أهلا وسهلا بالأخ الشماس متي إسماعيل
يبدو أن الشماس متي يشتركُ في القداس اللاتيني لعدم وجود، حيثُ يُقيم، رعية كلدانية. وسمع الأنجيل قبل أسبوع، أي في الأحد الثاني من الصوم للطقس اللاتيني، فتصَوَّرَ أنَّ اللاتين يحتفلون بعيد التجلي، فآستغرب وبدأت رؤية الطقوس تتغَوَّشُ في ذهنه فسأل ما يلي : # يبدو أنَّ عيدي الدنح والتجلي ليسا مهّمين عند اللاتين كما عندنا !
- هل لك أن توَّضحَ لنا عن نظام السنة الطقسية في الكنيسة اللاتينية ؟
- لماذا لا نقولُ القسم الثاني في زمن الصوم بل نستبدله بـ ” ܡܸܢ ܟܝܵܢ ܐܝܼܬܼܘܼܬܼܹܗوالقراءات : كيف تتوزَّع على مدار السنة؟ هل تتكَرَّرُ كما في طقسِنا ؟
أبدأُ بتهنئة الشماس على إنفتاح فكرِه وآهتمامه بتثقيف نفسِه وفهم الآخرين وليس الأبتعاد عنهم وتجاهلهم، خاصّةً عند المشاركة في الطقوس الدينية. أمثالُه قليلون في هذه أزمنة التعَّصب والتعَنصٌر ورفض الآخر، إن لم أقُلْ كُرهِه وإلغائِه. المسيح عَلَّمنا أن نعرفَ كلَّ شيء مثل الله، في تواضُعٍ ومحَّبة، ونتفاعلَ معه لتمجيد الله ولبُنيان المجتمع الأنساني.
عيدا الدنح والتجلي !
هما عيدان مُهّمان إيمانيًا، ولكن الأحتفال بهما ليس فخمًا كما في الطقس البيزنطي ، وبقية الطقوس الشرقية المتأثرة به. ويمكن للشماس أن يُلاحظَ أنَّه حتى الأحتفال بالميلاد والقيامة ليس مثل الشرقيين في البهرجة والألحان. يحُّسُ المؤمن أنَّ الطقس الغربي، مثل مناخ بيئتِه ، أبرد وأهدأُ، ويُؤَّدَى بروحانيةٍ أسمى تحملك على التأمل والصلاة. في حين تتمَيَّزُ الألحان، في الطقوس الشرقية، منها الكلدانية، بطابع حماسي مٌبهج، حتى يشعرُ البعضُ أحيانًا كأنها إيقاعات تدفعه إلى الرقص وتندمجُ فيها الأجسادُ مع الأرواح. فاللاتين يحتفلون بالعيدين : للدنح في الأحد الذي يلي 6/ كانون الثاني، والتجَّلي في الأحد الذي يلي 6/ آب. هذا الأخير لأنَّ 6/ 8 ليس عطلة رسمية. وأما قراءتُه في الأحد الثاني للصوم فللتهيئة لمجد القيامة. أما الدنح فلأنَّهم يحتفلون بملوكية المسيح و يُرَّكزون على قدوم المجوس وسجودهم له. أما عمادُ المسيح فيحتفلون به في الأحد الذي يليه. لقد خَصَّ اللاتين الميلاد بآحتفال أعظم لأسباب إيمانية راعوية وتأريخية. ففي حين يستعملُ الطقس الكلداني لعيد الدنح الأنافورة الثالثة ܩܘܼܕܵܫܵܐ ܬܠܝܼܬܼܵܝܵܐ مع ألحان خاصة تمتاز بموسيقاها وأطوالها، خصَّصَ لعيد الميلاد ܩܘܼܕܵܫܵܐ ܬܪܲܝܵܢܵܐ الذي يقُلُّ طابعُه الأحتفالي عن سابقِه. بينما إحنفالُ اللاتين بالميلاد أعظم بكثير من الدنح. وقد تأخروا في تثبيتِ عيد التجلي إلى سنة 1456م.
السنة الطقسية !
ترتكز السنة الطقسية على الأحد الذي هو مركز الحياة المسيحية يُغَّذي الأيمان ويقودُ مسيرة الخلاص. ثم دخلت الأعياد ، وتمَيَّزت أزمنةٌ رئيسية في تدبير الخلاص وتشَكَّلت فتنظمت الصلوات والذكريات في فكرة واحدة : المسيحُ لولب الحياة والطقوسُ تشُدُّنا إليه. وبينما للكنيسة الكلدانية نموذجٌ واحد للسنة الطقسية العامة، تتكَرَّرُ سنةً بعدَ أخرى، تبنَّى اللاتينُ، لاسيما بعد المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، ثلاثة نماذج للسنة الطقسية يحتفلُ بها بالتوالي. فالسنين هي : أ ، ب ، ج A ;,B , C. وهذه السنة 2019 هي ” ج “. هذا التقسيم يخُصُّ الآحاد والأعياد والمناسبات. أما أيام الأسبوع فتتوزع على سنتين : 1 و 2 I , II.
تبدأ السنة الطقسية، مثل الكلدان ومعهم، بفترة البشارة ويدعونها السابقة (للميلاد) بأربعة آحاد قبل عيد الميلاد. يعقبها بعد عيدي الميلاد والعائلة المُقَّدسة فترة تُسَّمى ” الثمانية ” ، تتراوح بين أسبوعٍ وإثني عشر يومًا. بعده تُعَّد الآحاد حسب تسلسلها: الأحد 1، الأحد 2 ، الأحد 3، إلى بدء الصوم، وتُسَّمى ” الزمن الأعتيادي”. يبدأ الصوم يوم أربعاء الرماد، أي ثلاثة أيام بعدنا. الآحاد لا تُحسَبُ صومًا. يحسبون الصوم هكذا : 4 أيام من الأسبوع الأول. ثم 6 أيام من الأسابيع الستة التالية ، 6×6+4= 40 يوما.
بينما نحن نحسبُ الآحاد من ضمن أيام الصوم. نصوم صوم المسيح ومعه. ننهيه طقسيًا يوم جمعة لعازر، السادسة للصوم، حيث تقول صلاة نهاية فرض الصباح :” إمنحنا أيُّها المسيح ، يا من، بقوَّته، بدأنا وأنهينا صومَه المقَّدس، قوَّة عونك الألهي لنحتفلَ بأعيادِكَ المُقَدَّسة المليئة بالأفراح”. و الليترجية الكلدانية لا تحتفل لا بعيد ولا بتذكار في فترة الصوم . أول تذكار بعد الصوم هو، كما ذكرنا، قيامة لعازر. والسعانين يبدأ بالأعياد الفصحية ” خارج الصوم” كما تشير إليه مزامير السهرة للسعانين. وصوم أسبوع الآلام تدعوه الصلاة ” صومنا الخاص”، نحن المؤمنين، مع صوم الأنبياء والرسل، وتشير إلى ذلك خاتمة مزامير الصباح لسبت النور. تلي الصوم فترة سبعة آحاد القيامة، ثم أحَدَي العنصرة والثالوث الأقدس، وعيد الجسد، ثم يستأنفون التسلسل الرقمي لآحاد الزمن الأعتيادي. ويصل الى الرقم 34 وهو آخر أحد من السنة الطقسية ويُعَّيدُ فيه يسوع الملك. ويكون هذا الأحد الخامس قبل عيد الميلاد.
القــراءات !
خصَصَّ الطقس للأعياد والتذكارات قراءات وصلوات وأنافورات مُعَّينة ومُحَدَّدة، تتكرر عادةً في كل سنة مع بعض الشواذ. أما الآحاد فلكل واحد منها قراءاته الخاصة، تختلفُ كلَّ سنة خلال الدورة الطقسية الثلاثية. لا تتكرر إلا نادرًا. وقد خُصِصَّ، مبدئيًا لكل سنة، قراءة إنجيل واحد من الأناجيل الأزائية { متى ومرقس ولوقا }، تضافُ إليها نصوص من أنجيل يوحنا لمناسبات خاصة أو لتكملة القراءات. هكذا تم تخصيص القراءات الأخرى أيضا من العهد القديم أو الرسائل. أما خارج الآحاد والأعيادـ أي لأيام الأسبوع الأعتيادية، فتختلف يوميا القراءة الأولى، من العهد القديم أو ألجديد لاسيما الرسائل، في السنة الأولى عن الثانية. أما الأنجيل فيبقى نفسُه في أغلب الأحيان خلال السنتين ما عدا بعض الشواذ. ما يتكرر قليلٌ جدًّا. ولكل يوم من أيام الأسبوع قراءاته الخاصّة.
يستعملُ الطقسُ اللاتيني أربع ” أنافورات : ܩܘܼܕܵܫܹ̈ܐ ” للآحاد ، للأعياد المارانية، للمناسبات المهمة، تسبقها صلاة خاصة تُسَّمى ” المقدمة ” للقداس، وتختلف حسب الفترة الطقسية و الأعياد وإختلاف هوية القديس المُحتفى به. يبدأ القداس بعد تحية قصيرة برتبة التوبة، و تسبقُ دعوةُ الروح القدس على كلام العشاء الأخير، ويُعطى السلامُ قبل التناول. وفي التقديم لرتبة التوبة وتلاوة ” الأبانا ” يقدر المحتفل ألا يتقَيَّد بالنص المذكور بل يتحَدَّث من عنده وهو يدعو الحضور إلى أداء تلك الفقرات بإيمان حسب ظروف العصر. والأهم من كلِّ شيء أن خُدّام المذبح يلتزمون حرفيًا بما تنُصُّ عليه الكتب الطقسية ولا يخرجون عن المطلوبِ المألوف، ولا يُخالفون التعليمات عند أداء الطقوس.