أهلا وسهلا بالأخ نهـاد شــامايا.
كتب الأخ نهـاد يسأل عن العلاقة بين الخلاص بموت المسيح الشامل لكل البشر والعماد الخاص بالمؤمنين بالمسيح ، وكيفية إمكانية خلاص غير المُعَّمـدين ، فسألَ :
ما دورُ العماد إذا كان الخلاصُ حصلَ بالموتِ على الصليب ؟
ما مدى شمول هذا الخلاص باقي الأمم غير المسيحية التي تشاركنا الحياة على الأرض ؟.
يا أبـتــاه إغـفِرْ لهم !
تمَّ الخلاص بموتِ المسيح على الصليب. لقد فَـدى يسوعُ بموتِه حياة البشر إذْ دفعَ عنهم ضريبة خطاياهم. هذا ما أكَّـده يوحنا الرسول تعقيبًا على تصريح قيافا بأفضلية موت يسوع وخلاص الأمة ، قال :” فـتَنَّـبَأَ أنَّ يسوعَ سيموت فِـدى الأُمَّـة. ولكن لا فدى الأمة فقط ، بل يموتُ ليجمعَ شملَ أبناءِ الله ” (يو11: 51-52). وهذا ما لوَّحَ اليه لوقا بنقل كلام يسوع على الصليب :” يا أبتـاه إغْـفِرْ لهم لأنهم لا يدرون ما يفعلون” (لو23: 34). وآعترفَ بهذه الحقيقة رؤساءُ الكهنة من حيثُ لا يدرون ، بينما يسخرون منه، فقالوا :” خَلَّصَ غـيرَهُ ! فليُخَّلِصْ نفسَه “(لو23: 35). كيفَ هو يحيا إن كان يُقتَلُ ليحيا غيرُهُ ؟!.
كان موتُ المسيح فعلَ تواضع ٍ وطاعةٍ لله (في2: 8) مُكَّـفِرًا عن كبرياءِ الأنسان وعصيانِه (تك3: 5-6). وكان موتُ المسيح جزءًا من عملية الخلاص الشاملة. فقد بدأ الخلاصُ بتجَّسدِ الله ، ثم بآعترافِ المسيح بخطيئةِ الأنسان في الفردوس و وجوبِ التراجع ِ عنها، الأمرُالذي تمَّ عند ممارسة يسوع معمودية التوبة في نهر الأردن على يد يوحنا؛ ثم بالطاعةِ لله ورفض إغراءِ ابليس وقد برهن على ذلك في رفض تجاربِ ابليس منذ بدء رسالتِه (متى4: 3-11) وحتى ختامها في بستان (فردوس!) الزيتون وقبولِه شربَ كأس العذاب والموت القاسي الظالم على الصليب (متى26: 39-45)، حيثُ أعلن بأنه ” تمَّ كلُ شيء ” حسب مخطط التدبير الخلاصي (يو19: 30). وبقيت القيامةُ التي ختمت وأعلنت الخلاص مُؤَّكِدَة ً بأنَّ يسوع هو الله المتجّسد وأنَّ كلَ ما قاله وعملَه كان من الله (يو8: 27-29، 45-47؛ 10: 33؛ 12: 49)، وأنَّ الأنسان الساقط قد إستعادَ حَّقه في صداقةِ الله ومشاركة حياتِه وذلك ” بقيامتِه مع المسيح “(متى 27: 52-53).
توبـوا فقد إقتربَ ملكوتُ الله !
لقد نفَّـذ يسوع هذه المراحلَ كلها بآسم ” الأنسان ” لذا فالمستفيدُ من الخلاص هو” الأنسان” ، كلِ إنسان منذ آدم ، أبِ البشرية، والى آخر انسان يولد على الأرض. وقد أعلن يسوع للناس أنَّ ما قام به هو” نموذجٌ “ودعوةٌ لكل انسان فرد أن يقوم به بدورِه، لاسيما الأعتراف بالخطأ والتوبة وطاعة الله والأنتماء الى يسوع بالعماد ، أى قبول نظرتِه الى الحياة وأسلوبِه في العيش. هذا هو ” من آمنَ وآعتمَدَ “.
بتجَّسُدِه إنتمى المسيح الى الأنسانية. وبطاعـتِه أصبحَ أخا يُحّبُ ويتضامنُ مع كل فردٍ أخطأ، كان ذلك في إنسانيتِه وآنتمائِه الى آدم ، أو في إرادتِه الحرة وشخصِه المستقِلْ ،لأنه ” كما أنَّه بمعصيةِ إنسان واحد صار البشرُ خاطئين، كذلك بطاعةِ انسان واحد يصيرُ البشرُ أبرارًا ” (رم5: 12، 15-19). ودعا يسوعُ البشرَ أفرادًا ، وليس الطبيعة البشرية ، الى إتّـباعِهِ :” تعالوا إليَّ يا جميعَ المتعَبين..” (متى11: 27). ويبدو هذا أوضح في مثل يسوع عن وليمةِ الملك لعرس ابنِه :” الوليمة مُهَّـيأةٌ. لكنَّ المدعوين غير مستحقين. أخرجوا الى مفارقِ الطرق وآدعوا الى الوليمة جميعَ من تجدونهم “(متى22: 8-9). فالخلاصُ قد تهَّـيأَ للبشرية وبابه مفتوحٌ لكل انسان.
يُعَّمدُكم بروح القدس والنـار !
إذا كان الخلاصُ لكل انسان والدعوة أيضا لكل انسان فعلى ” كلِ انسان ” أن يقتربَ من وليمةِ الخلاص. قال يُوحنا أنه يُعَّمدُ للتوبةِ فقط أى يدعو الناس الى الأعتراف بخطاياهم والرجوع عنها بتغيير سلوكهم. لكن الذي يغفِرُ الخطيئة ليسَ هو ولا الغسل بالماء بل هو الروحُ القدس الذي يفيضُه المسيح على من يؤمنون به فيُطَّهرُهم ويُحرقُ شهوةَ الشر فيهم. فالمسيح هو سيُعلنُ قيمة عمل كل إنسان ، لأنه هو القاضي والدّيان (يو5: 22-26)، لأنَّ النار ستكشف إذ تمتحنُ قيمة عمل كل واحد (1كور3: 13) وتحرقُ التبن (متى3: 12). كما خضع الأنسان الأول لآمتحان إرادتِه وحريتِه، كذلك خضع يسوع المسيح لآمتحان إرادته و حريتِه ، هكذا يجب أن يخضعَ كلُ إنسان لآمتحان إرادته وحريته في قبول الله أو رفضِه.
من آمن وآعـتمدَ !
كما أخطأت الأنسانية في آدم هكذا أطاعت الله في المسيح بشكل عام. أما بشكل خاص فيخضع كل إنسان لآمتحان فيه يُمارسُ حرّيتَه فيختارُ اللهَ أو يرفُضُه ويؤمن بالمسيح مُرسَلِه وفاديه أو لا يؤمن ولا يقبله ،” الى خاصّتِه جاءَ وخاصّتُه لم تقبله “(يو1: 11) لذا ” نُزعَ عنهم ملكوتُ الله “(متى21: 43). ما دام رفضه بوعي وحرية لن يُصبحَ إبنًا لله ولن يشترك في الخلاص. يحترمُ الله حرّيتَه ولن يُرغمَه على شيء. فقط من يقبلونه بحرية ” أُعطيَ لهم أن يكونوا أبناء الله “(يو1: 12). إنهم الذين آمنوا وآعتمدوا (مر16:16). لأنَّ الأرادة الحُّرة يُعَّبرُ عنها بالأنتماء الى المسيح المخَّلص. والأنتماء اليه يتم بالعماد بآسمه.
تلمذوا وعَّمــدوا !
كل إنسان ينتمي الى قوم أو أُمَّـةٍ أو مذهب فكري بعلامة مُـمَّيَزة. بالنسبة الى اليهود كانت الختانة هي العلامة والوسيلة. في الأحزاب أو المذاهب هي التسجيل فيها والسلوك بموجبها. في المسيحية المعمودية هي الوسيلة والعلامة للأنتماء الى المسيح والألتزام بتعاليمه. وصَّى الرب رسله ” تلمذوا الناس وعَّمدوهم بآسم الآب والأبن والروح القدس” (متى 28: 19). و لما سمع الشعبُ وعظ بطرس وآمنوا بالمسيح سألوه ” ماذا علينا أن نعمل”؟، أجابَهم ” توبوا وليعتمدْ كل واحد منكم بآسم المسيح فتُـغْـفَرُ خطاياكم ويُنعمُ عليكم بالروح القدس”(أع2: 37 -38). أى تحَّرروا من سلطان الشّرير ولا تسمعوا له بعدَ الآن، وآنتموا الى المسيح وهو يغفرُ لكم ويضمنُ خلاصَكم الأبدي !.
إذهبوا الى جميع الأمم !
إهتمَّ السائلُ الكريم بمن ” يشاركونا الحياة على الأرض ” لكنهم لم يعتمدوا في حين خلَّصهم المسيح. ماذا يكون مصيرُهم؟ وكيفَ يشملهم خلاص المسيح ما دام المسيح قد مات من أجل جميع البشر ويريد أن يخلصَ الجميع و لا يهلكوا (يو3: 16-17)؟. ما فائدتهم من الغفران الذي أعلنه يسوع وهم لا ينتمون اليه بالمعمودية ؟ أو ما نفع المعمودية أو دورها إن كانوا قد خلصوا بدونها؟.
أما ما دورالمعمودية ما دام الخلاص قد تم بالصليب فقد نوهنا أعلاه أنه إستعمال الدواء الذي أوجدَه المسيح بالصليب. نعم الخلاص هو إيجاد الدواء وتوفيرُه والعماد هو نيل هوية الحصول عليه وآستعماله الفعلي. أو بتعبير آخر إذا كان الموت على الصليب فتح باب الخلاص يبقى العماد هو دخوله الفعلي.
أما مصير من لم يعتمدوا فالوحي تحدثَ عنهم أيضا. وقبل التطرق اليهم نتساءَلُ : ماذا تعني المعمودية ؟.وهل كل من لم يعتمد في الماء لن يخلص؟. إنَّ المعمودية هي كما أعلنها يوحنا علامة التواضع أمام الله والأقرار بأننا قد أخطأنا “كإنسان ” في شخص آدم ، وأخطأنا بشكل شخصي بعدم سلوكنا دوما درب الحق والمحبة. وبعد هذا الأعتراف تعني المعمودية أنَّ الأنسان نادمٌ على ذلك وقاصدٌ أن يتراجع عنه ويُغَّير سلوكه مثل الأبن الضال (لو15: 21) فيتبَّنى “أخلاقَ المسيح “(في 2: 5) ويسلك كإبن لله.
ومن لم يؤمن يُـدان !
أما عن الذين لم يؤمنوا بالمسيح ولم يعتمدوا فقال الكتاب ” يُدان”. والدينونة هي فحص الأمر قبل إصدار الحكم. الله هو الذي يدين بالعدل لأنه يعرفُ خفايا القلوب ويُمَّيزُ المؤمن الحقيقي من المُزَّيَف!. أما نحن فنفحص أمرهم من سلوكهم. فنـبدأ بالسؤال :هل عرفوا حَّقًا من هو يسوعُ المسيح؟. هل حمل اليهم المسيحيون بشرى الخلاص، وهل عكسوا لهم صورته الحقيقية بأفعالهم ليتنَّورَ بهم أهل العالم؟. يقول مار بولس:” كيف يؤمنون وما سمعوا به؟ كيف يسمعون به وما بشِّرهم أحد “(رم10: 14). ومع ذلك قد يتوقُ الوثنيُ الى معرفة الحق ويحيا حسب قناعة ضميره. يقول عنه الرسول:” فالوثنيون الذين بلا شريعة ، إذا عملوا بالفطرة ما تأمرُ به الشريعة، كانوا شريعة لأنفسهم… مكتوبة في قلوبهم وتشهدُ لهم ضمائرُهم وأفكارُهم” (رم2: 14-15). وهذا ما يدعوه علمُ اللاهوت بـ ” عماد الشوق”. أى إذا كانت لهم نية مستقيمة وإرادة مصممة على عيش الحق ويبحثُون عنه ويسلكون درب المحبة والعدل والإخاء فذلك يُعتبرُ لهم إنتماءًا الى المسيح وعمادًا بالشوق.
لأنَّ الدينونة ليست بالتالي على الأنتماء وحده إنما على الحياة ، كيف عاش المُعَّـمَد؟. لم يقل الرب : ” أنتم مؤمنون.. أنتم معَّمدون”.. بل لقد فَّـعَلتم إيمانكم وجسَّدتم عمادَكم لأنه : ” كنتُ جوعان فأطعمتموني ، وعطشان فسقيتموني ، وغريبا فآويتموني، وعريانا فكسوتموني ، و مريضًا فعُدتموني ، وسجينا فزرتموني ..”(متى25: 35-40).
إذن أعطى المسيح لكل إنسان حق العودة الى الله والى مشاركة حياتِه وخيراتِه. بالنسبة الى المُعَّـمَد قد إستعملَ حقَّه وسلكَ دربَ الخلاص. يبقى على الوثني ان يعرف المسيح ويقبله ويتبعه بشكل أو آخر. لقد نال حق الخلاص فيقدر أن يستعمله أو أن يهمله. فالذي لم ينتم الى بالمسيح رغم سماعِه به لكنه عاشَ أقله تعليم المسيح المُرَّكِزعلى المحبة والخدمة والبذل فهذا لابد ويكون له حسابٌ خاص ، كما كان للص اليمين حسابٌ خاصٌ لأنَّ الله هو الذي ” يدين سرائر الناس ” (رم2: 16). أما الذي يرفضُ المسيح ويرفضُ أخلاقَه ، معَّمَدًا كان أو وثنيا، فلن يتمتع بالخلاص رغما عنه!. يحترمُ اللهُ حريته مثل قائين ويهوذا الأسخريوطي!.