أهلا وسهلا بالأخ نهـاد شــامايا
سأل الأخ نهاد : # أين هي كنيستنا الكلدانية على وجه خاص، والكاثوليكية على وجه عام، من موضوع ” البشارة ” ؟.
البشارة أم التبشير ؟!
إنْ عنينا قبول وإعلان الأيمان ـ بشارة يسوع المسيح ـ وتبني إنجيله دستورا للحياة فلا شكَّ في إيمان الكنيسة، عامة وخاصة، بذلك. وإن عنينا إبلاغ بشارة يسوع المسيح للآخرين ، أى التبشير به لمن لم يؤمن به بعدُ فلا شكَّ أيضا في أنَّ الكنيسة في وجهيها العام والخاص تقوم بذلك منذ ألفي عام وما تزال. ولكن سؤال الأخ نهاد يبُثُّ رائحة التبشير” على طريقة ” الأخوة الأنجيليين الذين يوزعون الكتاب المقدس ويفتحون كنائس لآستقبال غير المسيحيين فعندها يجب التفاهم أولا على ماذا يعني ” التبشير”؟.
أعلنوا البشارة !
هكذا أوصى يسوع أتباعه كما ذكر مرقس، أن يُخبروا عنه ” الخلقَ أجمعين” (16: 15). و عبَّر عنها متى بقوله ” تلمذوا جميعَ الأمم” (28: 19). أما لوقا فقال :” ويُدعى بآسمِه في كل الأمم” (24: 48). التبشير هو إذًا أولاً الأخبار عن يسوع المسيح. إعلانه لمن لم يسمع به، والكشفُ عن حقيقة جوهره الألهي لمن يعرفُ عنه فقط وجهه الأرضي. ومعروفٌ أن الكنيسة الكاثوليكية والكلدانية في حدودها عرَّفوا العالم الوثني بيسوع المسيح ناشرين أخباره وداعين الى تبني تعاليمِه المحيية. من بشَّر آسيا، من السعودية والى الهند والصين، غير الكنيسة الكلدانية ؟. لا زالت مسلة “سين غان فو” تشهدُ بنصها الصيني والكلداني المكتوب سنة 781م والمحفوظ في دير أسس سنة 638م في الصين، بتواجد الكنيسة الكلدانية فيها. وقبل أن تبلغها مرّت ببلاد ايران وباكستان و أفغانستان ومنغوليا مؤسسة فيها أبرشيات عامرة. عقد البطريرك الكلداني كيوركيس الأول سنة 767م مجمعا في قطر حيث تجمَّع ستة أساقفة منتشرين في الخليج ليدبروا أمور المسيحيين فيها. سنة 905م كتب البطريرك يوحنا الرابع أبجر رسالة جوابية لكاهن نجران في السعودية يشرح له القوانين الكنسية. و مَن بشَّر أوربا وأفريقيا والقارة الأمريكية غير الكنيسة الكاثوايكية؟. ومن كانوا الذين إستشهدوا في الجزائر قبل حوالي عقدين؟ ومن كانت الراهبات اللواتي إستشهدن في يمن قبل أشهرغير رسل المسيح ؟. ومن كان الشهداء القس رغيد كني والمطران فرج رحو غير أعضاء من الكنيسة الكلدانية؟. ولماذا ماتوا هم ، ومات قبلهم مئات الألوف من مسيحيي العراق، إن لم يكن لأنهم رسل المسيح المنادين بآسمه والسالكين حسب إنجيله؟.
وأنتم شهودٌ على ذلك !
وهذا يقودنا الى التفكير والتساؤل: أين كانت الحركات التبشيرية، التي يتبجَّحُ بها بعضُ الجاهلين للحقيقةِ والتأريخ، ومن تُبَّشِرُ والعالم كله قد سمع بأسم المسيح قبل أن تولد تلك الحركات أو المذاهب؟. ومن كسبوا للمسيح غير تمزيق كنائس رسولية قائمة وسرقة أبنائها ؟. أم هل البشارة او التبشير هو فقط بتوزيع الأناجيل وفتح آلاف الكنائس لا علاقة لها لا برسل المسيح الأصيلين ولا حتى بالمسيح نفسِه؟. هل التبشير بالكلام فقط أم بعيشه وإعطاء الشهادة عنه؟. ليست البشارة فقط بالمناداة بالأنجيل، بل أهم من المناداة أن يعيشَ الرسول تعليم يسوع الذي ينادي به فيُعطيَ شهادةً حَّية عن المسيح؟. لقد أراد يسوع أن يكون رسله ” شهودًا ” بحياتهم قبل توزيع الكتب. الشهادة هي وصية يسوع الأخيرة لتلاميذه ، كما ذكر لوقا (24: 48؛ وأع 1: 8). ولم يُعلن الرسل حقيقة قيامة يسوع إلا وشَدَّدوا على أنهم ” شهود على ذلك”(أع2: 32؛ 4: 33). كما كان موت يسوع وقيامته شهادة لصدق أقواله هكذا شهادة حياة الرسل كانت خير بشارة عن المسيح، مقتحمين المخاطر غير متراجعين أمام التهديد والتنكيل (أع4: 20؛ 5: 41).
وهكذا اليوم تبشر الكنيسة الكلدانية بيسوع المسيح بشهادتها له رغم مأساة الأضطهاد ؛ و بقاؤُها أمينة له رغم عذاب التهجير والتضييق هو تبشيرٌ وشهادة ليسوع المسيح. من يعلي كلمة الله الحق في العراق، في غابة الصراعات والعنف، والضلال والفساد، غير الكنيسة الكلدانية داعية الى نبذ الخلافات وتبني المحبة والإخاء وممارسة العفو والغفران. إنَّ صمود الكنيسة في العراق وهي تحت وطأة الأضطهاد منذ 1800سنة هو بذاته تبشير بالمسيح وشهادة حية على الأيمان به ومحبته وإعلاءِ شأنه أكثر من أي معلم أو نبي.
هذا من جهة ومن أخرى كم مؤسسةٍ اجتماعية وخيرية أقامتها الكنيسة الكاثوليكية عامة في العالم والكلدانية خاصة في الشرق الأوسط لاسيما في العراق لخدمة الأنسانية إنطلاقا من إيمانها وتبشيرها بالمسيح مخلصا للعالم. منذ الجيل الرابع الميلادي فتحت الكنيسة في العراق مدارس تُثَّقِفُ الناس وأتبعتها في العاشر بفتح مستشفى. وكان مدير المستشفي في زمن الخليفة العضدي القس العلامة أبو الفرج عبدالله ابن الطيب (+1043). أ لم يكن هذا تبشيرا وشهادة للمسيح بالأعتناء بالمرضى ومعالجتهم؟. ولما فرضَ العالم الحصار الوحشي على العراق من سارع وجلب الخيّرين الغربيين ، منظمات كاريتاس وغيرها ، لإغاثة المبتلين غير الكنيسة الكلدانية؟. وإذا كانت ظروف اليوم قد حصرتها في ساحة الدفاع عن نفسها ا ليس صمودها أكبر تبشير بالمسيح؟. مقاومة الكنيسة الرضوخ لمباديء أهل العالم ورغباتهم في الأنجراف وراء الفساد والضلال أ ليس ذلك تبشيرا بالحق الذي علمه إياها المسيح؟. صمود البابا ورؤساء الكنيسة في وجه التيار الملحد وتحملها نتيجة لذلك مصاعب ومصائب ، أ ليس ذلك تبشيرا وشهادةً؟. إقامة الحوار مع الملحدين وفتح بابِ اللقاءِ مع غير المسيحيين أ ليس قناة لتبشيرهم بالنور الذي تحمله؟.
يوم تتوقف الكنيسة عن نشر تعليمها في العوائل المسيحية ، ويوم تتراجع الكنيسة عن معارضة مباديء العالم الضيقة والخاطئة و تستسلمُ لها، عندئذ يكون الروح قد فارقها و تكون نار شهادتها قد خمدت ونور ضيائها قد إنطفأ، عندئذ تكون قد بطلت لا فقط من أن تكون كنيسة رسولة مُبَّشِرَة، بل وان تكون كنيسة. كما جرى لبعض كنائس أوربا غير الكاثوليكية حتى قبلت بما نهى عنه الله كالطلاق والإجهاض والمثلية.