أهلا وسهلا بالأخ سعد تومايي.
يبدو أن العادات وتقاليد الزواج ، التي هاجرت مع حامليها، أزعجت سعد كما أصبحت حجر عثرة إصطدمَ بها غيرُه وصارت عالةً على المهاجرين أنفسهم. ولو فرضنا أنها كانت تخدمهم زمنًا ، وكانت نافعة في مناطق عديدة، إلا إنها تبقى من صنع البشر، وبهدف تسهيل الحياة والتقليل من همومها، ويجب إزالتها إذا آنتفت الحاجة اليها أو أصبحت هي نفسها ثقيلة و مؤذية. لكن الواقع يبدو مخالفا لمنطق العقل. فثارت نفسية سعد ، وآلافٍ من أمثاله ، مطالبين بآتخاذ إجراءات تُحقق هدفَ تلك التقاليد دون أن تثقّلَ على كاهل الشباب. فوَّجهوا أسئلتهم وحتى نقـدهم الى الكنيسة آملين أن يجدوا عـندها جوابا شافيا لطموحهم ، وعونا مضمونا لزواجهم بشكل طبيعي.
الأسـئلة !
كتبَ سعد يقولُ :
1+ ما هو موقفُ الكنيسة من التكاليف الباهظة والطلبات التعجيزية التي يفرضُها أهل الفتـاة عندما يتقَّـدمُ شابٌ لخطبةِ إبنتِهم ؟ أليسَ حرّيًا بالكنيسة أن تُحاربَ مثلَ هـذه الظواهر، كون الزواج سّرًا مُقَّدسًا لا تجارة؟ ماذا بوسعِ الشباب ذوي الأمكانيات المادية البسيطة أن يفعلوا إزاءَ هذا الموقف ؟
2+ أين وكبف بإمكان الشاب المسيحي أن يجدَ في المهجر فـتاة مسيحية مؤمنة ليرتبطَ بها ، وسط كثير من حالات ” خراب البيوت ” ، وآنحرافِ الكثير من فتياتِ جاليتنا نحو الثقافة الغربية وتقليدهم لفتيات الغرب بأمور غير صحيحة ؟.
تكاليف الـزواج !
إعتبرتْ شريعة حمورابي الزواج عقدا بين طرفين متساويين. وآعتبرت المرأة كالرجل مورد رزقٍ للعائلة. وفي حالة الزواج كان الشباب يستمرُ فيعيش مع ذويه. أما الفتاة فكانت تخرجُ من بيت والدها، ما كان يسبب خسارة وتقليلا في المورد. ففرضت الشريعة تعويضا يقدمُه ذوو الختن لأهل العروس. وبالمقابل كانت الفتاة تخسُر حَّقها في ميراث والدها. ربما استهدفوا من ذلك ألا تتشابك المصالح وتقسيم الأملاك الى جزيئات ، فلا تخسر الحقولُ أو البيوت قيمتها وتفقد نتاجها وبالتالي تؤولُ الى خسارة عامة. وعَّرفوا الزواج بكلمةٍ آرامية “ܡܟܼܲـܪ ، و ܡܟܼـܘܼܪܝܵܐ :مْخَرْ و مْخورْيا ” أى خطبَ و خطـوبة ، بمعنى” قايضَ ومُقايضة ” أو إشترى.
توالت الأديان وتعاقبت الشرائع وتغَّيرت مفاهيم الزواج ، لكن آثار تلك العقلية ظَّلت لدى بعض الشعوب والأديان. ورغم أن المسيح بيَّن أن الزواج أسمى من عقد وأقدس من تجارة ، لأنه تكامل الأنسان من جزئيه الذكر والأنثى بناءً على تبادل المعرفة والحُّب و التعاون بينهما وبهدف استمرارية الحياة براحةٍ وهناء ، إلا أن فكرة الربح والخسارة لم تبرحْ كل العقول ، وظلَّ الذهبُ واللآلئ تغري النفوسَ الضعيفة. وقد عانت الجماعة المسيحية دوما من مشاكل تكاليف الزواج وحاولت الكنيسة كثيرا أن تُحددها وتبقيَها ضمن الأطار المعقول والمقبول. لكن الناس وجدوا بآستمرار أساليبَ ليلتفوا حول أنظمة الكنيسة ويُخالفوها و بالتالي أن يعودوا الى الوراء. فلأنَّ الأنسان مجبولٌ من التراب ويعيشُ بالحواس ، وهذه حسَّاسةٌ تعملُ على الظواهر لذا يَصعبُ عليه ما هو من الروح وما يُبنى على الأيمان. وإذا قلَّ الأيمان أو زال تكثرُ الشهوةُ وتطغي الحواس.
موقـف الكنيسـة !
لقد حاربت الكنيسة مدى الأجيال هذه الظاهرة. وقد دعت المؤمنين الى التعامل مع الزواج على أساس أنه سّرٌ يمنحٌ نعمة الهية خاصة للمتزوجين يقدرون بها أن يتعاونوا على العيش المشترك ولبناء عُّشٍ جديد يكون قوامه العملُ والجهاد وليس الأرثُ والإمارة. تُعَّلم الكنيسة وتَصُّرُ على أن الزواج بين المسيحيين يقوم على أساس المحبة والتفاهم بين الشاب والفتاة و ليس بين ذويهما. وإذا قام الزواج على أساس منفعةٍ مادية دنيوية فهو باطل. وإذا تم الزواج بارادةِ الأهل لا بآتفاق الخطيبين فهو باطل. فإذا كانت الفتاة تُحّبُ خطيبَها كيفَ تقبلُ أن يبيعَها والداها مقابل مهرٍوهدايا؟. يقول مار بولس :” ليس على الأولاد أن يذخروا للوالدين، بل على الوالدين أن يذخروا للأولاد. وإني أجودُ بالنفقاتِ راضيا، بل أجود بنفسي فدى لكم” (2كور12: 14-15). المفروضُ أن يَصرفَ أهل الفتاة مناصفةً مع أهل الشاب لتوفير جميع تكاليف الزواج. أو أقله يصرفُ كل واحد حسب إمكانياتِه لتتقوَّى بين الأسرتين روابطُ محَّبةٍ وإخاء، وتنمو الألفةُ ويكثرُ التعاون فيظهرَ روحُ المسيح ويشـتَّدَ بين أعضاءِ الجاليةِ. الغربةُ مُرَّة وتُقَّسي القلوب ، اما الأيمان فيُزيلُ الهموم ويُسَّهلُ مسيرة الحياة بشكل مريح.
قال مار بطرس :” أيتها النساء…لا تكن زينتكن تبَّرجا كضفرالشعروالتحَّـلي بالذهب والتأنق في الملابس، بل زينة قلبِ الأنسان وباطنِه ، على نفس وادعة بريئة من الفساد مطمئنة : ذلك هو الثمين عند الله “(1يط3: 1-4). تُعلنُ الكنيسة هذه المبادئ وتدعو أبناءَها الى التقَّـيد بها. ولكن كم من المسيحيين المهاجرين يؤمنون بالمسيح وبتعاليمه؟. كم واحد منهم مُستعّدٌ أن يقبلَ الموت من أجل مبادئ المسيح ولا يُخالفَ ما تُعَّلمُه الكنيسة؟. إنه الألحادُ الذي يجب أن يظهرَ أولا ويعمل بشدة (2تس 2: 3-8) حتى يعودَ المهاجرون الى شفافية إيمانهم ونقاوتِه. لم يفرض المسيح ارادته وتعاليمه بقوة السيف. لم يَشاْ ان يكون المسيحيون منافقين ومصلحيين. أرادهم أن يعوا و بحريتهم أن يحفظوا كلامَه. وهكذا تسير الكنيسة على خطواتِه. لا تفرضً شيئا بل تـعرضُ ايمانها و تدعو المؤمنين الى أن يشهدوا له بسلوكهم.
دور الختن والعروس !
من المفروض أن يتم الزواج ، كما أسلفتُ، بناءًا على المحبة التي نمت بين الأثنين. لا يُفترضُ في الزواج المسيحي لا المهر ولا الهدايا. يشترطُ الأيمان محبة حقيقية ، مستعدة للموت من اجل فداء الآخر(يو15: 13)، تجمع بين الأثنين بحيث لا تقـوَ على الأرض قوة على الفصل بينهما ، وبحيث لا يغلُ شيءٌ في الواحد منهما سوى سعادة الآخر. ومن جمعهما حب بهذا المقياس لا يُعيرُ أهمية لا لآحتفال مهيب ولا لمهر يطيب. بل يتحَّدى كل المشاكل ويُذّللُ كل الصعاب ليتم الزواج ببساطة ، إنما بضمان إستمرارِه للأبد. على الشاب والفتاة أن يتفقا على تكاليف الزواج وشكلياتِه. وإذا كان بإمكان والد الفتاة أن يبذخ في زواج إبنتِه ليفعَلْه من مالِه ويبدِ حبَّه الشديد لآبنتِه دون أن يثقلَّ كاهلها بفرض ديون على زوجها؟. إذا كان على الكنيسة أن تعطيَ إرشاداتِها فعلى المتزوجين المؤمنين بالحب وبالمساواةِ بينهما أن يصمُدا في الحق ويُناضلا من أجل ألا يُستغَّلَ زواجُهما لتصفيةِ حساباتٍ أو لكسبٍ مادي خسيس. يبقى العروسان أولادًا للكنيسة يشملهما واجبُ الخضوع لتعليمها وتوجيهاتِها وعدم الرضوخ لضغطٍ دنيوي أو الأقتداءِ بالآخرين. ومن له ايمان وسألَ اللهَ نعمة وعونا فاللهُ كفيلٌ أن يستجيبَ له ويسَّهلَ له أمر الزواج على قدر حاله (متى7:7).
أين تجدُ فتاة ً مؤمنـة ، وكيفَ ؟
توجدُ الفـتاةُ المسيحية المؤمنة حيثُ يوجد الشابُ المسيحي المؤمن. لأنَّ الطيورَ على أجناسِها تقعُ. أما خرابُ البيوتِ فيحدثُ لأن البعضَ يطيرُ خارجَ سربِه. وأما السرُبُ فلن يكون، بالنسبةِ الى البشر، من له نفس الريش ونفس اللون. سِربُ البشرهو أن تلتقيَ الأرواحُ أولا ، في صلاةٍ في سفـرةٍ في نـدوةٍ في مدرسةٍ ، ثم أن تمتزجَ الأفكارُ والأحاسيسُ قبل أن تتلاقى العيون وتنبهرَ بجمالٍ ظاهريٍ يزول ، أو تتشَّنفَ الآذان بألحـان فتسقطَ فريسة غرامٍ أو هوًى كَّذاب. توجدُ الفتاة عندما يعرفُ الفتى أن يُحّبَ محبةَ البذل والعطاء، لا حبَّ الخداع بالكسبِ ، ومحَّبةَ خدمة الآخر وإسعاده لا رغبةِ الأقتناء. توجدُ الفتاةُ المثالية حيثُ يوجدُ شابٌ مثالي يعرفُ أن يخرجَ عن ذاتِه ويتكَّيفَ مع البيئة الجديدة دون أن يفقدَ كرامتَه أو إيمانه وينجرفَ وراء شهوةِ المال أو الجنس أو المنصب.
قد تنحرفُ بعضُ الفتيات ولكن يكون قد سبقهن شبابٌ بعشرة أضعافهم ضاربين عرضَ الحائط كل القيم والأخلاق المسيحية وقد يكون في المهجر أشواكٌ وحفرٌ وزلازلُ وبراكين خلاقية ، لكن المهجر لا يخلو من أزهار و ورودٍ قلَّ نظيرُها
في البلد الأصلي. ليس كلُ مهجرٍ جهَّنما كما ليس كل بلد أصلي جَّـنةً. والثقافة الغربية لم تلبسْ فقط ثوبَ التطَّرف في الحرية. بل لها أيضا حلّةُ النظام البَّناء. وهنيئا للذي يعرفُ أن يكتشفَ الأيجابيَّ في المهجر الغربي، من علم ونظام وحرية وكرامةٍ ومساواة ، ويعرفُ كيف يتخَّـلى عن عقدة التخَّلفِ ودناءةِ المستوى ولاسيما عقدةِ التزَّلفِ و النفاقِ. وطوبى أيضا للذي يعرفُ أن يحاسبَ نفسَه ويمتحنها بنار الأيمان الحق والمنطقِ السليم فيكتشفَ ما هو صحيحٌ لا في عينيه هو بل في عيني اللـه الخالق المحب القدير. طوبى للذي يعرفُ ألا يدين الآخرين كما قال الرب (متى7 : 1) بل يقبلهم كما هم و يتعاون معهم لخلاصهم وتقّـدُم الأنسانية. وطوبى للشاب الذي يعرفُ أن الأنثى أضعف من الذكر وعليه مداراتها لا محاسبتها كما قال الرسول (1بط3: 7).