أهلا وسهلا بالأخ بسـام الخوري.
يقول الأخ بسام بأنَّ الله يُحاسبُ جميع الناس على أعمالهم ، كل إنسان حسب سلوكه على الأرض. وتغَّوشت عنده الرؤية، بل هاجت حاسة العدل والرأفة فتساءَل :
@ :- هل يحاسبُ فاقدُ الذاكرة والمجنونُ على أعمالِه التي قبل أن يتمَّرض أم لا يُحاسب ؟
@ :- هل حُوسبَ أصلا على الأرض ؟
يُجازي الربُ كل واحد على قدر أعمالِه ! متى 16: 27
قال الكتاب ” يُجازَى” الأنسان على أعمالِه ، وليس على أفعالِه. الفعلُ ليس كالعمل. قد تصدرُ من الأنسان أفعالٌ كثيرة عفوية، كرد فعل، بدون إرادة مقصودة ولا نيّة مسبقة. وقد تبدر منه أيضا أحيانا أفعالٌ ” بدون معرفة”. لقد حصلت حوادث مؤلمة لم يتعمدها المرءُ ولا فكر بها أصلا. قتلَ صيَّادٌ رفيقه الصياد بين الدغل والأعشاب الكثيفة العالية حول المياه ظانا منه أنَّ تلك الحركة هناك هي للخنزير الذي يتعقبانه كلاهما!. صوَّب سلاحه على نقطة الحركة و أطلقَ الرصاص قبل أن يفلت منه الخنزير. ولما وصل على الضحية ورآها وقع مغشيا عليه من هول ما رأى!. إنه رفيق الصيد وليس الحيوان!. وعن ردود الفعل العفوية أيضا تحدث إساءات وحتى مآسي غير مقصودة. ففي كلتا الحالتين لم يكن للفاعلين نية مسبقة ومقصودة للقيام بذلك العمل، وهما بالتالي غير مسؤولين عن النتيجة. وهذا يخُّصُ أعمالا جيّدة أيضا. و أفعال كهذه لا يُعاقب عليها صاحبُها ولا يُكافأ.
لا يُعاقب عليها ولا يُكافأُ لأنها ليست ” أفعالا إنسانية “، أى أعمالا مدروسة مسبقا ومُخَّطَطٌ لها وعُقدت النية على إجرائها. فالأفعال التي تتم عن جهل، أو بدون رغبة ونية على إجرائها لا تُعتبرُ ” أعمالا إنسانية ” تستحق المحاسبة. لأنَّ الأنسان لا يعيش على الغريزة. بل له عقل به يزن الأمور أولا ويحسبها جيدا ويُمَّيز بين الجيد منها والسَّيئ ويُقَّررُ القيام بها بمعرفة. و له أيضا الأرادة وحرية الأختيار بين فعلين مختلفين وأحيانا متناقضين. وبما أنه يختار بحريته وعن معرفة عندئذ يُحاسبُ عليها. وكلما فُـقِدَ عنصرٌ من هاتين الركيزتين يبقى الفعل ناقصا و لا يُعتبرٌ أهلا للمحاسبة. ولهذا السبب لا يُحاسبُ الأطفالُ والشباب قبل سّن البلوغ.
وفاقدُ الذاكرة والمجنون لا يملكان قواهما العقلية والأختيارية لذا لا يُحاسبان بعد إصابتهما بتلك الأمراض. أما عن أفعالهما السابقة للمرض فبالتأكيد يُحاسبان عليها. لأن الجنون وفقدان الذاكرة لا يمحوان الماضي. مثلا: إذا فقد تاجر ملياردير ذاكرته أو أصابه الجنون لا يفقد معها أيضا ثروته. وإذا كان مديونا لأحد مبالغ معَّينة ومُثبتة تُستقطع من تركتِه قبل أن توَّزع على الورثة. أو عكس ذلك إذا كان له قروضٌ على غيره فالورثة يستردون تلك الأموال لأنها تُصبح من حقهم وليس من حقّ الدائن.
الأشرارُ تدينهم آثامهم ! حك4: 20
الله هو من يُحاسبُ. نعم. لكن ليس هو من يُبَّررُ أو يدينُ. بل الأعمالُ هي التي تُقَّيمُ كلَّ واحدٍ خيرًا أو شرًّا. فالأنسان يُحَّدِدُ بنفسِه مصيرَه. والأعمال لن تُمحَ من سفر الحياة. الماضي لا يعود ولا يتغَّير. إنما يُقَّيمُ واقعيا ويُجازى. فالأعمال إذن، مهما كانت، تنالُ جزاءَها ، هنا أثناء الحياة أو بعد الموت. ربما يكون الجنون أو فقدان الذاكرة بالذات نتيجة سلوك الشخص. وربما ينتجان عن خلل طبيعي. في كلتا الحالتين يتعَّذبُ الشخص نفسيًا. وهذا العذابُ ربما يُطهره من آثامه. يحكي الكتاب قصة نبوخذنصر أنه أخطأ ونصحه دانيال بالتوبة والتكفير، لكنه تمادى في كبريائه وإهانة الله فأصيب بالجنون مدة سبع سنوات قضاها بين الحيوانات يعيش ويتصرف مثلها الى أن تندم وآعترف بالله سيّدا فآستعاد عافيته وسلطانه (دا4: 11-33). وكذلك روى الأنجيل مثل الغني العديم االرحمة ولعازر المسكين العظيم الصبر وكيف إنتهيا الغني في العذاب والمسكين في النعيم ، وقال :” أنت نلت نصيبك من الخيرات في حياتك ولعازر نصيبه من البلايا.وآلان يتعَّزى هو هنا وأنت تتعَّذب هناك “(لو16: 25). أعمال كل واحد منهما حسمت مصيره. كما قال الكتاب :”..الأشرار جلبوا على أنفسهم الموت بأعمالهم وأقوالهم “(حك1: 16)، لأنَّ ” أعمالهم تصحبُهم “(رؤ14: 13) ، فلا تُنسَى ولا تُهمل.
والقديسون أيضا أجرى بعضُهم معجزات وهو بعد في قيد الحياة ، أظهرَ الله بذلك تأييدَه لسلوكه ونُصرة ً لأعماله. وبعضُهم الآخر أجرى الله بشفاعتهم معجزات ليُشَّجع المؤمنين على الأقتداءِ بهم. في كلتا الحالتين حوسبَ الأشخاص على سلوكهم لا دوما بهدف المجازاة بل بهدف تأييد مواقفهم أودعوة الآخرين للتمَّثُل بهم. أما المجازاة فتكون في نعيم الحياة الخالدة. وعلى هذا السبيل يمكن لله أن يسمح بفقدان الذاكرة أو الجنون ليدين سلوكَ بعضِ الناس ويُبعدَ الآخرين عن نفس المسلك. أما أن يكون الجنون وفقدان الذاكرة محاسبة ومجازاة على الأرض فلا يبدو متماشيا مع تعليم الكتاب الذي يعلن بأن الله لا يفرح بهلاك الخاطيء بل يريد أن يتوب ويحيا أمامه (حز18: 23؛ 2بط3: 9). أن يسمح الله فيتعذّب هؤلاء ليتعظوا و يتعظ غيرهم ممكن. أما أن يقضوا عقوبتهم على الأرض، دون إعطائهم فرصة التوبة فلا يبدو مثاليا.
أريد رحمة لا ذبيحة ! متى9: 13
كان يسوع يُخالط الخطأة والعشارين ليكسبهم الى الحق والبر. وحامى خطأة دون أن يؤَّيدَ خطأَهم لآنقاذهم من الهلاك. وشفى مرضى كثيرين مصابين بالأرواح الشريرة أو بالصرع أو الجنون. والجنون وفقدان الذاكرة هي أمراض وليست قصاصًا. وإذا سمح بها الله ، مثل حالة نبوخذنصر، فلدعوة الخاطئ الى التوبة. وهذا هو ايضا على ما يبدو حكم بولس الذي طالبَ تسليم الزاني الى الشيطان، أى حرمانه من الكنيسة ومخالطة الجماعة، “حتى يهلك جسدُه فتخلصَ روحُه يوم الرب” (1كور5:5). لم يكن الحكم محاسبة ومجازاة نهائية ، بل وسيلة فقط لأعادة الخاطئ الى سواء السبيل ومساعدته على الخلاص. وفي حرم آخرلأحد أفراد كنيسة تسالونيقي يقول :” لا تخالطوه ليخجل، ولا تعاملوه معاملة عدو. بل أنصحوه..” (2تس3: 15). و كذلك يُخبرُ تلميذه طيمثاوس بأنه سَّلم ” الى الشيطان هُمنايُس والإسكندر ليتأدَّبا ويكُّـفا عن التجديف “(1طيم1: 20).