أهلا وسهلاً بالسائل آلكريم
كتب مُؤمنٌ، أبى ذكرَ إسمه، يشكو ألمه، ويتحسَّسُ خطورة ما يُعاينُه ، سائلاً ما هو آلحَّل. قال : ” أنا شخصِّيًا أتَأَّلم وأتساءَلُ، ومعي ومثلي كثيرون آخرون، عن سوء تصَّرفاتِ بعض آلعاملين في خدمة آلمذبح، في طقوس آلعبادة، من آلشمامسة وحتى بعض آلكهنة. أصبحتُ غير قادر على متابعة آلقداس. بينما قاطع مؤمنون كثيرون آلكنيسة وتركوها بسببهم. مع أنَّ آلكنيسة بريئةٌ من تصَّرفاتهم. يبدو أَنَّهم يُحِّبون آلكنيسة ويلتزمون بالحضور وآلخدمة. لكنَّ آلبعضَ منهم :” حقودون، حسودون ، نمّامون ، شهودُ زورٍ. بعضُهم يعملُ في بيع آلخمور، وآلمراقص في آلليل، وفي آلصباح يخدمُ في آلكنيسة. بعضُهم مُطَلَّقون أو لهم مشاكلُ عائلية ، وأثناءَ آلقدّاس يوَّزعُ القربان. بعضُهم زعلان وحاقد على غيره من خدام آلمذبح ويختلفون بينهم وحتى يغلطون أحيانًا على بعِضهم .. إِنَّهم حجرُ عثرةٍ للآخرين، و آلمسؤولُ لا يمنعهم من آلخدمة…”. فتساءَل :
@ هل هذا وضعٌ طبيعي ، صحيح ؟
@ لماذا يخدم أمثالُ هؤلاء ؟
@ لماذا لا يمنعهم مسؤول الكنيسة عن آلخدمة ؟
@ أ لا توجدُ مواصفاتٌ خاصّة لخدام آلمذبح ؟
@ أضاف سؤالاً آخر: هل يجبُ أن يخلعَ خُدَّام آلمذبح ” نَعلَهم ” لأنَّ آلمكان مُقَدَّسٌ ؟
1- وضعٌ شــاذ وخاطيء !
تلك أفعال أهل آلعالم، يُحِّركها ابليس. آلمؤمن آلمسيحي ليس، مثل يسوع، من آلعالم لذا صَلَّى يسوع من أجل تقديسه ( يو17: 16-17). كم بالحري على خُدّام آلمذبح ان يُقَدِّسوا ذواتهم ليكونوا رسُلا للمسيح تشهدُ سيرتُهم على آلحَّق. فهم يُسَّبحون الله ويُمَّجدونه بكلامهم ، فكيف يُدَّنسونه بأفعالهم؟. إنَّ سوءَ التصَّرف، كما هو مذكور، هو فعلا حجرُ عثرةٍ لأنَّه يُشَكِّكُ آلآخرين. و” الويلُ لمن على يده تأتي آلشكوك {لأنَّها توقعُ في آلخطيئة}، كان خيرًا له لو عُلِّقَ في عنقِه حجرُ آلرحى وزُجَّ في أعماقِ آلبحر” (متى18: 6-7). وأفعالٌ كالتي ذُكَرت، تُدَّنسُ قلبَ آلمؤمن وفكره، فكيف يتناولُ القربان ومار بولس عَلَّم أنَّ من يتناولُ و” لا يراعي جسدَ آلربَّ يأكلُ ويشربُ آلحُكمَ على نفسِه ” (1كور11: 28-30). وآلربُّ يريدُ أن يكون آلمؤمنون ” في حضرته قديّسين بلا عيبٍ ولا لوم ” (كو1: 22).
2- لماذا يخدمون ؟
زرع اللهُ في حقله زرعًا جَيِّدًا. خلقَ ناسًا صالحين. ودعاهم كلَّهم ليكونوا مثله قدّيسين (أح 19: 2؛ 1بط1: 15-16). لكنَّه لم يمنعْ عدُّوَّه ابليس أن يزرعَ الزؤان بين آلحنطة، ولا أن يُحَّرضَ آلإنسان على آلخطأ (تك3: 1-4؛ أي1: 7-12؛ 2: 2-9). للّه في ذلك حكمتُه. فمن وقع في حباله لا يتنازل الله عنه لأبليس. و وجودُه كشِّرير ينفع ليوعيَ الناس ويردعَهم عن آلشِّر. يُعطي اللهُ بالمقابل، كلَّ إلناس، ما يُحمون به أنفسَهم ويتغَّلبون عليه :” إنَّ اللهَ صادقٌ. فلا يُكَّلفُكم من آلتجاربِ غيرَ ما تقدرون عليه. بل يهبُكم مع آلتجربةِ وسيلةَ آلنجاةِ منها و آلقدرةَ على آحتمالِها ” (1كور10: 13). إن كان قد سمحَ بالزؤان حتى لا تتكاسل الحنطة في جهدها للنمُّو وآلإثمار، لكنَّ آلزؤان لا يستطيع أن يتغَلَّبَ عليها. شَّرُ آلزؤان للتذكير بالخطر آلموجود ووقاية الذات منه بالجهدِ في آلقداسة.
إختارَ يسوع إثني عشر رسولا ، من ضمنهم يهوذا آلأسخريوطي. إختار دعوة آلبعض للكمال فكَلَّفهم بالخدمة في مملكته. بل مَيَّز يهوذا بأن جعله وزيرًا لماليته (يو12: 4-6). كان بوسعه أن يبرزَ، مثل بطرس، حتى بعد خيانته لكنَّه إستسلم لشهوة آلمال فخسر حياته. لا يحرم أللهُ أحدًا من خدمته ومن نعمةِ خلاصِه. بل يُعطي آلكل، إلى آخر لحظة حياتهم ، فرصة آلخلاص. ولولا وجودُ آلأشرار لمَّا زها آلأبرارُ وأشَّعوا في مملكة آلمسيح. وآلمسيحُ يريدُ من كلِّ مؤمن أن يكون له جنديًا، مُتطَّوعًا، صالحًا يُشغلُ نفسَه بأُمور الله” لا بأمور آلدنيا “(2طيم 3-4).
3- لماذا لا يُمنَعونَ من آلخدمة ؟
كل راعٍ مسؤولٌ، أمام الله، عن أداء واجبِه بضمير مستقيم” دون تحَّيز ولا محاباة ” (1طيم 5: 21) فيقود رعِّيته في درب آلحَّق ويسهرُ على خلاصِ أبنائِها. وأول شيءٍ يعمله هو أن يجعل من نفسه قدوة السيرةِ آلمثالية، ” في آلكلام وآلتصَّرف وآلمحَّبة وآلأيمان وآلعفاف (1 طيم 4: 12؛ 1بط5: 3؛ طي2: 7) لمساعدتهم بذلك على آلأقتداء بالمسيح (1كور11: 1؛ أف5: 1؛ في3: 17). لأنَّ آلمسيحَ جعل من ذاته قدوة، في كلِّ شيء، يقتدي بها تلاميذه (يو 13: 15؛ 1بط2: 21).
بعد آلقدوة يحاسب الراعي مؤمنيه ليرُّدَهم عن السلوك السَّييء ويُعيدَهم الى صواب السبيل. يدعو بولس معاونيه أساقفة أفسس وكريت إلى محاسبة معاونيهم من آلكهنة والشمامسة (1 طيم 5: 20) قائلا لطيطس :” تكَلَّم وعِظ و وَبِّخْ بما لكَ من سُلطان تام، لا يستخِّفْ بك أحد” (طي2: 5).
لم يطلب منه أن يمنعَ مِن آلخدمة وحتى مَن آلمنصب من يصبو إليه. بل أن يحاسبَ ويعين على الخدمة المثالية. تمامًا كما عمل يسوع الذي لم يستغنِ عن يهوذا الراغب في تلمذته بل أعطاه فرصة أن يخدم، ولم يطرُده عندما أساءَ إستعمال مهّمته ( أمينًا للصندوق )، لأنَّه آمن به ، بل أحسسه بغلطه وخطورة موقِفِه لعَّله يرعوي ويُصلح أمرَه. لأنَّ الله لا يريدُ نبذ آلخاطيء للهلاك بل يدعوه إلى التوبة وآلتغيير للخلاص (حز18: 23؛ 2بط3: 9). من هذا آلمبدأ لم يطرد يسوعُ يهوذا كما منع قلع آلزؤان، لئلا يُسيءَ بذلك إلى غيرهم من الأبرار. و يسوع هو قدوة الكنيسة وراعيها آلأصيل وحكيمها بلا منافس.
لكنه لم يسكت على ضلالة بطرس ونعته بشيطان عندما قبل فكرَه ورفضَ موت المسيح (متى 16: 22-23). ولا أيَّد مغالطة يهوذا ، ولا قبل دعوة التلاميذ الى العنف والقصاص (لو9: 53-56). ولم يستعمل العقاب مطلقًا. بل شَدَّد على أنَّ لا يدينوا أحدًا بل يُرَّكزوا على تقديس ذواتهم (متى7: 1) وأن يتمَيَّز بِرُّهم ويفوق برَّ أهل آلعالم المنافقين (متى5: 20).
الخدمة لا تُقَّدسُ دوما مُنَّفذيها. أمَّا آلقداسةُ فهي تُثمرُ آلخدمة وتسمو بها لأنها تبني. وآلعقابُ لا يبني دومًا بقدر ما يفعله اللطفُ وآلنزاهةُ وآلصراحة وآلمتابعة في آلمحاسبة.
4- مواصفاتُ خُـدّام آلمـذبح !
وضع مار بولس أمام تلميذيه طيطس وطيمثاوس لائحةً من آلمواصفات آلأيمانية لاختيار
معاونيهم. أهمها عدمُ آلأسراع في رسامة خدام آلمذبح وآختبارُهم قبل إختيارهم (1طيم3: 1-13 ) وعدم مشاركتهم خطَأَهم أي تبريرهم (1طيم5: 17-22). وبعضُ صفاتهم :” حفظ آلأيمان في ضمير طاهر.. أن يكونوا بلا لوم .. أن يشهد لهم آلمؤمنون .. قادرًا على آلوعظِ في التعليم الصحيح وآلرَّد على آلمعترضين .. يحسن تدبير بيته وتربية أولاده .. ” (طي1: 5-16)، قادرا على تسليم وديعة آلأيمان إلى أناسٍ أُمناء يكونون أهلا ليعلموا غيرهم (2طيم 2: 2). وقوانين الكنيسة تتقَّيد مبدئيا بهذه آلمباديء عند رسامةِ خُدّامِ آلمذبح.
5- خلع آلنعل أثناء آلخدمة !
برَّر السائلُ سؤاله إذ جاءَ في الكتاب آلمقدس أن اللهَ أمرَ موسى، عندما ظهر له على جبل سيناء، أن يخلعَ حِذاءَه ” لأنَّ آلموضعَ الذي أنت واقفٌ عليه أرضٌ مُقَّدَسةٌ ” (خر3: 5). أي مُقَّدسة رغمَ حقارتها لأنَّ اللهَ حاضرٌ فيها، لا فقط بوجوده آلخَّلاق، إنَّما بفعله آلقيادي للكون. لم تطأْها بعدُ قدمُ آلأنسان ولم يُدَّنسها بعد بأفعاله آلشِّريرة آلقبيحة. قد تكون قدم موسى أوسخ من نعلِه. مع ذلك هي أقدس من النعل. لأنَّ القدم آلعارية من صُنع الله تنبُضُ فيها الحياة. أمَّا النعلُ فهو من صنع البشر، جامدٌ بلا حياة.
أمَّا في خيمة آلإجتماع فلم يطلب منه أن يخلغ نعلَه، مع أنَّه كان يُحدّثُ موسى ويُمليه أوامره وتعليماته الحيوية للأحداث آلتالية. وكذلك أمر اللهُ موسى صُنع ثيابٍ خاصّة لهارون ولبنيه آلكهنة يرتدونها عند خدمتهم في خيمة آلإجتماع، هيكل آلمستقبل، وتقريب القرابين. وصفَ اللهُ حتى نوع السروال الذي يلبسونه. أما آلنعلُ فلا ذكر له مُطلقًا (خر28: 1-43).
من أين أتى إذن ؟. لا قانون فيه ولا تعليمات ولا معلومة. يقول العالِم في آلكتاب آلمقدس الخوري بولس الفغالي عن خلع النعل أنه ” عادةٌ معروفةٌ بعدُ في الشرق وتعني” لا تترك غبار آلخارج يدخل إلى آلمعبد “. وأتذكر في بداية آلخمسينات من آلقرن آلماضي كُنَّا نخلع أحذيتنا في مدخل آلكنيسة ، التي لا قنبة فيها ولا كرسي، ونجلسُ على آلحصران. كان آلهدف ألا تتوسَّخ وتبقى نظيفة للأستعمال. ولا علاقة للأمر بقدسية الكنيسة حيث يحضر الله. كان آلأساقفة وحدَهم يخلعون أحذيتهم في آلمذبح، أثناءَ آلقداس فقط، ويلبسون آلخُفَّ للتقديس. وقد بطلَ هذا أيضًا!. لم يبقَ لا طينٌ ولا حصيرة.
كانت آلأفكار أصفى وأسمى، وآلقلوبُ أنقى وأبرَأْ، وآلخدمةُ أهيبَ و آقدس مما هي عليه آلآن !!. هو آلأنسان قد تغَّيَر لأنَّ آلحياة تتطور. وليتَه تغَّيرَ إلى آلأفضل ليبنيَ ملكوتَ اللهْ على آلأرض لا ليهدمها، وليتقَدَّس فيرتاح وينسعد لا ليتنَجَّسَ فيشقى ويتألَّم !!.
وأمَّا عن إنتقاد آلمؤمن عيوب خُدّأم آلمذبح وطلب إقصائهم عن آلخدمة، فللرَّبِ أيضًا نصيحةٌ وتوجيه. قال :” لا تدينوا لئلا تُدانوا .. أَخرج آلخشبةَ من عينك أوّلا، حتى تُبصرَ جَيِّدًا فتُخرجَ آلقِشَّةَ من عين أخيك “(متى7: 1-5). لا يدينُ آلرَبُّ ملاحظة العيوب. ولا يرفُضُ محاسبتَها وإصلاحَها. إنَّما قد تكون بعضُ أحكام آلإنتقاد خاطئة أو مُغرضة لسببٍ ما. فمن آلأفضل للمؤمن أن يُقَدِّسَ أولاً ذاته، وأن يسمو ثانيًا إلى مستوى آلمسيح للتعامل مع غيره، وثالثًا أن يثقَ بنظام الكنيسة ألأيماني ويرتفعَ عن أسلوب أهل آلعالم في آلدينونة و آلمعاقبة. ليدع المسؤولين يمارسون مسؤوليتهم. يُخبرهم بردود فعل خدام آلمذبح. نعم. ثم يتعاون بمحَبَّة مع الراعي لخدمة أولئك آلمنحرفين لإعادتهم إلى صواب آلسبيل لا إلى نبذهم وعقابهم.