أهلا وسهلا بالأخ عادل سيبي سيبي.
قرأ الأخ عادل أو سمع تلاوة صلاةِ السهرانة المحشُّوة بأعداد غفيرة من ” النافذات” ، وهي طلباتٌ شعبية أكثر من أن تكون لاهوتية. وتقول إحداها :” قَّـوي حقارَتنا “!. فلم يهضمها كما لم يهضمها غيرُه كثيرون حتى بدَّلها البعضُ بـ ” قَّوي إيماننا “. فتساءَلَ :
## < ماذا يعنون بها > ## ؟
أنا دودةٌ لا إنسان ! مز22: 7
حقرَ وحَقُرَ = فقدَ قيمته وكرامتَه. والحقارة ذُّلٌ وضعفٌ وآنكسار. وعندما نقولُ عن أحد أنه ” حقير” نعني أنه ذليلٌ وبدون غيرة فاقدًا كرامتَه الأجتماعية ، فلا يعيرُ له أحدٌ إهتماما ولا يحترمه حتى ولا كإنسان. لأنه لا يسيرُ ولا يتصرف حسب القيم الدينية والأنسانية، ويُسيءُ بذلك الى المجتمع. لا يقدر أن يواجه الحقيقة والناس الحقانيين، بل يستغل الفرصَ وضعفَ غيره ليُحقِقَ مصلحته الخاصة حتى ولو على حساب الآخرين وبالأساءة اليهم.
ولقد دأبتْ العبادة الشعبية خاصّة ،وحتى الرسمية أحيانا ، أن تصَّورَ المؤمن في هذه الحالة بسبب ضعفه المستمر وأخطائه الكثيرة وتطلب له النجاة منها. لم تنسَ العبادة أنَّ الأنسان كريمٌ لأنه صورة الله. لم تنسَ أن الأنسان حبيب الله ومخَّلصٌ بدم آبن الله. لكنها لم تنسَ أيضا أن ذلك ” فعلُ الله ” ومن جودِه وكرمه ومحبتِه ، وليس للأنسان فيه شأنٌ أو دور. تلك منَّـةٌ مجانية من الله. وتعرفُ أيضا أن الأنسان رغم كل أفضال الله لقد شَّوهَ تلك الصورة ودَّنس حبَ الله، وداسَ على دم إبنه الوحيد ضاربًا عرضَ الحائط وصايا الله وشريعة الحب. ولهذا لم تتوقف على مدح المزمور لكرامةِ الأنسان :” بالمجد والكرامة كللته. سَّـلطتَه على أعمال يديك، وجعلتَ كلَّ شيءٍ تحت قدميه ” (مز8: 6-7) ، بل قرأت ما تلاه في المزمور أيضا :” أنا دودةٌ لا إنسان، يُعَّيرني البشر وينبذُني الشعبُ. كلُ من يراني يستهزئُ بي ، يقلبُ شفتيه ويهُّزُ رأسَه “(مز22: 7-8).
وحتى الطقوس الكنسية ومنها القداس تُلَّوحُ الى حقارة الأنسان بسبب سلوكه المشين وسيرته الملامة ، غير مقيم حسابا لا لله ولا لمصيره الأبدي. ففي القداس يوصفُ المؤمنون بـ” نحن عبيدك الناقصين والضعفاء والأشقياء .. المجتمعين بآسمك والقائمين قدامك الآن “. كما غلب طابع الأسترحام على غالبية الصلوات لأن الناس كما قال الرسول ” مُلئوا من أنواع الأثم والخبث والطمع والشر…يتفاخرون بها ، أعداءُ لله ، ويتفنَّنون بالشر”(رم1: 29-30)، ويستعملون ” الحرية ستارا لآرتكاب الشر”(1بط2: 16). وليس الأمرُ غريبًا لأنَّ الربَّ يسوع نفسَه شدَّدَ كثيرا على التوبة وطالبَ بها (متى4: 17؛ لو13: 3-5).
ماذا تعني العبارة ؟
لا شكَّ في أنَّ المصلي، ورافعَ هذه الطلبة، لم يقصُد بأن تُضاعفَ مريم، أو يُضاعف الربُ حقارة الأنسان وضعفَه. كلا. لأنه هو جاءَ أصلا ليُعيدَ الى الأنسان كرامتَه المفقودة مع الفردوس. إذن علينا أن نستعين بالروح القدس لفهم العبارة على حقيقتها. فـ “قَّوِي حقارتَنا ” تعني حَّول يا رب ضعفَنا الى قوة وذُّلنا الى كرامة. نحن بطبيعتنا كِرامٌ ومُمَّجدون ما دُمنا صورة الله وشُركاءَه في الميراث (رم8: 17). لكننا دَّنسنا بأعمالنا السيئة تلك الصورة، و بسبب ضعفنا فصرنا حقراء. وإذا أزالَ الربُ ضعفنا أصبَحنا أقوياء وعندئذٍ تزولُ حقارتنا. نعمة الله تُقوينا في حقارتنا حتى نقاوم الشر فينا ونعكس صورة الله مجيدةً مُكَّرَمة.