أهلا وسهلا بالأخ مشـتاق.
سأل الأخ مشتاق ما يلي :
1- لماذا بدأ يسوعُ البشارة في الثلاثين من عُـمرِهِ ؟
2- ماذا كان يفعـلُ قبل بلوغِهِ الثلاثين ؟
ماذا كان يعمـلُ في شـبابه ؟
نبدأ بالجواب على السؤال الثاني لأن المعلومات التأريخية معدومة عن هذه الفـترة إلا ما كتبه لوقا الأنجيلي. إكتفى متى بذكرِ ولادة يسوع من مريم وليس من يوسف ثم سفره الى مصر وله من العمر حوالي السنة هربًا من غضب هيرودس وغدرِه إذ كان ناويًا قتلَه. أما لوقا الذي يُعتبرُ مؤَّرخ طفولة يسوع إذ روى أخبار البشائر لزكريا فمريم فولادة يسوع و تقديمه الى الهيكل وزيارته لأورشليم مع والديه وهو بعمر 12 إثنتي عشرة سنة. ثم قفل على الأخبار الى يوم عمـاده.
ذكرَ عـبارةً واحدة إختصر بها أسفارًا كثيرة لو كُتِبَتْ، قال : ” وكان الطفلُ ينمو ويترعرع و يمتليءُ حكمة ً، وكانت نعمةُ اللهِ عليه “(لو2: 40). هـذه عن الفترة من عمر 40 أربعين يوما والى 12 إثنتي عشرة سنة. وعملَ نفسَ الشيء عن الفترة الباقية الى عماده فأخبرَ بأنه عاشَ في الناصرة طائعا لمريم ويوسف، ثم أضافَ قائـلا: ” وكان يسوعُ يتسامى في الحكمةِ والقـامةِ والحـظوةِ عنـدَ الله وعند الناس” (لو2: 52). لوقا الذي إستقى معلوماتِه من مصدره الأساسي، أى من مريم العذراء نفسها، عرفَ بكل تأكيد تفاصيلَ أخرى دقيقة لمْ يُرِدْ أن يُفصِحَ عنها ويُشغِلَنا بها.
مثلا ذكرَ عن الولادة تفاصيل التعداد السكاني، وإعلان الملائكة عن ولادته وتأكد الرعاة من الخبر، لكنه رفضَ بعناد أن يُخبرنا عن تأريخ الميلاد حتى ولو عن السنة. أبى أنْ يُرَّكز على الأحبارالزمنية ” الصُحفية” ليُشَّددَ بالمقابل على أخبارِه الخفـية ليَدُّلنا على حقيقة جوهرِه الألهي ، قبل أن يُشغِلنا بتفاصيل مظهرِه.
وما قاله يكفي لنا حتى نعرفَ بأنَّ حياة يسوع كانت إعتيادية وطبيعية كأي إنسان يولد فينمو طفلا ويُصبح صبيا ثم شّابًا يتثقَّفُ، ثم يدخلُ معترك الحياة العملية فيضمنها بممارسةِ مِهـنةٍ يقتاتُ منها متحَّملاً مسؤولية تداعياتِها الزمنية { عند الناس } ولاسيما الأدبية { عند الله }. و مَّيزه بشيءٍ مهم هو” كانت له حظوة ” عند الله والناس، أى كانت سمعتُه جَّـيدة جّدًا.
عُمــر الثلاثين ، لمــاذا ؟
لماذا بدأ يسوع بشارتَه بهذا العمر بالذات ، لا قبلَه ولا بعدَه. ينبغي الأنتباهُ أولا أنَّ لوقا لمْ يُؤَّكدْ على عمرِ الثلاثين. بل قال ” كان يسوعُ عندَ بدءِ رسالتِه في نحو الثلاثين من عُمرِهِ ” (لو3: 23). وعليه ثبَّتَ المؤَّرخُ ديونوسيوس سنة 532م عمرَ المسيح بـ 30 سنة في عماده ، و33 سنة عند موتِه. وعلى هذا الأساس ثُبّتَ التقويمُ المسيحي. كان عمرُ يسوع في الواقع حوالي خمسة وثلاثين سنة. لكنَّ لوقا تعَّمَـدَ أن عمرَ يسوع كان قد عبرَ الثلاثين بهدفٍ كتابي وإنساني.
كان موسى في 40 الأربعين من عمره عندما تفَّقدَ شعبَه وبادرَ الى حمايتِه (خر2: 11-15؛ أع: 23). وبعد 40 أربعين سنة دعاه الرب على جبل سيناء وكلفه بمهمة إنقاذ الشعب و قيادته (أع7: 30). سبقه يوسف وآستلم قيادة مصر بعمر ثلاثين سنة (تك41: 46). كذلك داود الملك جلس على العرش وآستلم قيادة الشعب بعمر ثلاثين سنة (2صم5: 4).
وقد سَّـنَ موسى أنَّ اللاويين الذين يخدمون أمام الرب ويعملون في خيمةِ الأجتماع يدخلون الخدمة في عمر ثلاثين سنة ويتوقفون في سن 50 الخمسين(عدد4: 3 و23). وبعدَه لزمَ على من يتبنى تعليم الشريعة ويكون له تلاميذ أن يكون قد جاوزالثلاثين من عمره. لأنَّ سّنَ الثلاثين يُعتبرُعمرَالنضوجِ الفكري والقانوني للأندماج في المجتمع وشغل المناصب المهمة وتحَّمل المسؤولية، وبالتالي هوالعمرُالذي يُؤَّهلُ الواحدَ لأن يكون معَّلمًا ” رابي”، وأن يتخذ لنفسِه تلاميذ. ولهذا حيثُ رفضَ لوقا أن يُعطينا تفاصيلَ إخبارية عن حياة يسوع شَّـددَ هنا على العمر القانوني ليسوع بحيثُ يدعوهُ نيقاديموس” رابي”، يا معَّلم (يو3: 2). وإذ قالَ ” ثلاثين” عرفَ لوقا أنَّ عمرَ يسوع أكثر من هذا، أقله بخمس سنوات” {{ لأنَّ يسوع ولد قبل موت هيرودس الذي حاول أن يقتُله. وموتُ هيرودس معروفٌ وثابت في السنة 4 الرابعة قبل تاريخ الميلاد الحالي. وكان ليسوع قبل وفاتِه بحدود السنة. وتوفي يسوع في السنة 33 الثالثة والثلاثين من تأريخ الميلاد الحالي }}.
يسوع هو في الخط الألهي وليس الزمني. ولد في الزمن لكن شخصَه ورسالته الهيتان. لذا يُركزُ الأنجيل على ما يربطُ يسوع بتأريخ الخلاص ، بشعبِ الله ، ليعودَ ذلك الشعبُ الى الأيمان ويُتابعَ رسالتَه تحت قيادة المخلص والقائد الألهي الذي تنَّبأ عنه موسى(تث18: 15) ، و كما أكده بعده يسوع نفسه إذ قال :” إنَّ موسى كتبَ فأخبرَ عني” (يو5: 46).