أهلا وسهلا بالأخ رياض رودي.
كتبَ الأخ رياض بأن الكنيسة تشهد في أيامنا نساءًا معلمات وشماسات يخدمن في كل أمور الكنيسة. في حين منع مار بولس النساءَ من القراءة والتكلم في الأجتماعات الدينية. فهو لا يساوي علنا بين الرجل والمرأة حسب 1 كورنثية 14: 34-35 و 1طيمثاوس 2: 11-15. فطرحَ سؤاله : <> ماذا يعني تصَّرُفُ مار بولس هـنا ؟.
ماذا قال مار بولس !
” لِتصمُت النساءُ في إجتماعاتِكم ، كما تصمتُ في جميعِ الكنائس ، فإنَّه لا يُؤْذنُ لهن بالتحَّدُث. وعليهن أنْ يخضَعنَ كما تقولُ الشريعة ، فإِنْ رَغِبْنَ في تعَّلم ِ شيء ، فليسألن أزواجهُن في البيت. لأنَّ من العارِ على المرأة أنْ تخطبَ في الكنيسة ” 1كور14: 34-35 ” وعلى المرأةِ عـندَ التعَّلُمِ أنْ تُحافِظَ على السكوتِ بكلِ خضوع. ولا أُجيزُ للمـرأةِ أنْ تُعَّلمَ ولا أنْ تتسَّلطَ على الرجلْ، بل عليها أن تكون هادئة. إنَّ آدمَ هو الذي جُبلَ أولا وبعدَه حّواء. ولمْ يُغْـوَآدم، بل المرأة هي التي أُغويَتْ فوقعَتْ في المعصية. غير أنَّ الخلاصَ يأتيها من الأُمومة، إذا ثبَتتْ على الأيمان والمحبة والقداسة في الرزانة ” 1طيم2: 11-15
المساواة بين الرجل والمـرأة !
لقد قرأ الأخ السائل ، وما أكثر الذين يقرأون مثله حرفَ الكتاب وفي نص معَّين دون تكليف أنفسهم بالأطلاع على فكرة الرسول الشاملة وتعليمه الكامل. إنَّ ما كتبه بولس هنا يتوجه الى كنيستين أو جماعتين من المسيحيين الذين ظهرت بينهم أفكارٌ وتصرفات أحيانا متطرفة فأراد الرسولُ كبحَ جماحِهم قليلا حتى لا يتحدوا الحدود الحقة لطبيعة كل واحد ومهمتِه و حقِه. فأن كان تمييزٌ وتحديدٌ للمواقف الخاصة في ظروف وحالاتٍ خاصة فذلك لا يعني أبدًا عدم المساواة. ربما هكذا إفتهم آباؤُنا وهكذا فسَّروا كلام بولس بسبب البيئة غير المسيحية التي كانوا يعيشون فيها والتي لا تعطي المرأة أية قيمة. وكلنا يعلم أن الأمورالخاطئة، السيئة تنتشر بسرعة عكس الحقيقة والخير.
أما المسيحية فلا تفَّرقُ بين رجل وإمرأة في كيانها وطبيعتها ودعوتها الأيمانية. وبالمقابل لا تخلط بينهما المسؤوليات والواجبات، إذ لكل واحد مهمة خاصة مقابل موهبته الفريدة. لم يختر يسوع ولا إمرأة بين رسله ومع ذلك ظهر بعد القيامة للمجدلية قبل الرسل وهي أول تلميذٍ له كلفه يسوع بحمل بشرى القيامة الى غيره (يو20: 15-18). وبينما إنهزم الرسل ما عدا يوحنا كانت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب ويوسى واقفتين تحت الصليب (يو19: 25 )، وتبعتا مع حنة ، وغيرها من النسوة، الصالبين وآهتمتا بدفن يسوع وتحنيطه وكن الشهود الأُوَلْ للقيامة (لو23: 55 – 24: 10).
فلم يكن بوسع بولس أن يُمَّيز بين رجل وإمرأة في الطبيعة والأيمان. وهذا ما يُؤَّكدُه بقوله : ” لا تكون المرأةٌ في الرَّب بلا الرجل ولا الرجل بلا المرأة. فإذا كانت المرأةُ آستُّلَتْ من الرجل، فالرجلُ تلِدُه المرأة. وكل شيءٍ يأتي من الله”(1كور11: 11-12). ربما لا يشفي هذا النص غليلَ ” المتمسكين بالحرف”!. ولذا لم يحرمُ بولس قارئيه من وضوح فكره ، حتى لا يفهمه البسطاء خطأ ً ولا يحَّورُ الأشرارُ تعليمه (2بط3: 16)، ولا يزعمون ما لم يقصُدْ قولَه ، كما قال بنفسِه:” لا تكونوا سريعي التزعزع في رشدكم، وسريعي الأرتياع من نبوءةٍ أو قول أو رسالةٍ يُزعمُ أنها منا…لا يخدعَّنكم أحدٌ بشكل من الأشكال”(2تس2: 1-3). ويُصَّرحُ أخيرًا لأهل غلاطية :” .. قد لبستم المسيح. فلمْ يبقَ من بعدُ يهودي أو يوناني، عبدٌ أو حُّر، ذكـرٌ أو أُنـثى. لأنكم جميعَكم واحدٌ في المسيح يسوع” (غل3: 28). ويُؤَّيد بطرسُ هذه المساواة قائلاً: “أيها الرجال… علما بأنَّ المرأةَ أضعفُ منكم جبـلة ً، أولوها حَقَّها من الإكرام على أنها شريكةٌ لكم في إرث نعمةِ الحياة “(1بط3: 7). فلم يُمَّيز بولس بين الرجل والمرأة ولا فضَّلَ واحدًا منهما على الآخر، وهذا كلامه :” إذا آجتمعتم ، قد يأتي كلُّ واحدٍ منكم بمزمور أو تعليم أو…فآبتغوا البنيان “(14: 26) ولم يمنع أحدا من أيةِ خدمة.
ماذا عنى بولس إذن ؟
حتى نعرفَ ماذا قصد بولس بكلامِه علينا أن نطلعَ على ما سبقَ وما لحق العبارة المقتطفة والمسلوخة عن إطارِ جسمها. فالآية السابقة مباشرة للآيات المعروضة علينا، أى14: 33 تقول ” ليس اللهُ إلـهَ الفوضى، بل إلـهُ السلام”. والآية (14: 40) الخامسة بعد المعروضة علينا تقول” ليكن كلُّ شيءٍ بأدبٍ ونظام “. إذن الموضوعُ يدورُ هنا على النظام وليس على الحقوق. وليست المرأة وحدَها أخضعها بولس للصمت بل أيضا الأنبياء والمتكلمين بلغات عند عدم توفر مترجم. في حين سمح لهم في الآيات السابقة بالتكلم، وفي اللاحقة شجَّع التنبُؤ وقال ” لا تمنعوا أحدا أن يتكلم بلغات ” (14: 39). تماما كما سبق وأكَّد على حق المرأة نفسِها في الصلاة والتكلم علنا (1كور11: 5، و13).
بولس والنظــام !
طلبَ بولس من أهل تسالونيقي ” إُثبتوا إذًا أيها الإخوة وحافظوا على السنن التي أخذتموها عَّنا ، إما مشافهةً وإما مكاتبة ً”(2تس2: 15). ويمدحُ أهل كورنثية لأنهم يُحافظون بدورهم على التقاليد ” كما ، يقول بولس، سلَّمتُها اليكم “(1كور11: 2). ويدعي بولس أن الذين لا يخضعون لتقاليد الكنيسة فهم ” مخالفون” ويقول:” وليس مثلُ هذا من عادتنا ولا من عادةِ كنائس الله “(1كور11: 16). ويصدي بولس بإجراءاتِه هذه لنظام إجتماعي سائد لا يُحبُّ بولس أن يُعارضَه لئلا يُسيءَ الى البشارة ويُبعدَ اليهودَ والوثنيين/ اليونان عن قبول الأيمان و دخول المسيحية. لا تزالُ بعض الأديان والشعوب ، كما نراه اليوم ، لا تعترفُ بأنَّ المرأة متساوية مع الرجل ولا يحُّقُ لها، كما لم يكن يحُّـقُ لسابقاتِها، ممارسة بعض المهن المعتبرة حصرًا على الرجال ، خاصَّة التعليم.
إنَّ بعضَ عبارات بولس تدًّل على أنه يعكسُ فعلا تقاليد إجتماعية. يقول مثلا : ” أ يليقُ بالمرأةِ أن تصَّليَ لله وهي مكشوفة الرأس؟. أما تعَّلمكم الطبيعة… كما تقول الشريعة… لأنه من العار على المرأة أن تخطبَ في الكنيسة … وعلى المرأة عندَ التعَّلم أن تُحافظَ على السكوت بكل خضوع ..”.
آياتٌ مثل هذه لا تترك مجالا للشك بأنَّ ما قصدَه بولس وعناهُ لم يكن تعليما عقائديًا مُلزما يقوم على أساس الأيمان. بل هو جملة من أنظمة يُطلبُ التقَّيُدُ بها من أجل سير هاديءٍ، بدون غضب ولا خصام (1طيم 2: 8)، ومثمر لآجتماعات المؤمنين ولبنيان الكنيسة (14: 12 و26)؛ ومن أجل عدم إعطاء الفرصةِ للخارجين أن يتهموا المسيحية بعدم الآخلاق ، فينبذوها (14: 23). وكل نظام متعَّلق بظروف الزمان والمكان عُرضةٌ للتغيير بسبب تطور الحياة وحاجة الأنسان ليعيشَ إيمانه بشكل يبني ملكوت الله على الأرض.