أهلا وسهلا بالأخ سامر سامي فرنسو.
كتبَ الأخ سامر سؤاله كالآتي :
• هل يجوز لنا أو يحّقُ تبخيرَ البيت بالـ “بِسْما “، أم هو من حَّق الكاهن فقط ؟
• هل عادةُ تقديم البخور في العهد القديم تختلفُ عن طقس كنيستنا في الوقت الحاضر؟
1+ جـوازُ التبخير أم لا ؟
أبدأ قبل كل شيء بالتنوير عن أنّ التبخيرَ لا يتعَّلق بالكاهن أو بالعلماني. التبخيرُ يتعَّلق بالله أم بالأنسان ؟. وبشكل آخر: لمَنْ يُستَعملُ البخور : هل لراحةِ الأنسان أم تكريما لله؟. بسبب ندرةِ البخور الأصلي ورائحتِه الذكية المرغوبة والمشهية درجَ إستعمالها في الطقوس الدينية تكريما للآلهة. حتى كان الرومان يستعملون التبخيرلتمثال القيصرلأنهم كانوا يعتبرونه إلهًـا. كما درجَ إستعمالُه أيضا لطرد الأرواح الشّريرة ،لأنها لا تتحَّملُ ما هو نقيٌ وجيدٌ وعطِرٌ بسبب السوء والشر المتحَّكم فيها.
2+ الكتابُ المقدس والبخور !
ذكر سفر الخروج “المذبحَ ومجامرَه “(27: 1-3) من ضمن مقَّومات خيمة الأجتماع والتي أصبحَت بعدَه “الهيكل” وهو يرمزُ الى حضورِ الله. وفي حضرةِ الله وفي محل سُكناه تُقَّربُ القرابين ويُبَّخرُ على مذبح خاص به مصنوع من ذهب (خر40: 27). بخَّرَعليه أول واحد موسى نفسُه الذي أمرَ بصنعِه بناءًا على طلب الرب (خر30: 1). وقد أوصى الله أن يُبَّخرَ الكاهنُ وحدَه ويُحرقَ عليه بخورًا عَطِرًا صباحًا ومساءًا(خر30: 7). وقد تمَّنى المُزَّمرُ أن تكون صلاته كالبخور أمامَ الله ورفعُ كفَّـيهِ كتقدمةِ المساء (مز141: 2). كما تحَّدثَ سفرُ الرؤيا عن ” كؤوسٍ من ذهبٍ مملوءةٍ بالبخور، هي صلواتُ القديسين”(رؤ5: 8؛ 8: 3-4) قرَّبها الملاك في حضرةِ الله.
وقد حدَّدَ الكتابُ نوع البخور المُسْتنقَى من أجود أنواع الروائح والطيوب العطرة كـ” الصمغ والمَيْعَة والقّـنة العطرة واللبان المنَّقى وآصنَعها بخورًا عَطِرا كما يصنعها العَّطارُ مُمَّـلَحًا نقّـيًا مقَّدَسًا “(خر30: 34-35). وقد أمرَالله بأن” يكون هذا البخورُمُقَّدَسًا كلَّ التقديس عندكم “. إنه صلاةُ الشعب التي تُمَّجدُه وتطفئُ نارَ غضبِه عن الخطأة (عدد17: 12).
وقد منعَ اللهُ الشعبَ وحرمَه من صنعِ بخور مثله لنفسِه ، مُحتكِرًا إيّاه لنفسِه ، قائلا : ” بل يكون عندكم مقَّدَسًا لي أنا الرب. وكلُّ من صنعَ مثله لينشَقَه ينقطعُ من شعبِه” (خر30: 36-37). كما خَصَّصَ هارون الكاهن ونسله الكهنة بتقريب البخور أمام الرب (عدد17: 5) و حَّرمه على غيرِهم. وكانت قد خاصمته جماعةٌ قورَح بهذا الخصوص وآدَّعت أنَّ الشعبَ كله مُكَّرَسٌ لله ومن حقهم تقريب البخور فعرضَ عليهم موسى أن يُبَّخروا ، وإذا رفضهم الله وآبادهم فذنبُهم على جنبِهم. وحصلَ أنْ نبذَهم الله وآنشقّت الأرضُ فآبتلعَتْ المثيرين للشغبْ وأحرقت نارٌ الهية المئتين والخمسين رجلا الذين قرَّبوا البخور”(عدد16: 1-35). وبالمقابل رفضَ تقريبَ بخور من نوع آخر” غير مقدس ” ، وبدون أمر الله (آح 10: 1).
3+ تقـلــيد الكنيسـة !
وقد درجَ في الكنيسة منذ عهدها الآول ، ربما تبعًا للتقليد اليهودي، كما ذكره لوقا (1: 8-9) ، بأن تستعملَ البخورَ في طقوسِها العبادية لتوقيرالله وتبجيلِه. ولكن يبدو أنَّه لم يُدرك كلُّ المؤمنين هذا الهدف بل إعتبرَها بعضُهم ، لاسيما في العصور الحديثة، بأنَّ البخور يُستعملُ لتلطيف مكان العبادة وإزالةِ الروائح غيرالمرغوبِ فيها ليرتاحَ العابدون في الكنيسة ، عندئذ لم يروا مانعا في آستعمال البخور أيضا في البيوت. لا بُدَّ وأنَّ يدَ الشرير من ورائها لأبعاد الأنسان عن الله وذلك بتأليه الأنسان لذاتِه وإحلال ذاتِه مكان الله.
4+ في القــداس !
الكاهن هو الذي يُباركُ البخور قبل وضعها في المبخَرة أو المِجْمَرة لكنه يُسَّلم المبخرة الى الشماس ليُبَّخرَ المذبح ، الصليب في الوسط والأنجيل من يمين الصليب وكتاب الطقس من يسار الصليب ، ثم المُحتفل بالقداس والمؤمنين بدءًا بالشمامسة ثم الشعب بشكل عام أي دون أن ينزلَ بينه ، بل يمُّرُ من أمامِه مُبَّخرًا إياه بشكل عام. لكنه هنا أيضا يبدو أنَّ البعضَ وفي بعض الكنائس إرتأى أنَّ توقيرَ الشعبُ ” يحُّقُ ويليق ” فصارالشماسُ ينزل مع المصاطب ليُبَّخرَ جميعَ المؤمنين.
كما دخلتْ عادةٌ أسوأ، كيفَ ومتى لا أدري، وهي أنَّ عوائلَ مسيحية صارت تقتني مجمرة صغيرة في البيت وتشتري بخورًا ، أو تأخذ كمية منه كبركة ، من الكنيسة وتُحرقُه في البيت. ربما فعلوا ذلك بدءًا بفكرة طرد الأرواح الشريرة لكنهم إنتهوا برغبةِ تطييبِ أجواء المسكن. وقد لا يتورعون من نقل الصلوات الطقسية أيضا الى البيت حتى لا يتكلفوا مشَّقة الذهاب الى الكنيسة. والعادات السيئة تنتشرُ غالبًا بأسرعَ مما يتصَّورُه الأنسان!.
فإن كان تبخيرالبيت ببخور طبيعي كما ببقية العطور بهدفٍ صحي فلا نقاشَ فيه ولا آمتياز. أما إذا كان بتصَّورٍ روحي فليس صحيحا أن يقَّررَهُ أيٌّ كان. قد يصُّحُ ذلك إذا قررته الكنيسة أو المسؤول الروحي لأسباب خاصة وخطيرة وعندئذ فالذي قرَّرَ التبخير يقرر أيضا من المُخَّولُ به.