أهلا وسهلا بالأخ لويس باريس
كتب الأخ لويس ما يلي :
* هل المسيح هو الله ؟
* إن كان الله كيفَ قبِلَ أنْ يُصلَبْ ؟
* كيفَ سـجدَ وصَّـلى إلى الله ؟ هل يُصَّلي الله لنفسِـه ؟
* بعد القيامة جلس عن يمين الله : كيف هذا إذا هو الله ؟
أنا والآب واحد ! يو10: 30
إعترضَ اليهود على يسوع وسعوا في قتله لأنهم إعتبروه “مُجَّدِفًا “، لأنه قال :” إنَّ اللهَ أبوه ، فساوى نفسه بالله “(يو5: 18). وفي مناسبة أخرى ” أتى اليهود بحجارةٍ ليرجموه”. فآعترضَ عليهم يسوع ” لأيِّ عملٍ صالحٍ ترجموني؟. قال اليهود: لا نرجمك للعمل الصالح، بل للكفر. لأنك ما أنت إلا إنسان، وجعلتَ نفسَك الله”. فرَّدَ عليهم يسوع وأنهى كلامه بـ” تعَّلموا حَّقَ العلم أنَّ الآبَ فيَّ وأنّي في الآب ” (يو10. وقد نقله الينا : 31-38).
أن يكون يسوع ” الله ” هذا هو محتوى الوحي ورسالة العهد الجديد. لما سأله الرسل :” أرنا الآب ويكفينا”، أجابهم ” من رآني رأى الآب .. إنّي في الآب ، وإنَّ الآبَ فيَّ ” (يو14: 9-11). هذا هو أيمان الرسل الذين عايشوه ” سمعوه ، رأوه بعيونهم، تأملوه ، لمسته أيديهم .. فشهدوا له وبشَّرونا به ” (1يو1:1-2). فيسوع بالنسبة اليهم هو ” شعاعُ مجدِ الله وصورةُ جوهرِه” (ب1: 3). حتى دعاه توما ” رَّبي وإلهـي” (يو20: 28). كما دعاه أيضا يوحنا :” هذا هو الرب “(يو21: 7). وإيماننا نحن سليلُ إيمان الرسل وصورته.
هذه حقيقة الهية كشفها لنا يسوع نفسه ، وبرهن على صحتها بما أجراه من معجزات ، و لاسيما بغفران الخطايا. لم يكن سهلا على علماء الشريعة وفقهاء اليهود أن يقتنعوا بأن يسوع ،الذي يرونه مثلهم يأكل ويشرب لا بل يخالف شريعة السبت حسب رأيهم(يو5: 18؛ 9: 16) ، هو المسيح، الله المتجَّسد. ولما قال يسوع لمخلع كفرناحوم ” مغفورة لك خطاياك ” قالوا أنه يكفر ويجَّدف (متى9: 3). وهكذا قالوا عنه عندما أجاب على عظيم الأحبار أنه هو:” المسيح ابن الله “. بل وقرروا أنه يستوجب الموت وحكموا عليه بذلك (متى26: 65-68).
هذه هي الحقيقة. والحقيقة لا تناقش إنما تُقبل أو ترفَض. هل يغامر أحد ويقول بأنَّ الشمس ليست نارا ونورا وحرارة؟. فما كشفه يسوع عن ذاته وأعلنه للبشر حقيقة لا تناقش وقد نقلها لنا الرسل والتلاميذ ، شاهدين لها بدمائهم، حتى ” نؤمن بأنَّ يسوع هو المسيح ابن الله، وإذا آمنا نلنا بآسمه الخلاص” (يو20: 31). رفضها بولس في البداية وقاومها بشدة وعَّذبَ من آمن بها (أع 26: 9-12) الى أن رأى الحقيقة بعينه فتتلمذ لها (أع9: 4-8، 20-22). وقد أعطى يسوع الطوبى للذين يؤمنون ولم يروا”(يو20: 29)، وللذين لا يشكون في لاهوته (متى11: 6).
كيفَ قبل أن يُصلب ؟
قبِل أن يُصلب لأنه أحب الأنسان. خلق الأنسان للسعادة. لكن ابليس غدر به وكذَّبَ عليه وأغراه فأبعده عن الله ، وسيطر عليه كأنه ملكه لأنه سمع كلامه ولم يسمع كلام الله. وعد الله بأن يُخلصَ الأنسان ويعيده الى فردوس صداقته. لم يكن الأنسان لا قادرا على التوبة ولا على أن يدفع الغرامة عن خطأِهِ. والله قرر في حكمته الأزلية أن يتأنَّسَ ، أن يُصبح إنسانا فيتَّخذَ جسدًا ويدفع ثمن خطيئة الأنسان فيشتريه من الشيطان. هكذا قال الرسول ” قد أُشتريتم وأُدّيَ الثمن “(1كور6: 19؛ 7: 23). وكان الثمن غاليا كلَّفَ دم يسوع المسيح (أع20: 28؛ رم5: 9). لقد دفع يسوع عنا الفدية وقد” جعله الله كفّارةً في دمه بالأيمان ليُظهر ما هو بِرُّه” (رم3: 25). لقد حملَ هو ” عاهاتنا وتحَّملَ أوجاَعنا .. مجروحٌ لأجل معاصينا، مسحوقٌ لأجل خطايانا. سلامنا أعَّده لنا ، وبجراحه شُفينا “(اش53: 4-5).
فكان صلبُ يسوع تكفيرا عن خطيئة الأنسانية وفِديًة تزيل كل حَّقٍ للشيطان على المطالبة بالأنسان. وكان الصلب أيضا تعبيرا عن حب الله للأنسان :” هكذا أحَّبَ الله العالم حتى جاد بآبنه الوحيد، لكي لا يهلك من يؤمنُ به بل ينال الحياة الأبدية “(يو3: 16). وحُّبُه لأصحابه ” بلغ أقصى حدودِه “(يو13: 1) فقَبِل أن يموت بدلا عنهم وبموته ينالون الحياة ، فيخزى ابليس و عملاؤُه. ولبولس كلام رائعٌ عن الصلب فيقول: ” إنَّ كلمة الصليب عند الهالكين جهالة.. أما عند المخَّلصين فهي قدرةُ الله “( 1كور1: 18-19). فوق الصليب أعلن يسوع الغفران لجميع الناس:” يا أبتاه إغفر لهم لأنهم لا يدرون ما يفعلون “(لو23: 34). والعفوعند المقدرة. والغفران من ثمار الرحمة. والرحمة من بنات المحبة. هكذا تكلم الرب :” أُبرِئُهم من ابتعادهم عني. وما أكثرَ ما أُحّبُهم “(هوشع 14: 5). فليس الموضوع إذن كيف قبل أن يُصلب ، بل إنَّ الموت الفدائي من مشيئة الله الثالوث، ويسوع لم يقُلْ شيئًا ولم يعمل شيئًا بمفرده ، بل بآتفاق تام مع الآب أي داخل الله (يو14: 10، 24، 31؛ 16: 13-15). أما قال : ” لا يستطيعُ الأبنُ أن يصنع شيئا من عنده إلا إذا رأى الآبَ قد صنعه” ؟(يو5: 19).
وقبل يسوع الأله الصلبَ ” لكي تتم كتب الأنبياء”. لما تنبَّأ يسوع عن آلامه وصلبه إعترض عليه بطرس وقال” حاشَ لك رَّبي من هذا المصير”. ردَّ عليه يسوع أن تلك أفكارٌ بشرية. و لما دافع عنه في بستان الزيتون منعه يسوع وقال :” أ وَتظنُ أني لا أستطيعُ أن أسأل أبي فيمدَّني بأكثر من 12 فيلقا من الملائكة؟. ولكن كيفَ تتم آياتُ الكتب التي تقول إنَّ هذا يجب أن يحدُثَ “؟ (متى26: 52-54). كان الصلب من المشيئة الألهية، فتجسَّد الكلمة وصار ” ابن الأنسان” متخَّليا عن مجده ” وأطاع حتى الموت ، الموت على الصليب ، .. ويشهدُ كلُّ لسان أنَّ يسوع المسيح هو الرَّب “(في2: 6-11). وكان يسوع يعتَّز إذ يُسَّمي نفسَه ” ابن الأنسان ” ( متى17: 9، 12…). لقد ذكرت الأناجيل عبارة ” ابن الأنسان” 82 مرة {{ مت 31، مر14 ، لو25، يو12}}. وختمها مرقس بقوله :” هذا الأنسان كان حَّقًا ابن الله “(مر15: 29). فبهذه الصفة الأنسانية قبِلَ يسوع أن يُمَّثِلَ البشرية الخاطئة على الصليب ويُصبح عوضها ” لعنةً ” ليفتديَنا من لعنة الشريعة (غل3: 13)، ويعلن لنا بلاهوته الغفران من فوق الصليب أيضا.
كيفَ صَّلى يسوع الى الله ؟
ذكر الأنجيل أنَّ يسوع صَّلى مرات عديدة. عند عماده (لو3: 21)، وقبل إختيار الرسل (لو6: 12)، وعند تجَّليه وكشف مجد لاهوته (لو9: 38-39)، عند إحيائه لعازر (يو11: 41-42)، عند تأسيسه سر القربان (لو22: 17-20) ، وفي سهرة آلامه في بستان الزيتون قبل القبض عليه (لو22: 41).
نحن قد تعَّودنا على أنَّ الصلاة هي طلبٌ وآستغفار وأحيانا شكرٌ، أو تلاوة صلوات جاهزة ، طقسية أو تقوية. أما يسوع فمرة واحدة فقط تلى صلاة الشكر حسب رتبة أكل الفصح. أما في البقية فصلاته ” حديث مباشر” مع الآب وحوار ” بين نديمين”، شبه إتفاق وإعلان هذا المُتَّفَق عليه. ليست صلاته طلبا بقدر ما هي كشف الوحدة الحميمة بين الأقانيم الألهية. عندما أقام لعازر أعلن شكره وآتفاقه الدائم ثم كشف عن هدفه في رفع تلك الصلاة ، وهي :” من أجل المحدقين بي لكي يؤمنوا أنك أنت أرسلتني “. وفي صلاته عند نزاعه في البستان بيَّنَ أنه مُتحّدٌ ومتفِقٌ مع الآب حتى في أحلك الأوقات وأمام أقسى الآلام التي لا يستحقها. وأيضا دعا التلاميذ الى الصلاة إستعدادا لمواجهة المحنة الآتية.
وصلاته نموذج ودرس للبشر. يسوع المتحد مع الله يُصَّلي في ناسوته ليُذّكر الناس أنهم بحاجة الى تكوين هذه العلاقة الحميمة مع الله في حوار صريح وببساطة الأطفال وبراءتهم ، و طلب معونة الله عند الظروف الحرجة ، وعند مواجهة أوضاع مهمة ومنعطفات أساسية في الحياة. فالأنسان نسمة من حياة الله فيحتاج الى هذه الوحدة معه إذ بدونه لا يقدر أن يحيا في الحق والبر كما أكَّده يسوع :” كما أنَّ الغصن لا يُثمر إذا لم يستقر في الكرمة كذلك أنتم إذا لم تستقّروا فيَّ لا تُثمرون … وإذا آنفصلتم عني لا تستطيعون أن تعملوا شيئًا ” (يو15: 4-5). وفي البعد عن صداقة الله يسقط المرء بسهولة في التجربة. لذا طلب من رسله ، عند نزاعه، أن يُصَّلوا لئلا يقعوا في التجربة “(لو22: 40، 46). ولأنَّ التجربة تترَّبصُ بالأنسان في كل وقت (تك4: 7) لذا سبق يسوع وطلب من تلاميذه أن يُصَّلوا كلَّ حين ولا يمَّلوا (لو 18: 1). علاقة المحبة الحميمة مع الله ضرورية ليصون الأنسان نفسه من الخطيئة.
فيسوع الأنسان مارس الصلاة ليعطي مثلاً ويّعَلم الناس كيف ينغلقوا في حديثهم مع الله / صلاتهم عن العالم ويحصروا فكرهم وقلبهم مع الله ، :” إذا صَّليت فآدخُل حجرتَك ( باطنك) وآغلِق عليك بابها وصَّلِ لأبيك في الخفية “(متى6: 6).
كيفَ ســجدَ يسوع.. ؟
لم يذكر الأنجيل ، على علمي، أن يسوع سجدَ. بل ذكر أن كثيرين أتوا اليه وسجدوا له أو ركعوا أمامه طالبين منه نعمة خاصّة ، أغلبها الشفاءَ من مرض معَّين : مثلا الأبرص (متى 8: 2)، يائير رئيس المجمع (متى9: 18)، الكنعانية (متى15: 25)، الأعمى من مولده بعد شفائه (يو9: 38)، أم ابني زبدى (متى20: 20)، المجدلية ومريم أم يعقوب (متى28: 9) و الرسل بعد القيامة (متى28: 17). أما ما ذكره لوقا في بستان الزيتون وقال :” جثا يُصَّلي ” فلا يقصد أنه سجد لأحد بقدر ما إتَّخذ وضع الصلاة ، وضع التواضع والتذلل أمام قداسة الله.
كيفَ جلس عن يمين اللـه ؟
وهل لله يمينٌ أو يسـار؟. إن الله روح لا جسد فأين اليمين وأين الشمال؟. هذه تعابير إنسانية. وليمين الأنسان ويساره معانٍ أو رموز طبيعية أو إجتماعية. يمين الناس بركةٌ لأنه باليد اليمنى يؤَّدون كلَّ أعمالهم : يأكلون، يشتغلون، يلعبون، يكتبون، يحاربون، يأخذون ويُعطون. يمين الأنسان أصبحت رمز قوَّته وسلطانه والخير المرجو. فالملكة تجلسُ عن يمين الملك معينة له (مز45: 10). والضيفُ يجلس عن يمين مُضيفه إكراما وإجلالا. وهكذا يمين الله رمزٌ لسلطانه وجلاله. ففي حين قال مرقس :” وجلس عن يمين الله” (مر16: 19)، قال لوقا :” رفعه الله بيمينه الى السماء “(أع2: 33)، وقال يسوع نفسه : ” سترون ابن الأنسان بعد اليوم جالسا عن يمين القدرة “(متى26: 64؛ مر14: 62). أما انجيل لوقا فقال:” إنَّ إبنَ الأنسان سيجلسُ بعد اليوم عن يمين قدرةِ الله “(لو22: 69).
كل هذه النصوص تشيرُ بالجلوس عن ” اليمين” الى السلطان الكوني الذي يتمتع به المسيح الأله/ الأنسان. سبق يسوع وقال لليهود بأنَّ له السلطان على الحياة كالآب ، لأنه إلـه. والآن يقول :” إنَّ الآبَ لا يدين أحدًا بل جعلَ القضاءَ كلَّه للأبن .. وأولاه سُلطة القضاء لأنه إبنُ الأنسان” (يو5: 22، 27). ها هي الأنسانية التي سقطت على يد آدم تتمتع الآن بالمجد مع الله واهب حياتها في شخص المسيح بكرها ورأسها. فالجلوس عن يمين الله يُشير الى هذا سلطان المسيح في السماء و الأرض. فاليمين أوالقدرة هي تعابير عن سلطة الله المطلقة. لم يكن يسوع موظفا كرَّمه الله وأعطاه منصبا. بل هو الملك الألهي الذي أتى ليجُّرَ البساط من تحت أقدام ابليس و يُحَّررَ البشرية من سلطانه ويملك على الأرض رغم أعدائه، كما قال يسوع :” ذهبَ رجلٌ شريف النسب الى بلد بعيد ليتولى الملك ويعود. وكان أهل بلده يكرهونه. فأرسلوا وفدًا في إثره يقول : لا نريد هذا ملكا علينا”. هكذا قال اليهود لبيلاطس عندما قال :” ها هوذا ملككم ! صاحوا : أُقتله! أُصلبه!. قال لهم بيلاطس: أَ أَصلبُ ملككم؟. فأجابَ الأحبارُ: ” لا ملك علينا غير قيصر”؟(يو19: 15-16). يسوع المسيح الذي رفضه اليهود هو صار ملك الكون كله. إنه الحمل الذي استوى على العرش الألهي ورفعت له الخليقة كلها ” في السماء والأرض وتحت الأرض و في البحر والعالمَين أجمع الحمدَ والأكرام والمجدَ والعّزة أبد الدهور”(رؤ5: 13). فليس إذًا ألَـه بجانب إلَـه. بل المسيح استلم حكم الكون.