إبراهيم ونسله وأمانتهم للعهد. ولمَّا فقد الشعب الأيمان بالله إذ لم يعرفه ولم يحفظ العهد فَـقَدَ معه مستلزماتِ بنودِه :” يأخُذُ الله ملكوته منكم ويُسَّلمَه الى شعبٍ يُثمر” (متى21: 43)، ويطلب عبادة ” الروح والحَّق” (يو4: 23) وعلامتها ” المحبة “(يو13: 34). لم يعرف الشعبُ الله فلم يَعُد مُلكَه (يو8: 47-55). أهمل الشعبُ العهد من طرفه وجوابًا لذلك ألغاه الله، ولم يبقَ للختانة قيمة. مع ذلك خضع لها يسوع المسيح. نعم لأنَّ يسوع عرفَ الله، فهو مُلكُه، وينتمي الى شعب ، ولم يأتِ ليُبطلَ الشريعة بل ليُكَّملَها، ليُنقذَ حياة البشر من الضلال الذي وقعوا فيه. فـقدَ الشعبُ روحَ الشريعة وتمَّسكَ بحرفها. أمَّا يسوع فهو يُعيدُ إلى وصايا الله وشريعتِه بريقَها الروحي. لم يُطِع الشعبُ اللهَ بل تمَّسُكَ بسُنَّتِه المُهتمَّة بالمظهرالحِسّي:” هذا الشعب يُكرمني بشفتيه. أمَّا قلبُه فبعيدٌ عني. باطلاً يعبدونني بتعاليمَ وضعها البشر” (متى15 : 8-9). يسوع خضع لنظام البشر لأنه كان بعدُ رمزًا لطاعة الله. فكما أطاع الأرادة الآلهية وقدم ذاته قربانًا كفَّارةً عن الخطيئة (عب10: 5-7)، قَـبِلَ أيضًا أنْ يخضعَ لشريعة البشر و لنظامهم الختاني لتكتملَ طاعتُه لله في ناسوتِه أيضًا، لأنه مسيحٌ مُخَّلِصٌ واحد. وسيستمِّرُ في الطاعةِ لمشيئة الله حتى الصليب ليُعَّلمَ البشر أن الحياة الحَّقة هي في طاعة الله، وأنَّها قوْتُه ومصدرُ قُوَّتِه (يو4: 32-34)، وأنَّها أفضل الذبائح (1صم15: 22). وهكذا كان أوَّلُ فعل ليسوع وهو مولودٌ جديد ” الطاعةَ للنظام “. الختانة مُؤلمة لأنها بترٌ في الجسم. هذا الألم يزول سريعًا وينساه الأنسان. أمَّا الألمُ الحقيقي فهو في ذبح الأرادة عن إتّباع الشهوة والرغبة الخاصَّة لأجل التمَّسُكِ بالحق والبر وتحَّمل النتائج المؤلمة. هكذا فعل يسوع في بستان الزيتون عندما صرخَ من شِدَّةِ ألمِه طالبًا أنْ يُعفى عن شُرب كأسَ الصلب، لكنه إستطردَ حالا قائلاً :” لا تكن مشيئتي بل مشيئتُك “. لذا تعَّلمت المسيحية الدرس من مُؤَّسِسِها بأنَّ أمور الجسد والزمن تزول، فـ ” لا الختان شيءٌ ولا عدمُ الختان. بل الخيرُ كلُّ الخير في العمل بوصايا الله ” (1كور7: 19).