أهلا وسهلا بالأخت نضال كــندو.
سألتْ الأخت نضال ، نيابةً عن صديقة، ما يلي :
– أين هم أحِبّاؤُنا الموتى الآن ؟ – ماذا حدثَ لهم بعد الموت ؟ بأيِّ شـيءٍ يُحِـسّون ؟
ماذا يحدث بعد الموت ؟
قال المزمور عن الأنسان عندما يموت :” تخرجُ روحُه فيعود الى التراب، وفي ذلك اليوم تبيدُ مطامحُهُ ” (مز145: 4). وأيضًا :” أصرُخ اليك يا رب : أيَّ نفعٍ لك من موتي، من هبوطي الى الهاوية؟. هل الترابُ يُسَّبحُ بحمدكَ ويُحَدِّثُ فيُخبرَ بحَقِّكَ “؟ (مز30: 9-10). فالموت ينزع روح الأنسان :” تنزع إرواحها فتموت، والى ترابها تعود” (مز104: 29).
والله لا يذكرهم بعد :” ومعونة يدك إنقطعت عنهم ” (مز88: 6).
فالموت هو حَدٌ فاصل لحرّية الأنسان في العمل المُجزي. فالجسد إنتهى والروح تثبُتُ في الخير أو الشر الذي إختارَه وخزنه الأنسان أثناء حياتِه الزمنية. تُصبح الحياة ثابتة في حالةِ إمَّا مثل الملائكة ومعهم أصدقاءَ لله، أو مثل الشياطين ومعهم أعداءَ له. لا يقدر المَيِّتُ أن يُغَّيرَ حالَه، لا أن يتوبَ ولا أن يختار. لقد قَرَّرَ مصيره الأبدي بموجب إختياراته قبل الموت . هذا ما عَلَّمَه الكتابُ المقدَّس في خبر لعازر المُتألم على الأرض معه الغني المتنَّعم، قال : ” ماتَ الفقيرُ فحملته الملائكة الى جوار إبراهيم، ومات الغنيُّ فدُفِن. رفع الغنيُّ عينيهِ وهو في الجحيم يُقاسي العذاب ورأى إبراهيم ولعازر في حضنه”؛ طلب منه أن يرحمه ويًنقذه من عذابه. أو أقله يُخَفِّفَ عنه. أجابه :” تذكَّر أنَّكَ نلتَ نصيبَكَ من الخيرات في حياتك { ولمْ يسمع كلام الله فلم يحيَ المحبة والرحمة }، ونال لعازرُ بلاياهُ ، فها هو الآ ن يتعَزَّى هنا و أنتَ تتعَذَّبُ هناك. وفوقَ هذا كلِّه بيننا وبينكم هُوَّةٌ عميقة لا يقدرُ أحدُ أن يجتازها من عندنا إليكم ولا من عندكم إلينا ” (لو16: 22-26). لقد خَلُصَ من عاشَ في البر حسب مشيئة الله، وهلكَ من تبعَ شهواته ولم يحفظ وصايا الله.
أين أحباؤُنا بعد موتهم ؟
بعد الموت يُحاسبُ اللهُ الأنسانَ على حياته. لأنَّ حياة الأنسان ليست مُلكَه، بل هي نسمةٌ من حياة الله نفسِه :” جبل الربُّ الإله آدم تُرابًا من الأرض ونفَخَ في أنفِهِ نسمةَ حياة. فصارَ آدمُ نفسًا حيَّة ” (تك2: 7). بالموت ينتهي الأنسانُ الترابي ويبلى. ” أنت ترابٌ والى الترابِ تعود ” (تك3: 19). يرجعَُ إلى أصلِهِ. يبقى من الأنسان نسمةُ الحياة الألهية. في الفردوس أخطأ الأنسان بالجسد. فنال عقابه الجسدي فلن يرثَ ملكوت الله (1كور15: 50). أمَّا الروح الألهية فهي خالدة. فتعود عند الله. لذا قال الرب يسوع :” بين يديك يا أبي أستودعُ روحي” (لو23: 46) ومات جسدُه. جسده لم يفنَ لأنه لم يعرف ولم يشترك بخطيئة آدم، لم يرثها عنه. وروحُه لم تُخالف مشيئة الله. كان طعامه أن يكمل مشيئة الله وعمله (يو4: 34). وقد أطاعه حتى الموت على الصليب (في2: 8). فصعد عند الآب وآستلم قيادة الكون (مر 16: 19). لقد إستَحَّقَ بسماعه كلام الله وحفظ وصاياه أن يُعيد للأنسان كرامته وحَقَّه في أن يتمتع بخير الله في الفردوس الأبدي.
وعلى كلِّ إنسان، من بعد المسيح، أن يحميَ حَقَّه ويُحافِظَ عليه، مثل المسيح، بسيرةٍ يرضى عنها الله. سَلَّمَ المسيح للآب روحًا نقية طاهرة قُدّوسة. وهل فعلَ أحِبّاؤُنا، وكم فعلوا، وكيف فعلوا ؟ هل بدرجةٍ يرضى عنها الله؟. تخضعُ أرواحُ أحِّبائنا، وأرواحُنا كلَّنا، لمحاسبةِ الله. لا نُقَرِّر نحن، بل الله هو الذي يُقَرِّر، مدى حفظنا لوصاياه؟ هل تُرَّيحُه سيرتُنا أم تُقلِقُه، أم رُبَّما تُهينُه ؟. يقول مار بولس :” ( عند الموت) سيظهرُ عملُ كل واحد منا، ويومُ المسيح يُعلِنُه لأنَّ النار في ذلك اليوم تكشفُه وتُمتحَنُ قيمةُ عمل كلِّ واحد. فمن بقيَ عملُه الذي بناهُ نالَ أجرَه. ومن إحترقَ عملُه خسرَ أجرَهُ ” (1كور3: 11-15). قال مار بولس :” ما جئنا العالم ومعنا شيءٌ، ولا نقدر أن نخرج منه ومعنا شيء”(1طيم6: 7). لقد قال يسوع :” لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض بل إكنزوا لكم كنوزًا في السماء” (متى6: 19-20). لأنْ وحده الكنز الروحي يثبت للأبد. أيَّدَه سفرُ الرؤيا :” هنيئًا للأموات الذين يموتون في الرب…لأنَّ إعمالَهم تتبعُهم” (رؤ14: 13). وقد أكد الربُّ يسوع أنْ :” سيُجازي ابنُ الأنسان كلَّ واحدٍ حسبَ أعمالِه “(متى16: 27). وكما قبلَ إبنُ الأنسان” الختن السماوي” (رؤ19: 7-8)، في عرسِه، العذارى الحكيمات والمستعدات لآمتلاكهن زيت المحبة والرحمة مع سهرهن على الحَّق والخير، بينما رفضَ الجاهلات اللواتي لم يُحّسْ بهن المسيحُ ولم يعرفْهنَّ إذ لم يعرفن المحبة ولم يتبعن الحَّق (متى25: 1-12).
فأحِبّاؤُنا إمَّا مع الحكيمات أو مع الجاهلات. أو إمَّا مع لصِّ اليمين الذي دفع عقوبة جرائمه بعذابه على الصليب فدخل المجد حالاً، وإمَّا مع الذي تاب عن ذنبه وتقصيره، لكنه لم يقدر أن يوفيَ دينه قبل الموت، بل سيدفعه ” الى آخر فلس”، لله خصمه صاحب الحياة، وذلك في السجن الروحي للمسيح قاضيه، حيث يتطهر من تداعيات خاطاياه وديونها المغفورة بتوبته (متى5: 25-26). أو إذا أخطأ عن جهلٍ ولم يعرف طريق التوبة فجهاده، كما قال الرسول، يفشلُ ” أمَّا شخصُهُ فيخلُص ، ولكن كمن ينجو من خلال النار” (1طزر3: 15). أي يتطهر عن نواقصه بحرمانه من الرؤية المجيدة، وهذا ما تدعوه الكنيسة بالمطهر.
بأيِّ شيءٍ يحُّسُون ؟
يحُّسُ من هم في السماء بالراحةِ والفخر والهناء. والذين، لا سمح الله هلكوا، يشعرون بالندم وبخيبة أمل لأنهم فشلوا في تقديرهم للحَّق ومعرفتهم للبر. ولكن لاتَ ساعةَ مندمِ!. أما الذين بالمطهر فيتندمون أيضًا لأنهم لم يسهروا ولم يُصَّفوا حسابهم مع الله، كما طلب المسيح، قبل الموت، لمَّا كانوأ ” بعد في الطريق مع خصمهم ” (متى5: 25). ولكن نجاتهم من الهلاك الأبدي و ضمانتَهم بالتمتع بالراحة والسعادة بعد فترة التطهير، هذا الرجاء يُخَّففُ ربَّما عن عذابهم النفسي. و ربَّما ينتظرون من ذويهم وأصدقائِهم على الأرض أن يُسعفوهم بالصلاة و التضحيات من أجلهم، فيُقَصِّرُ الله فترة تطهيرهم، كما قبلَ موتَ المسيح وصلاتَه حتى من أجل موتى العهد القديم. وكما طلبت العذراء مريم من رؤاة فاتيما سنة 1917 أن يُصَّلوا و يُقَدِّموا التضحيات من أجل الأنفس المطهرية. لذا تُصَّلي الكنيسة ، كلَّ صباحٍ ومساء، من أجل الموتى كما من أجل الأحياء.