أهلآ وسهلا بالأخت نورا وليد يوسف.
كتبت الأخت نورا تقول : مسيحيون لا يأكلون لحم الخنزير بحجة أنه مُحَّرَم مع أن يسوع قد صَّرح أنه ” ليس ما يدخل الأنسان يُنَّجسُ ألأنسان “، فسألت :
هل عدم اكل الخنزير صحـيح ؟
لمــاذا يقولون أنه حرام ؟
من أين أتت هذه التعــاليم ؟
ما طَّهَترَه الله لا تُنَّجـسُهُ أنت ! { أع 10: 15}
هذا ما قاله الرب لبطرس بينما هو يصلي ظهرا على السطح وأهل البيت يُهَّيئون له الطعام. رأى بطرس شبه سفرة طعام عليها من ” جميع الحيوانات والطيور والزحافات. و إذا هاتفٌ يقول له : قم ، إذبح وكُل. قال بطرس: لا يارب ، لم آكل قط نجسًا أو دنسًا. ردَّ عليه الهاتف : ما طَّهره الله لا تُنَّجِسُه أنتَ . وحدثَ ذلك ثلاث مرات ، ثم رُفع الوعاءُ الى السماء”. كان قصد الله الأول ألا يعتبر الوثنيين ، مثل باقي اليهود ، نجسين. ولكن تعليمه أنَّ كلَّ ما خلقه الله حيوانا أو إنسانا هو حسنٌ جدًا. لقد قالَ الله هذا منذ البدء. يوم أنهى الله خلق كل الكائنات وعلى رأسهم الأنسان قال الكتاب : ” ونظر الله الى كلِ ما صنعه ، فرأى أنه حسنٌ جدًا ” (تك 1: 31). إذن لم يرَ الله الخنزيرَ أنه ” دنس”.
ويسوع أيضا أكَّدَ بأن ” ما يدخلُ الأنسان من الخارج لا يُنَّجسُهُ. لأنه لا يدخل الى القلب بل الى الجوف، ثم يذهب الى الخلاء. وفي قوله ذلك جعلَ “> الأطعمة كلَّها طاهرة <“(مر7: 19). يلاحظ القاريء أنَّ الرَّبَ لم يستثن ِ الخنزير، بل أعلن من جديد طهارة كل الكائنات. هكذا إفتهمَ الرسل وهكذا علموا. وحتى بولس ، الفريسي المتزَّمت ، غيَّرَ وجهة نظره وتبع هذا التعليم حتى كتب لتلميذه طيمثاوس يقول: ” الروح يقول صريحًا بأنَّ البعضَ يرتدون عن الأيمان.. وينهون عن الزواج وعن أطعمة خلقها الله .. فكلُ ما خلَقَ اللهُ حسنٌ. فما من طعام نجس إذا تناوله الأنسان وهو حامد. لأنَّ كلامَ الله والصلاة يُقَّدسانِه “(1طيم 4: 1-5). وسبق فكتب لأهل كورنثية :” كلوا من اللحم كلَّ ما يُباعُ في السوق ولا تسألوا عن شيء توَّرُعًا، لأنَّ الأرضَ وما عليها للرب “(1كور10: 25-26). كما يوصي أهل كولسي بأنْ ” لا يحكمَّنَ عليكم أحد في المأكل والمشرب..”(كو2: 16). فالمسيحي إذن حٌّر أن يأكل أيَّ طعام كان دون وخز ضمير، ولا يخضع إلا لشريعة المسيح.
هم غيومٌ تسوقُها الرياح ! {يهوذا 12}
أما لماذا يقولُ بعضُ المسيحيين أن أكل لحم الخنزير حرامٌ فذلك عن جهلهم بإيمانهم. فلو إطلعوا على ما في العهد الجديد لما إعتقدوا ذلك. لأنهم قلَّ ما يقرأون. إنما يتعَّلمون بالسماع وبالمعاينة. ما يجري في المجتمع من عادات وتقاليد لدى الشعوب الأخرى أصبحت عندهم قاعدة الحياة. أما تعاليم الله والمسيح فترونها موضوعة على الرفوف أومخَّـبَأَة ً أو ملقاة بين زوائد البيت في المخزن. إنَّ إحدى أقبح ميزات أهل الشرق هي أنه يجهل مبادئ إيمانه ، و القليل الذي يعرفه عنه مشَّوَه بالخرافات واساطير الأجداد، ولا يُسَّلطُ ضوءَ عقله على سلوكه بل أينما حلَّ أو وُجد يَأخذُ من جيرانِه ومن مواطنيه غير مبال أنه يحملُ نورا يجب أن يشُّعَه ، ويحملُ كنزًا يجب أن يوَّزعه. يحُّسُ دوما بحاجة الى أن يأخذ كل شيء من الآخرين، لأنَّ حياته فارغة من العلم والفكر والهدف.
مصدرُ شريعة تحريم الخنزير !
معروفٌ عن الخنزير أنه حيوان وسخٌ في ظاهره وطعامِهِ إذ يتردد على المزابل وفيها أكله المفضَّل. فأصبحَ رمزًا للنجاسة. ولما أخرجَ يسوع الأرواحَ النجسة من ممسوس شرس يعيش بين القبور سمح لها ، بناءًا على طلبها ، أن تدخلَ قطيع خنازير من 2000 رأس (مر 5: 12-13)!. و الأبنُ الضال إنتهى به الأمر أن يرعى الخنازير ويأكل من طعامها (لو15: 15-16). هكذا تفعلُ الخطيئة بالأنسان فتُدَّنِسُه ويكون حالُه حالَ الخنزير!. مع ذلك لم يُحَّرمْ يسوع لحم الخنزير.
الذي حرَمه هو موسى. وفعل ذلك بآسم الله حتى يطيعه الشعب ، وبهدف الحفاظ على صحة شعبه ونقاوةِ أفكارِه. جاء في سفر اللاويين عن شريعة ” الطاهر والنجس من الحيوان” ما يلي :” تأكلون من جميع ما هو مشقوق الظفر ويجتَّرُ من البهائم. أما الحيوانات التي تجْتَّرُ و أظفارُها غير مشقوقة ، أو التي لا تجْتَّرُ وأظفارُها مشقوقة فلا تأكلوها لأنها نجسٌ لكم”. ليست نجسًا بذاتِها. بل هي حرامٌ فقط لليهود. ومن بين الحيوانات ذكرت الشريعةُ حرفيا : ” الجملَ والأرنبَ والخنزير.. إنها نجسةٌ لكم ” (لا11: 1-8). وتلي هذا قائمة طويلة بحيوانات البحر والبر والجو الممنوع أكلها أو لمس جثتها وهي مَيْـتةٌ (11: 8-47).
وتبعَ الأسلام اليهودَ فحَّرَم ايضا أكل الخنزير. لكن الغريب أنه لمْ يُحَّرم الجمل أيضا كاليهود !. ربما لأنَّ الجملَ حلوبٌ وكان لولبَ طعام العشائر البدو. كان هدفُ موسى قداسة الشعب كما قال على فم الله : ” أنا الربُ إلهُـكم. فتقَّـدسوا وكونوا قديسين لأني أنا قُـدّوسٌ ” (11: 44). ومسيحيو الشرق الأوسط عاشوا وسط شعوب أغلبيتها الساحقة مسلمون. ولم يكن سهلا عليهم أن يعيشوا بحريتهم ويمارسوا مبادئهم على راحتِهم. فتقلدوا سلوكَهم ومارسوا عاداتهم وحتى تبَّنوا كثيرا من أفكارهم الأجتماعية. بل ربما فاتتهم تعاليم مسيحية كثيرة لعدم إمتلاك الكتاب المقدس في العوائل ولعدم إتاحة الفرصة لسماعه كله من خلال القراءات الطقسية التي تتلى عليهم في الآحاد والأعياد والمناسبات ، ما لم يكن كافيا ليطلعوا على كل محتويات الكتاب.
لم ينتبه المسيحيون الى أنَّ المسيح قد غيَّر الكثيرمن شريعة العهد القديم لاسيما طريقة فهمها وعيشها :” سمعتم أنه قيل لكم … أما أنا فأقول لكم …”(متى 5: 21-48). وربما لم يسمعوا أبدا بما كتبه بولس لأهل كولسي :” ما بالكم ، كما لوكنتم عائشين في العالم، تخضعون لمثل هذه النواهي: لا تأخذ!. لا تذُقْ!. لا تمَّسْ!. وتلك الأشياء كلها تؤولُ بالأستعمال الى الزوال؟. إنها وصايا ومذاهب بشرية …لا قيمة لها لأنها غير صالحة إلا لأرضاء الهوى البشري ” (كو2: 20-22). فقداسة الأنسان ليست في الطعام واللباس. الحياة أسمى وأغلى منها (متى 6: 25). الحياةُ و القداسة تقاسان بأَعمال الأنسان النابعة من ايمانه ومحبتِه (غل5: 6). و المؤمن مدعو الى القداسة والكمال مثل الله :” كونوا قديسين في سيرتكم كلها “(1بط1: 15) و” كاملين كما أن أباكم السماوي كامل ” (متى5: 48).