أهلا وسهلا بالأخ شبيب بهنام شابا.
قرأ الأخ شبيب في الأنجيل خبر اللص المصلوب مع يسوع والذي آمن بأن يسوع إلاه وتاب عن خطاياه وطلب من يسوع أن يذكره في ملكوتِه. وأجابه يسوع :” اليومَ تكون معي في الملكوت” (لو23: 43). فسأل ما يلي :
1- لا أجدُ أثرًا للمطهر في خبر لص اليمين ؟
2- ما هي فــترة المطهر ؟
3- لماذا كل الكنائس الكاثوليكية عندها المطهر ؟
من يذهب الى المطهر ؟
وهل يجبُ أن يذهبَ كلُ الموتى الى المطهر؟ أو بالحري : هل يحتاجُ كلُ إنسان أن يتطَّهرَ، بعد موتِه، عن أوساخ خطاياه؟. أ ليس ممكنا أن يغتسلَ البعضُ عن تلك الأوساخ قبل وفاتِه بتوبةٍ كاملة وبمحبة لله فائقة تجعله يدفعُ كل الديون المترتبة على خطاياه ؟. طبعا ذلك ممكن . والله وحدَه يُقَّدِرُ الدين ، و وحدَه يُقَّدِرُ متى وكيفَ يتمُ إيفاؤُه. فإذا كان الرَّبَ قد حكمَ على أنَّ توبةَ اللص ومحبته كانت كافية لأن تعفيه عن عذاب المطهر فهل يعترضُ على ذلك أحد؟. وإذا كان غيرُه لم يوفِ بتوبتِه كاملَ ديونِه فآحتاجَ الى تطهيرإضافي فهل نعترضُ على حكم الله؟. الكتابُ لم يُحَّدد من يمُّرُ بعذاب المطهر، ولا تُعَّلمُ الكنيسة أنَّ الجميعَ يعبرون بالمطهر. الكتابُ قالَ : من لم يفِ على الأرض دينَه سوف يدفعه كلَّه بعد الموت (متى5: 25-26). لأنه كما قال الكتابُ أيضا: “ستمتحنُ النارُ قيمة عملِ كل واحد. ومن إحترقَ عملُه يخسر، غيرَ أنه سيخلصُ كمَن يخلصُ مِن خلالِ النار”(1كور3: 13-15).
أما إن كان السائلُ يقصُدَ ، بقوله لا أثر للمطهر في خلاص اللص، بأنه لا يُوجدُ المطهر، فأقول : أولا ليس الكتابُ المقدس جملة واحدة أو فصلا واحدًا ، لنحكم بواسطتِه على كل الكتاب. وثانيا ليس كلُ مؤمن مؤَّهَلا ، كما قالَ مار بطرس (2بط1: 20-21)، في أن يُفَّسرَ الكتاب على هواه. وثالثا خَّوَل المسيحُ رئيس الكنيسة وأساقفتها مجتمعين في تحديد الحقائق الأيمانية وأنه لن يسمحَ لأبواب الجحيم أن تُغَّلِطهم (متى16: 19؛ 18: 18)، وليس كلَّ مؤمن ولا كلَّ أسقف ولا الخارجين عن طاعة رئيس الكنيسة بأن يقَّرروا ما هو الأيمان الصحيح.
فــترةُ عـذابِ المطهر !
إذا توَّسخت اليد تحتاجُ الى بضعة ثوانٍ وكميةٍ قليلة من الصابون لتتطَّهرَ. أما إذا آشتغلُ عامل في منجمٍ لآستخراج الفحم فهو يحتاجُ ، حتى يستعيدَ نظافة جسمِه ونقاء بياض جلده ، الى كمية كبيرة من صوابين خاصّة وفترة زمنية طويلة. هكذا فترة تطهيرالخاطيء من آثار خطاياه تطولُ أو تقصر حسب كثرة وجسامة خطاياه ومدى التشويه الذي تركته على النفس. كما يُحكم بالسجن على المجرمين بمُدَدٍ متفاوتة تقابل فظاعة جرمِ كل واحد ، هكذا يكون ” السجنُ المُطَّهرُ” قصيرا أو طويلا حسب الديون المتبقية على كلِ تائب والمدة الضرورية لآيفائها.
الكنائس الكاثوليكية والمطهر !
لم يكن السؤال هنا واضحا. جاء النصُّ كما يلي:” ليس كل الكنائس الكاثوليكيةعندَها مطهر” .إذا عنى السائلُ فعلا أنَّ بعضَ الكاثوليك لا يؤمنون بالمطهر فهو متوَّهم. لأنَّ حقيقة المطهر عقيدةٌ تؤمن بها الكنيسة الكاثوليكية. ومن لا يؤمن بها فهو ليس كاثوليكيا، حتى لو إدّعى أنه كاثوليكي. لأنَّ ما هو”عقيدة ” يُصبحُ إلزامًا قبوله ، ورفضُه يعني فقدان الهوية الكاثوليكية.
أما إذا عنى السائلُ كما عرَضْتُه أنا في السؤال ، أى ” لماذا كل الكنائس الكاثوليكية عندَها المطهر”، وممكن توضيح الفكرة بإضافة وحدَها دون غير الكنائس، فعندئذ يكون الجواب أنَّ ” عقيدة وجود المطهر” حَّدَدتها الكنيسة الكاثوليكية بعد الأنقسام ، وذلك في مجمع فلورنسا في 6/7/1439، وأكد عليها وثبَّتها المجمع التريدنتيني في 13/1/1547. وفي ذلك إستندت أولا الى النصوص الكتابية ، وثانيا الى ممارسة الكنيسة للصلاة من أجل الموتى منذ البداية إقتداءًا بالمسيح الذي قدَّم ذبيحتَه من أجل الأحياء والأموات. وكان الموتى الذين سبقوه اولَ من إستفادَ من ثمار موتِه الكفَّاري على الصليب (متى27: 51-53).
عقـوبة ، و ، تكـفير !
نقطة مهمة تحتاجُ الى التنويرتُشَّكلُ عند مؤمنين كثيرين، لاسيما المتأثرين من تعليم الكنائس الأنجيلية، وهي التمييز بين عقوبة الجريمة ، وبين ما يترتبُ على محو آثارِها. إذا سرقتُ سيارة يُحكمُ عليَّ بأن أُعيدَها الى صاحبها : هذه عقوبة الجريمة. وحتى عند إعادتها يُحكمُ عليَّ بالسجن أو الغرامة ، وهذا يُؤلمني ويُهينني ، ولكن العدالة ترى ذلك ضروريا لمحو آثار السرقة لا بالنظر الى السيارة وصاحبها بل الى السوء الذي تحَّكمَ فيَّ فآنزلقتُ الى الشر. وإذا لم أُغير هذا السلوك فسأستمر بسرقة السيارات أو غيرها. وهذا السلوك يؤذيني. فحتى أتخلصَ من هذا السلوك ولا أعود الى السرقة تُعطى لي العقوبة الإضافية- السجن أو الغرامة- التي تستقيمُ بها نفسي.
الخاطيء التائب تُغفرُ له عقوبة الهلاك الأبدي في الجهنم. لكن خطاياه تكون قد شَّوهت نفسَه ” دَنَّـسْتها “، وتحتاجُ الى بكاء مر مثل بكاء بطرس لتطهيرالنفس منها (متى26: 75)، أو حَّبا كبيرا مثل حب المجدلية التي تواضعت وغسلت أرجل يسوع بدموع توبتها ومسحتها بشعر رأسها (لو7: 44-48) حتى لا تحتاج بعد الموت الى تطهير خاص ضروري ٍ ولائق بقداسةِ الله الذي سنقابله وجها لوجه (1كور13: 12). ربما كانت توبة اللص مثل توبة بطرس أو المجدلية فكانت نفسه بريئة وطاهرة لم تحتَجْ الى تطهير إضافي. وهكذا هو شأن القديسين والشهداء. لقد طهرت نفوسهم بالعبادة أو الدم.