أهلا وسهلا بالأخ د. حسّان باكوس
احظ الشماس حسّان أن ترتيلة ” قدوس”، المُرتَّلة في القداس، لدى كل المذاهب والطوائف ، وهذا إن دلَّ على شئء فهو يدُّلُ على قِدمها إذ ترتقي إلى ما قبل الجيل الخامس الميلادي الذي فيه حدث أول إنقسام سنة 451م ، لاحظ أنها تنقسم الى جزءَين. الأول مأخوذٌ من رؤيا إشعيا النبي (اش6: 3)، والثاني من دخول يسوع الملوكي الى أورشليم (متى 21: 9). فسألَ :
- لماذا دُمِجَت كلمات القسمين في ترتيلة واحدة ؟
- لماذا لا نقولُ القسم الثاني في زمن الصوم بل نستبدله بـ ” ܡܸܢ ܟܝܵܢ ܐܝܼܬܼܘܼܬܼܹܗ … من طبيعتِه الأزلية ، ومن جلالِ بهائِه المجيد ” ؟ { القداس الكلداني }
- طقسيًا : هل يحُّقُ للشماس تبخيرُ المذبح عندما لا نُرَّتلُ القسمَ الثاني ؟
{{ المُعتاد تبخيرُ المذبح مع بداية القسم الثاني }}
لماذا دُمِجَتْ ؟
وهل هي فِعلاً دمجٌ أمْ هي تأليفُ ترتيلة خاصَّة مأخوذة عناصِرُها من الكتاب المُقَّدَسْ ؟. في رؤيا إشعيا ملائكة السماء رتَّلتْ. وعند دخول يسوع أورشليم ملائكةُ الأرض رتَّلت ، الأطفال الأبرياء بقُوَّة الروح القدس. ومن رسالة الكنيسة أن تُمَّجدَ الله وتُعلن قداستَه للبشر. و هل تجد كلمات أقدس وأليقَ بمقام الله من التي ألهمها الروح القدس نفسُه؟. وفي ترتيلتها وحَّدت الكنيسة عهدي الكتاب المقدس لتُعَّلم وحدة كلمة الله و وحدة شعب الله الذي يرفع المجد لله عبر الأجيال، لأنَّ الله هو” الواحدُ ” نفسُه من القديم الى الجديد.
وليست هذه المرَّةَ الأولى تتصرَّف الكنيسة هكذا بإلهامٍ من الروح القدس. إنَّ صلاة السلام الملائكي تتكون أيضًا من فقرات من الأنجيل، صوت السماء، ومن فقرات من دعاء الكنيسة ، صوت الأرض، فتتوحد الكنيسة، في صلاتها كما في ترتيلها، بتواجد أعضائها في السماء ( الكنيسة الظافرة والممجدة ) والأرض (الكنيسة المجاهدة والمتألمة). لا شكَّ أن أفضل صلاة أو ترتيلة تكون التي تبنى على كلام الله نفسه. ومن يُصَّلي فرض الصباح والمساء في الطقس الكلداني يُلاحظ سريعًا أن تراتيلها كلَّها إمَّا مستوحاةٌ من كلام الكتاب المقدس أو تنبني على الحقائق المُثَّبَتة فيه. تنطلق الكنيسة من الوحي وتُحَّوله الى صلاة. وهذا جلّيٌ في صلاة ” المناداة ” أو الطلبات فتُؤَّوِنُ الكتاب ليُحيي النفوس. صلاتنا إذًا تنطلقُ من الله وتتوَّجهُ فتنتهي إليه. ومشاركة السماء والأرض في الصلاة واضحةٌ مع ترتيلة ” قدوس”. قبلها يقول الكاهن ما معناه : كافة الخلائق ترفع المجد مع الملائك و الروحانيين فيسبحون وينشدون قائلين : قدوس ، قدوس… وبعدها يؤكد أنهم يشتركون مع القوات السماوية في حمد الله ومباركته .
لماذا نُبَّدِلُها في الصوم ؟
لا يبدو الأمرُ لاهوتيًا ولا راعويًا. يبدو فقط أن ترك فقرة أوشعنا وهي إحتفالية وتمجيدية يعود الى فكرة أنَّ الصوم زمن التوبة والتعَّمق في الأيمان وليس زمن فرح وآحتفال. لا يوجد ليترجيًا أي عيد في الصوم، حتى ولا تذكار. ما عايشناه أو نعيشه اليوم هو دخيلٌ من تأثير طقوسٍ أخرى. حسب الطقس الكلداني ينتهي صوم المسيح مع الخميس السابق لجمعة لعازر. جمعة لعازر تذكار إحتفالي يُهَّييء لأعياد أسبوع الآلام. وأول عيد هو السعانين نحتفل بملوكية المسيح. وفيه يُمَّجدُ المسيح بكلمات ترتيلة أطفال أورشليم ” أوشعنا”. ولكي تحتفظَ ببريق تلك الترتيلة لهذا اليوم، صامت عنها الكنيسة أربعين يومًا و آستعادتها فيه و رتلتها بعظمة وهيبة لا توصف. رتلتها لا فقط في القداس وإنما ألفت لذلك اليوم ألحانًا كثيرة ورتلت ” أوشعنا ” مئات المرات عوض “ثلاث ” فقط وخلال تطواف وفرح وآبتهاج. ولو إنتبهنا الى المقطع البديل ” من طبيعة ..” فهو نسجٌ وتوسيعٌ فقط في ما سبقه. أي نبقى في العهد القديم وحده حتى نهاية الصوم.
التبخير عند قدوس !
جيِّدٌ أن الشماس ذكر بأن التبخير في ذلك الوقت ” عن عادة”. فعلا لا تُعطي الكتب الطقسية ، أقَّله من مائة سنة، أي ملاحظة أو إشارة الى التبخير في هذا الوقت. كان فقط ” عادة “. و الغريب أن الكتب الطقسية تذكر صلاة وضع البخور في البداية عند ” لاخو مارا”. و عند قراءة الأنجيل ، وبعد السلام ، وقبل الرفعة الثانية أي رتبة الكسر والمزج. لا يُخَّصص أي صلاة لفترة ” قدوس”. وأيضًا يذكرُ مرةً واحدة فقط كيفية التبخير : المذبح، المحتفل بالقداس، الشعب بشكل عام أي بعدم النزول بين مصاطب الشعب. ولا يذكر التبخير بالشكل المُحَّدد حتى ولا عند إعطاء الملاحظة :” بمدعيكون صَّلاو ..ܒܡܲܕܥܲܝܟܘܿܢ ܨܲܠܵܘ أو بْشِليا وَوذحِلتا …ܒܫܸܠܝܵܐ ܘܲܒܼܕܸܚܸܠܬܼܵܐ ..
ولا تذكر المصادر من أين دخلت عادة التبخير لا عند قدوس ولا عند غيرها التي لا تسبقها تعليمات خاصّة. أمرٌ واحدٌ معروف ، أقله من أربعين سنة، أنَّ صيغة التقديس إختلفت كثيرا لاسيما في الحركات والتبخير والسجود، وكأنَّ المحتفلين بالقداس لم يقرأوا التعليمات التي ترشد إلى المواقف التي يجب الألتزام بها أو تطبيقها، ناهيك عن تقليد طقوس أخرى بالأخص الطقس اللاتيني. ففي هذا الجو ضاع التقليد التراثي الكلداني، وبات صعبًا أن تجزم بجواز أو تحريم هذا أو ذاك من الحركة في القداس، بل حتى الصلاة الفرضية. وميزة أخرى سادت أجواء الكنيسة الكلدانية منذ خمسين سنة وهي : تقَّررُ السلطة الكنسية العليا ـ السينودس، البطريرك والمطارين ـ ولا أحد يُطَّبق بسبب نقص في الأعلام والمتابعة وإعداد النصوص الجديدة. بل حتى أعضاء السينودس لا يلتزمون كلهم بما قرروه. منذ سنة 1967م أُجْريَ تغييرٌ ولو بسيط على القداس لم يلتزم به الجميع. والتغيير الذي أجري على الصلاة الفرضية لم تُطبقه إلا رعايا قليلة ، بحيث ولد أناس وكبروا وأصبحوا كهنة ولا علم لهم بذلك. وأُعيد طبع كتاب الصلاة لا فقط لم يُغَّير حسب المقرر بل ولم يُشِرْ، لا من قريب ولا من بعيد ، الى ذلك التغيير. وطبع من جديد سنة 2008م، كما طُبِعَ سلفُه، صورة من” الحوذراـ كتاب الصلاة ” المطبوع سنة 1887م في روما. ففي هذه الأجواء، وبدون تعليمات واضحة وصريحة، لم يبقَ ما يجوز وما لا يجوز لأنَّ الحقيقة مجهولة من كثيرين والقليلون العارفون والمُلتزمون بها مرفوضون. و هذا إذا قدروا أن يلتزموا بها ؟.