كتب الأخ نزار أيضا : + ما هي الموعـظة ؟ ولمـاذا الموعـظة ؟
+ هل لها علاقة بالقراءات الثلاث ؟
+ هل هي مُخَّصَصة للإعلانات والبيانات ؟
+ هل هي فرصة لتصفية الحسابات ؟
+ أم الغاية منها إرسالُ رسائلَ خاصّة لأشخاصٍ مُعَّيَنين ؟
ما هي الموعظة ، ولماذا ؟
يقول المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني في ” دستور الطقوس، رقم 52″، بأنَّ الموعظة هي ” تفسيرٌ ،على مدى السنة الطقسية، لأسرار الأيمان وقواعد الحياة المسيحية، إستنادًا الى النصوص المقدسة، ولا يجوز التجاوز عنها في القداديس المقامة بحضور جمهورٍ من الشعب أيام الآحاد والأعياد المفروضة إلا لسببٍ خطير”.
ويقول التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ،رقم 1346، أنَّ ليترجيا الكلمة تتضَّمن كُلاً من القراءات والعظة والطلبات. ويضيفُ في الرقم 1349 بأنَّ الموعظة تحُّضُ الشعبَ على أن يقبلوا هذه الكلمة (القراءات)على ما هي حَّقًا، أي كلمة الله، ويضعوها موضعَ التنفيذ وبعدها تأتي الطلبات”. بينما سبق وحَدَّدَ ما هي مكانة الموعظة فقال في الرقم 132 ما يلي:” لتكن دراسة الكتاب المقدَّس بمثابة الروح لعلم اللاهوت. ولتجِدْ خدمة الكلمة أيضا في كلمة الكتاب المقدس نفسها غذاءًا سليمًا، وحيوية صحيحة، سواءٌ أكانت موعظة راعوية، أو تعليمًا دينيا منتظمًا، أو وجهًا من وجوه التثقيف المسيحي حيث لابد للموعظة الطقسية من أن تحتَّلَ محلا مختارا”. ضرورتها إذن من دورها في إيصال الحقيقة الخلاصية ومساعدة المؤمنين على إدراكها وتطبيقها.
علاقة الموعظة بالقراءات !
علاقة واضحة لا تقبل الشك أنَّ الموعظة تفسيرٌ وتطبيقٌ لما أُعلن في الفراءات. لا يقدر كل مؤمن أن يُتابع كلَّ القراءات ويجمعها مع بعضها وهو يتابعُ فقرات القداس ويستخلصَ منها الدرسَ الصحيح. فتأتي الموعظة لتسَّهل هذا الأمر عليه وتدُّلَه على كيفية تطبيقها في الواقع اليومي للحياة الأجتماعية. القراءات إذن أساس الأيمان المبني على كلمة الله والموعظة تنسجُ في منولها وتُخرجُ قِماشها. ليس شرطًا أساسيا أن تتناول الموعظة في قداس واحد كلَّ جوانب تعليم كل القراءات وبتفاصيل مملّة. لكنه شرطٌ أساسي أن تشُّعَ الموعظة فعلا ما في القراءات وما في تفسير الكنيسة لتلك النصوص وليس ما في جعبة الواعظ من آراءٍ خاصّة به، ولاسيما إذا كانت تعارض تعليم الكنيسة. الواعظ شاهد فقظ أما المعَّلم فيبقى المسيح كما سجَّلَ له تلاميذه أقواله وأفعاله، التي يشهد عليها الكتاب المقدس والتي تتلوه علينا القراءات.
إعلانات، تصفية حسابات، رسائل ….. !
هذه وبقية الأمور المذكورة في النعوت السَّيئة ليست من مادةِ الوعظ. وإذا تصَّرفَ واعظ بشكل مماثل فله حسابه الخاص عند المسيح الذي أقامه شاهدا له (أع1: 8) لا سَيفًا مُسَّلطًا على رقاب الآخرين ولا حتى محاسبًا وحاكما لدينونة غيره. ولا الوعظ وسيلة لمتابعة أغراضٍ ومنافعَ شخصية. الوعظ واجبٌ روحي وراعوي تعليمي، خدمة تُقَّدَمُ للناس بناءًا على جوهر الدعوة الكهنوتية.
موعـظةٌ بأُسلوب السؤال والجواب !
وأخيرًا سأل القاريء :” هل يمكن أن تتحَوَّلَ الموعـظة الى أسئلة يطرحها القس على الشعب ، و ينتظرُ منهم الإجـابة ؟.
إنَّ أسلوبَ الحوار لا فقط ليس مرفوضًا، بل هو بالعكس مقبولٌ و مُشَجَّعٌ. ليست الموعظة صلاة بل هي درسٌ. والدرسُ الأنجح بالحوار. يبقى أن يُمَّيزَ بين أسئلة تُدخل السامع الى إطار البحث والتعاون في الوصول الى شرح يبني أكثر، وبين حوارٍ يبحث فيه كل طرفٍ في أن يُثَّبت وجهة نظره ويُفَّندَ حجج المقابل. الأسئلة والأجوبة قد تساعد على آكتشاف الجهل من جهة وإعطاء الدرس بشكل يلائمُ قابلية إستقبال المقابل. ولاسيما إكتشاف حاجة المؤمن وإعطائه ما يحتاجه بشرح القراءات على قدر حاجته وإمكانية إستيعابه. الواعظ يُقَّدمُ تعليمًا يعتقده ضروريا يجبُ إبلاغه. لكنه لا يقدر أن يضمن مدى استفادة المستمعين اليه. فربما لم يتأثر به المستمعون لأنه لم يعنِ أو يستجب للحاجة التي في داخلهم. بينما بالأسئلة تخرج الى السطح حاجة المستمع وما يهُّمه أكثر ويحتاج اليه. وعندئذ يقدر الواعظ أن يحَدّثَه عما يهتم به ويحتاج اليه.
مع ذلك يجب الأنتباه الى المحافظة على قدسية الموقف وآحترام الجو الروحي والعبادي للقداس. والحذر من ألا تجُّرَ الأسئلةُ الحوارَ الى مشّادة أو تطاول أو إستخفاف أو إستعلاءٍ أو أيّ تصَّرفٍ يُقَّلل من المحبة والأحترام المتبادلين. ثم لا يكتفي الواعظ بطرح الأسئلة و إعلان جواب الناس تعليما. بل يحاول أن ينطلق من أجوبتهم الصحيحة أو يُعَّدلَ منها ما لا يتوالم مع الأيمان الذي يريد أن يوصله اليهم. أن يسألَ ! ممكن. أن يسمعَ ! جيّد. لكن الأهم أن يُعَّلم ما أراده الرب ونقلته الينا قراءات الكتاب المقدس، أو تعليم الكنيسة المستنبط منه والمعلن للمؤمنين. وعليه يجب أن يكون الراعي الواعظ واعيًا ومُعَدًّا إعدادًا جيّدًا لمواجهة كل الأسئلة التي يطرحها المؤمنون بخصوص الأيمان بشكل يُرضي ضميرَه ويُسَّبب لهم الراحة ويسَّهل لهم الخلاص.