أهلا وسهلاً بالأخ فادي المصلاوي
سأل الأخ فادي : هل اللبسُ القصير في الكنيسة صحيحٌ أم خطـأ ؟
لا تهتَّموا للجسدِ ما تلبسون !
إذا أردنا معرفةَ قيمةِ شيءٍ أو حادثٍ نُصَّلتُ عليه ضوء الأيمان. والأيمان كما يُحَّدِدُه الله و ليس كما يروق لنا أن نصفَه. والسؤال يدور حول لبس نوع من الملابس في الكنيسة. لم يعتبره السائل الكريم لا صحيحًا ولا سَّيئًا. إنما يراه الكثيرون وينتقدونه بأنه لا يليقُ بالصلاة وبالكنيسة. إنه اللبسُ القصير. قبلَ كلِ شيء إنَّ لبسَ القصير أوالطويل يتبع الموضة. أي لا تلبسه الأنثى لأنه جيدٌ أولائقٌ بل فقط لأنه موضة العصر، تُغَّني له جميعُ وسائل التواصل الأجتماعي وترتديه الصديقات والجارات فلا تريد أن تكون هي شاذة. بل تعتبرُهُ جَّيدًا لأنَّ أغلبية النساء ترتدينه مُتَّبعَةً بذلك المثل القائل:” الحشرُ مع الناس عيدٌ”. أى حتى الموت يعتبرُ عيدًا إذا تمَّ جماعيًا. فحتى لو كان اللبسُ القصير مخالفًا أو سَّيئًا لكنه يبقى ، بعينها ، جَّيدًا ما دام ترتديه غالبية المثيلات!.
هذا منطقُ أهل العالم. فلن يكون اللبس القصيرُ صحيحاً لأنهن يلبسنه في حفلات العرس، ولا يكون خطأٌ لأنهن يلبسنه في الكنيسة. الصحة والخطأُ تتحَكَّمُ فيه الموضة. فالخلل ليس إذن في لبس القصير بقدر ما هو بآتّباع الموضة التي لا فقط تقَّللُ من قيمة الأنسان بل تمحو شخصيتَه وكرامته لأنه يُصبحُ دميةً تُحَّركُها مصلحةُ التُجَّـار، و بذلك يفقدُ الأنسان قيمة أفعالِه. زَوَّدَ اللهُ الأنسانَ عقلا ليستعمله فيحكمَ بواسطته على جودة الشيء وصحتِه ومن ثم يختارَ ما يراه صحيحًا وجَّيدًا. أما إذا لم يستعمل عقله بل تشَّبه بالقرد فقَّلدَ غيرَه عندئذٍ يكون الأنسان قد توَّحش. فالطامة الكبرى في التوَّحُش لا في لبس القصير.
بل أُطلبوا ملكوتَ الله وبِـرَّهُ !
أما الرب فقد نَبَّهَ المؤمنين بأنَّ ما يعودُ الى الجسد ليس أساسيا في الحياة حتى نعطيه قيمة كبيرة ونهتَّمَ به أكثر من اللازم. نستعملُ الطعام واللباس وغيرها من خيرات مادّية لأجل ديمومةِ الحياة وليس لزينة الجسد. لأنَّ الجسد يزول أما الحياة فهي التي تبقى. والحياة روح. كذلك لأنَّ الجسد عند الموت يتعَّفن فيفسد وتأكله الدود ولا نأخذه معنا الى الحياة الأبدية. أما قال الكتاب: ” إنك من التراب والى التراب تعود “؟ (تك3: 19)!. فلهذا حَذَّرَ الرب :” لماذا يُهِمُّكم اللباس…الوثنيون يطلبونه “؟ (متى6: 28-33). أما أنتم فمؤمنون. والمؤمن يهتَّمُ بأن يُحِبَ الله وينشرَ أخبارَه و وصاياه. يريدُ أن يضمن معه الحياة المجيدة للأبد. وملكوت الرب فينا أن يرضى عنا الله، يرضى عن أفكارنا وتصرفاتنا. ليس المهمُ قصرُ اللبس أو طوله. بل المُهِّمُ أن نستعمل اللبس حسب تخطيط الله ،” وصنع الربُ الأله لآدمَ وآمرأتِه ثيابًا من جِلدٍ وكساهما” (تك3: 21). فاللبس لكساءِ العري والحماية من البرد وليس للزينةِ ولا للتباهي أو التفَنُّن. ليس الجسد ساحة معرَضٍ للدعاية فننشرعليه نماذجَ للأزياءِ مختلفةً تستهوي الناس وتجلبُهم. اللبس لحماية الجسد وللكساء.
وإذا صَلَّيتَ فآدخل مُخدَعك !
هكذا قال الرب. أى عندما نأتي الى بيتِ الله نأتي للصلاة نُفَّرغُ رأسَنا من أفكار الدنيا ومن تبعياتِها. نقطعُ بصرَنا عن النظر الى ما حولنا. إننا مع الله. فكرنا وقلبنا، بصرُنا وسمعُنا مع الله ومشدودٌ إليه. فلا نرى مَن حولَنا وماذا يفعلُ حتى جارُنا. في الصلاة نقطع كلَّ صلةٍ لنا بالبيئة حولِنا، و ننعزلَ كليا عن العالم ومتطلباتِه. في الكنيسة نُرَّكزُ إنتباهَنا ونجمعُ مشاعِرنا كلها حول الله ، حول ملكوتِه وميزاتِه. عندما كانت تتحدثُ برناديت أو رُؤاةُ فاتيما الى مريم العذراء كانت تنقطع لهم كلُ صلةٍ بالعالم حولهم. حتى أنَّ طبيبًا أشعلَ مرَةً شمعةً ومسكها تحت يديها المضموتين فلم تحترق ولا حست هي بالنار فلم تسحبها. كانت في عالم الله. لذا من يأتي الى الكنيسة لا يهتم بأن يجعلَ جسدَه معرَضًا للأزياء. وكذلك لا يظل يَلتفت يُمنةً و يُسرى ليراقبَ الناسَ فيرى ما يلبسون أو ماذا يفعلون. لقد دخل الى مُخدع الله الخفي ليُصَّليَ فلا يراه أحدٌ ولا يرى هو أحدًا.
لا تـدينوا لئلا تُدانـوا !
من طبع الشرقيين أن يتفاضلوا في حياة الآخرين ليعرفوا كلَّ ما يجري، وكيفَ يجري، ولماذا هكذا يجري. وبعد المعرفة يحكمون على تصرفات الغير فيمدحون أو يدينون. و لا يكيلون المدحَ أو القدحَ حسب مقاييس الله بل حسب رؤيتهم للأمور وتقييمهم الشخصي. و أتعسَ من ذلك أنهم يُعَّللون الأحداث ويُفَّسرون أسبابها حسب منطقهم ورأيهم حتى لو جهلوا حقيقة تفاصيلها. وأتعسَ من كلِ ذلك هو أنهم يتخذون موقفًا عِدائيًا خاصَّة ويُصّرون على سوء نيات الآخرين. ينصبون أنفسَهم حُّكامًا ، ولو إستطاعوا لما ترددوا في تنفيذ حتى الحكم دون رادع أو خوف. ومن أمثال ذلك مراقبة لبس النساء في الكنيسة والمطالبة بإدانتِهم و طردهم. وقد يتناسون أن بعضَ النساء اللواتي يلبسن القصير هن من أقرب الأقرباء إليهم. هكذا فعل الفريسيون المنافقون فلاموا يسوع لكونه تصرف برحمة ومحبة مع الخطأة (لو7: 39؛ 19: 7)، ودانوا خاطئة وأرادوا رجمها بينما كانوا بأنفسهم خطأة (يو8: 7).
والله صريحٌ في حكمه على الخطأة :” لا يريدُ الله موت الخاطيء بل أن يتوبَ ويحيا أمامَه ” (2بط3: 9-10)، وأن يدخل الحياة من الباب الضيق (متى7: 13)، وألا تكن زينة النساء ” بالتبرَّج بالشعر والتحَّلي بالذهب والتَأَّلقِ في الملابس. بل بزينة القلب وباطِنه ، على نفسٍ وادعة بريئة من الفساد .. ذلك هو الثمينُ عند الله” (1بط3: 2-4). وصريح في حكمه على الأبرار:” أَخرِج أولاً الخشبة من عينِك ثم فَّكر كيف تخرج القشَّ من عين أخيك” (متى7: 3 -5). ثم إنصَح أخاك إذا أخطأ .. إذا لم يسمع أخبر الكنيسة .. إذا لم يسمع اليها أيضُا عندئذٍ ” ليكن عندك كوثني وعَشَّار”(متى18: 15-17). أى لا تحاسبه أنتَ بل دع الأمر لله. و لا تتعامل معه كأخ مؤمن بل كغريب فلا تسمح أن تتعَّدى منه وتعملَ مثله.
صحيحٌ أم خطـأ ؟
بعد كلَّ هذا البحث في استعراض مباديء الأيمان يمكننا أن نقول بأنَّ اللبس القصير ليس صحيحًا. ومثله اللبس المُصَّلخ وكل نوع مخالف للحشمة والآداب الأنسانية. لأنها لا تُغَّطي عُريَ الجسد. وغطاءُ عري الجسد مهّمٌ لأنه يذَكرُنا بفقدان نعمة الله ، لأنَّ عُريَ الجسد مِرآةٌ ودليل لعري النفس من نعمةِ الله. لم يشعرآدم وحواء بالعريِ والخجل من بعضهما إلا بعدَ أن أخطأآ وفقدا صداقة الله ونعيم الفردوس. ولرأبِ الخجل بين البشر يعزو الكتاب إستعمال اللباس غطاءًا وكِساءًا وحماية. بينما قُصر اللباس وأمثالُه يؤدي الى عري الجسد وعرضِه للأهانة والأساءة. مع ذلك يبقى أن نية الأنسان هي التي تتحكمُ في سوءِ الفعل أو براءَته. مثلا: إذا لبست قصيرا طفلة ثلاث سنوات ليست كما لو لبسته إمرأة ذو ستين سنة. وأيضا خَطأُ مؤمنٍ لا يَسمحُ ولا يُعطي الحق للآخرين ” دينونتَه ” أى الحكم عليه بالسوء. لا لأنه بريءٌ. لا. بل لأنَّ الله لم يُقِمنا حُكامًا نحاسبُ وندين الآخرين. الله يدعو كلَّ إنسان أن يهتم أولا بنقاوةِ سيرته وخُلوِها من السوء ومن ثم أن يساعدَ، بروح الأخاء، أخاه الخاطيء لا أن يدينَه. دعانا أن نكون نورًا يُضيءُ طريقَ الحق للآخرين لا حريقًا يُضرمُ النارفيهم ويُشعلهم . دعانا ملحًا وخميرة لنُعطيَ الطعم لحياة أهل العالم لا لنُسَّمِمَهم ونُبيدَهم. نحن ميَّالون دومًا الى الأنتقاد والمحاسبة والمعاقبة ، أما الرب فيريدُ منا التفاهم والأحترامَ و المسامحة. و الكنيسة مكان للصلاة لا لعرض الأزياء، للألتقاء بالله وبالآخرين في المحَّبة لا لمراقبة المؤمنين ودينونتِهم.