أهلا وسهلا بأَرخوان يوسف
جاءَني سؤالٌ من أرخوان يوسف ، يقول :
# ما هو مفهوم المسيحية عن :” الله يُمهِلُ ولا يُهمِل”؟
يُمْـهِـلُ !
أَمهَلَ ـ يُمهِلُ ـ مُهْـلة ً. فـ ” يُمهِلُ ” يعني يُعطي فرصة ً أو مُهلةً جديدة. تقال عندما يُطالبُ أحدٌ دينًا على غيرِه، ولمْ يستطع المديون أن يفي دينَه ويَرُدَّهُ في الزمن المحدد له يحّقُ للدائن صاحبِ الحق أن يُحاسبه ويُقاضيه. أو يرحمُه ويُمَّددُ أجَلَ وفاءِ الدين الى فترةٍ أبعد وأطول ليُعطيَ المجال لمديونه أن يعمل ويوَّفرَ ما يدفع به الدينَ المُستَحَّقْ عليه. ذكر الأنجيل مثلَ التينةِ العقيمة (متى13: 6-9) التي لم تُثمرْ مدة ثلاث سنوات خلافًا لعمرها وخدمتها. وكان حُكمُها أنْ تُقطعَ لئلا تسيءَ الى الأرض وتُعَّطلَها. توَّسطُ الكَّرامُ عند صاحب الكرم بأن يُؤَّجلَ حكمَه ويبقيها سنة أخرى لربما تثمرُ. واذا لم تُثمر يُنَفَّـذُ الحكمُ بحقها وتُقطع ثم تُحرق. لم يُنزِلْ بها صاحبُ الكرم العقوبة بل أمهَلها وأعطاها فرصة جديدة لتُصلح أمورَها. كان كريما تجاهها وساعدها.
زرع الله الأنسان في حديقة الكون ويُطالبه بإعطاء الثمر. وثمر الأنسان أن يحب ويُحَّسن الحياة. لكنه لم يفعل فأخطأ. فهو مديون لله. وبما أنه لم يفِ المطلوبَ منه فهو يستحق المحاسبة والعقاب. لكن الله لم يلجأ من البداية الى العقاب، بل ” أمهَلَه” وأعطاه فرصة جديدة، فدعاه الى التوبة عن أخطائه وتحسين أخلاقِه بسلوك درب القداسة. هكذا أخبر الله على فم نبيه حزقيال:” أَ بموتِ الشرير يكون سروري؟. كلا. بل بتوبته عن شره فيحيا”(حز18: 23). وهذا ما فعله يسوع مع المرأةِ الزانية التي كانت محكومة بالموت رجمًا :” لا أحكم عليك. إذهبي ولا تخطأي بعد الآن” (يو8″ 11). أمهَلها يسوع فرصة جديدة في الحياة لتُصلحَ سلوكها.
لا يُـهْـمِـلُ !
أهملَ شيئًا يعني تناساه وتغاضى عنه. لا يعيره بعد إهتماما. يتخذُ موقف اللامبالاة. الأهمالُ ليس نسيانا. ولا تنازلا عن حَّق مشروع. إنما عدم التمسُّك بالمحاسبةِ عن هذا الّحَقٍ إِما عن ضجر أو كسل أو حتى عن ضُعفٍ. وقد يتأتى الإهمالُ أيضا عن عدم إدراك جدِيَةِ الأمر أو ببساطة عن كسل وترك زمام الأمور للأقدار. وليست هذه من صفات الله وأخلاقِه. الله حَقٌّ وحب وعملٌ متواصل في رعاية الخليقة، وعادل وكريم ولا يُهملُ الأنسان. يقول اشعيا ” حتى لو نسيت الأم رضيعها أما أنا فلن أنساكم”. لن ينسَ لا شرَ الأنسان ولا خيرَه. ولا يتهاون مع مخالفي الحق. لقد أعطى الله الحياة للأنسان، وأرشده الى سبل حمايتها وتقويتها ، كما نبَّهَه الى المخاطرالتي تعرقل مسيرته وحذَّرَه من مغبة الوقوع فيها مُؤَّكَّدًا على محاسبة الخير والشركاشفًا له نتيجتها. أنذر الله أهل الطوفان وسدوم وعمورة بأنْ طفح كيلُ فسادهم و أنَّ شرورهم قد نضجت وآن أوان قطفها وهي تهددهم بالهلاك. لم يهمل الرب فسادهم و لم يكن ممكنا أن يملك الفساد مع البرارة. فأنقذ الله الأبرار نوحًا ولوطًا، أما الأشرار فتركهم لمصيرهم.
ولمَّا ظلَّ أيوب على إيمانه وصمد في مأساته المرة القاسية وأبى أن يجَّدفَ على الله لم يُهمله الله بل أنقذه من مأساته وجازاه بالعافية والخير والهناء أكثر من الأول. ولم ينسَ إيمان إبراهيم وزكريا بل رزقهم أطفالا تقُّرُ بهم عيونهم ويزول عنهم عار العقر. يمهل الله الأنسان على فسادِ رأيه وسلوكه لكنه لا يهمله. لا يهمله محاولا أولا جرَّه الى الأصلاح فيعطيه فرصة التوبة، لكنه لا يتساهل معه عند إصراره على ذلك. وكذلك أمهل المسيئين الى الأبرار ولكن لم ينس معاناةَ هؤلاء وضيقَهم وصبرَهم بل جازاهم أضعافا مُضاعَفة.