أهلا وسهلا بالأخ لــؤي بطـرس.
تساءَل الأخ لؤي : @ 1- لماذا جاءَتْ كلُ نبوءات الله من الشعب اليهودي ؟
@ 2- أ لم يكن أجمل أن يشركَ الله شعوبا أخرى أيضا في نقل كلمتِه ؟
ويلٌ لمن يُخاصمُ جابله ! اش45: 9
قبل أن أجيب مباشرة على سؤال السائل الكريم أحب أن أقرأ معه بعض الآيات من الكتاب المقدس. نعرفُ كم وكيف إعترضَ أيوب على الله بسبب ما حصل له. إعتبر نفسَه بريئا واللهَ مسؤولا عما جرى له حتى قال في شكواه المرة :” أَ بعظمةِ جبروتِه يحاكمني، أم عليه أن يُصغي إليَّ؟ فيرى أني خصمٌ مستقيم وأنَّ دعوايَ هي الرابحة “(أي23: 2-7). فردَّ عليه حكيم ” لماذا أنت تخاصمُ الله؟ وتقول : أنا بريءٌ بلا معصية، نقّيٌ ولا عيبَ فيَّ..”(أي33: 8-13). ولما ردَّ عليه الله نفسه ، قائلا :”من هذا الذي يُغَّلفُ مشورتي بأقوال تخلو من كل معرفة؟ شُّدَ حيلكَ وكن رجلا! لأسألك فأخبرني: أين كنتَ حين أسَّستُ الأرض!؟… أحَّقًا تريدُ أن تنقضَ حكمي وأن تدينني لتُبَّررَ نفسَك “؟(أي38: 2-4؛ 40: 2-8). وقد خاصم البشر الله كثيرا عبر التأريخ، ولا يزالون، مبررين آراءَهم ورافضين حكمة الله. وقد أدان أليهو أيوبَ وحكماءَه على موقف مشابه فقال: ” لا تقولوا نحن بحكمتنا نعرفُ. اللهُ هو يُعَّلمنا لا الأنسان” (أي32: 1-13). وقد ثار أيضا اشعيا على الذين :” يُحَّرفون كلَّ شيء ويحسبون الجابل كالطين ويقولُ المصنوعُ لصانعِه : ما صنعتني ، والمجبولُ لجابله : لا عقلَ لكَ ” (اش29: 16). ويرُّدُ عليهم الله :” ويل لمن يُخاصمُ جابلَه .. أ يقول الطين لجابله: ماذا تصنع..”؟ (اش45: 9). وقد آستشهد بولس بهذا النص للرد على من يعترضون على أعمال الله ويرون أنه أخطأ التصرفَ ،وكأنهم يفهمون الأمور بشكل أفضل. فقال:” من أنت أيها الأنسان حتى تعترضَ على الله..”(رم9: 20).
أما الأخ لؤي فلم يعترض بقدر ما ” إستفسرَ” ليفهم حدثًا تأريخيا مهما بغية تنوير إيمانِه.
جعلتُك نورا لهدايةِ الأمم ! اش42: 6
أما حصرُ النبوءات في الشعب اليهودي فليس لا تمييزا لهم ولا تقديرًا لبّرهم. بل بلعام الذي ليس يهوديا تنبَّأ أيضا عن زمن ظهور المسيح الملك (عدد24: 17). أما اليهود فلأنهم أولاد ابراهيم الذي إختاره الله لأيمانه ليُّكَوِنَ منه الشعب الذي يؤمن بالله وفيه يظهر المخَّلصُ الموعود. والنبوءات يرمز قسمٌ منها الى المسيح مباشرة وتكشف وجهه ورسالته ليتعَّرف عليه اليهود عند ظهوره. والقسم الآخر يخُّصُ الشعبَ نفسَه ليكشفَ له أخطاءَه وتمرُّداتِه بغية أن يُعيدَه الى صوابِ السبيل. فكان إذن طبيعيا أن يتصلَ الله بمن زوَّدهم بوصاياه وأرشدهم الى الحق ، ويوجههم فيوحي الى أفرادٍ منهم ،” الأنبياء” خاصَّة، ما يريدُ أن يكشفَه لهم كي يسلكوا طريق الحق أو كي يتعَّرفوا على المسيح عندما يظهر.
وبوجود شعب مؤمن وأنبياء يستقبلون الوحي صار اليهود نورا يهدي الأمم الى الحقيقة. وهذا النور كان ولا يزال يشُّعُ فيُحَّرك ضمائر البشر الملحدين أو الأشرار. وآنحصار النبوءات في اليهود لا يقلل من شأن بقية الشعوب ولا من محَّبةِ الله أو رعايته لهم. بل يُهَّيئُ لهم ويوفر لهم نورا يضيءَ سبيلَ حياتهم. والمسيح نفسَه إختارَ رسله كلهم وتلاميذه من اليهود. لأنهم كانوا مؤمنين بالله وينتظرون الخلاص وعندهم فكرة التبشير، نقل الحقيقة الى الآخرين، بالكلمة والخدمة لا بالسيف. ولكن هذا الأختيار لم يقصِ بقية الشعوب عن هذه المهمة عندما ينتمون الى المسيح ويتقنون رسالتهم. وهكذا نرى اليوم قادة الكنيسة ايضا وإكليروسَها ينتمون الى كل الشعوب ولكن يبقى من الذين يؤمنون بالمسيح. على رسول الله أن يكون هو أولا نورا حتى يحمل النور الى العالم. هكذا كان يجب لمن يتلقى النبوءة أن يؤمن هو أولا حتى يُكلفه الله بمهمة للآخرين.