أهلا وسهلا بالشماس ماهر متي
سأل الشماس ماهر : “هل يُعتبَر خطيئةً تناولُ القربان المقَّدس في كنائس بروتستانتية إذا تواجدَ فيها مؤمنٌ كاثوليكيٌ أثناء القداس في مناسبةٍ ما أو لأداءِ واجبٍ مُعَّيَن”؟. وأضافَ السائل : ” بآعتبار أنَّ البروتستانتية لا تعترفُ بتحول الخبز والخمر، بعكس الكاثوليك، الى جسد ودم المسيح، وإنما تعتبره كرمز فقط “؟
لا يرى فيه جسد الرب !
يقولُ المثل { حاشاك شماس}:” من فمك أُدينك”. كيف تكون القرابين ” مُقَّدَسَةً ” إذا كان البروتستانت أنفسُهم لا يؤمنون بتحَّوُلِ الخبز والخمر الى جسد المسيح؟. كيف أتناول خبزًا بمثابة جسد المسيح وأنا أعرفُ مُسَّبقًا أنه ليس جسدَ المسيح؟. يقول مار بولس:” من أكلَ و شربَ وهو لا يرى فيه جسدَ الرب، أكلَ وشربَ الحُكمَ على نفسِه” (1كور11: 29). يكون تناولي عندئذٍ إما فعلاً غير واعٍ أو نفاقًا تماشيًا مع الحضور. والمسؤولية هنا أكبر أن أشهدَ لأيماني. لقد أدان الرب يسوع كل فعل مُراءاة ونفاق بقولِه : ” الويلُ لكم أيُّها المراؤون” ( متى 23: 13-29). وطالبَ المؤمن به أن يفوقَ بِرُّهُ على برالكتبة والفريّسيين (متى5: 20 )، وأن يشهدَ له بتصَّرفاتِه (أع1: 8) ولا يزيغ عن الحَّق: ” ليكن كلامكم: نعم = نعم، ولا= لا “، وما خالفَ ذلك فهو من الشّرير(متى5: 37؛ 2كور1: 17-19).
هل يُعتبر خطيئة ؟
أمَّا عن هل تناولٌ في كذا ظرف هو خطيئة أم لا فذلك يتوقفُ على عناصرة ثابتة، هي: نيةُ الفاعلِ وإرادتُه ولاسيما معرفتُه بالحقيقة. فكلُّ فعلٍ صالح يثبتُ على أساس دِقَّةِ المعرفة و حُسنِ الأرادة وآستقامةِ النية. والله وحدَه ” فاحصُ القلوبِ و الكلى”(مز7: 9). وحدَه يُقَّدرُ بعدالةٍ الواقع ويُمَّيزُ طيبَ نية الأنسان أو سوءَها. لأنه وحدَه يعرفُ، بعمق، لماذا تصَّرفَ هكذا. فتناولُ كاثوليكيٍّ في قداسٍ بروتستانتي لا يوجدُ فيه جسدُ المسيح هل هو نتيجة جهل أم لا مبالاة أم مُراءاة ؟. نحن غير قادرين أن نُثَّبت ذلك إلا أللهم إذا إعترفً المُتناوِلُ بنفسِه وكشف عن نيَّتِه الفعلية. الله هو الذي وحدَه يحاسبُ، فيدين أو يُبَّرِرُ، فيُحَّدِدُ مدى المسؤولية. ولذا قال الرب: ” لاتدينوا “، لا تحكموا على غيركم. لكن عدم الدينونة لا تمنع من التثَّقفِ من الأيمان المستقيم وطلب المشورة لضمان السلوك القويم الشخصي أولإعلان الحقيقة. في كلِّ الأحوال وكل الظروف على المرء، كما قال الرسول، أن ” يُحاسبَ نفسَه قبلَ أن يتناولَ ” ليضمن لنفسِه تناولاً صحيحًا يبني حياتَه ويُقَّدسُها.
المسيح لم ينقسم !
ليس للحقيقة وجهان، بل وجهٌ واحد : القدرة والحكمة الألهيين. إستندت الكنيسة على كلام الرب في التمييز بين ما هو حَّقٌ وما هو باطل وإعلانه للعالم، لأنها مُكَّلَفة بذلك (متى28: 19)، وليس على حكمة البشر ومنطقهم (1كور2: 5-16). والمسيحية إنقسمت على نفسِها لأنَّ بعضَ أبنائِها لم يؤمنوا بذلك، ولم يخضعوا لسلطة الكنيسة المُقامة من المسيح وحسب نظامِه. والمؤمنون الذين يجهلون ما حدث في التأريخ ويجهلون واقع الكنيسة ولاسيما لا يعون مسؤوليتهم في إتباع طريق الحق دون ترك المحَّبة ، أصبحوا لا يُمَّيزون بين كنيسة المسيح، الذي لم ينقسم على نفسِه بآنقسام أتباعِه حتى يعترف بجميعم على قدم المساواة في الحَّق، فلا يُمَيّزون بينها وبين ” كنائس البشر”، بل صاروا يتعاملون مع أيَّ جماعةٍ كانت تُلَّبي رغباتِهم وتتساهلُ فتتماشى مع فكر العالم، فتُسَّهلُ طريق حياتِهم وإن كان على حساب الحق. فالكنائسُ البروتستانتية إنشَّقت عن كنيسة المسيح بسبب الخلاف على العقيدة الأيمانية ، ولم يقبلْ تعليمَها فلم ينتمِ إليها أيُّ أسقف، وفقدت بذلك إمتداد الكهنوتِ فيها. و الكهنوت أصبح وظيفة إدارية أكثر منه خدمة وساطة روحية. وبسبب عدم إيمانها بتحوَّل الخبز و الخمر الى جسد ودم المسيح لم يبقَ القداس ذبيحة ” موت وقيامة ” المسيح (1كور 11: 26 ). لأن ذلك لا يمكن أن يحصل إلا على يد كهنة نالوا، من المسيح، صلاحيتَهم المتواصلة في الكنيسة بواسطة الرسل والرسامة كما مارسها الرسل بناءًا على توجيه الرب (أع13: 2 -3).
فليس صحيحًا بعدُ إعتبارُ القداس في الكنائس البروتستانتية صحيحًا ومساويًا للقداس في الكنيسة الكاثوليكية التي يرتقي تسلسل الكهنوت فيها الى الرسل، فتُسَّمى رسولية ، وتؤمن بآستحالة القرابين الى جسد ودم المسيح، وبناءًا على فعل المسيح وتوصيتِه (لو22 : 19-20). وليس لأن الناس أصبحت تقول” كلنا مسيحيون. وكل الكنائس متساوية ” صارالواقع كذلك ويجوز التناول أينما كان. و الفرقُ لن يزول عند عدم التمييز بين الحَّق والباطل. و الوحدة لن تتحَّقق بخلط الأوراق. بل تتحَقَّق عندما بالمحبة يعترف كلُّ واحد بالواقع ويُحاول إزالة الخلاف بالأمانة للمسيح. فبما أن الخلاف عقائديٌ فالسلطة الكنسية أولى بتَوجيه أبنائِها إلى الممارسة الصحيحة للأيمان ، وعلى الأبناء الخضوع لتوجيهاتِها وليس إتخاذ قراري شخصي بما هو الحق وأين هو. وقد أكَّدَ يسوع أنَّ من لا يسمع للكنيسة يرفض الطاعة للمسيح نفسِه (متى 10: 40). كما أكَّد مار بطرس أن ليس كلُّ مؤمنٍ مؤَّهلاً لتفسيرالكتاب المقدس فيبني لنفسِه عقيدةً خاصّة وتعليمًا يُعارضُ ما تعلنه الكنيسة (2بط1: 20). لذا حَذَّر ماريوحنا الرسول من الركون إلى أي فكرٍ كان، بل دعا إلى تمييز روح الله عن الروح الشرير (1يو4: 1-2).