أهلا وسهلا بآلأخ سلام الحداد، أبو فرح.
يعيش سلام في بلد أوربي وله ” إبنتان يخدمن كلَّ أحد في آلكنيسة، وأحيانًا يناولن آلفربان للناس “. يبدو أنَّ غرباءَ وشوشنَ إليهما بأنَّ هذا غير لائق ، لاسيَّما ” في حالة ألدورة آلشهرية “، لأن ما سمعتاه أو تحدَّثتا عنه ليس من تراثهما ، فكتب سلام يسألُ :” إِذا كانت آلفتاةُ في حالةِ آلدورة الشهرية، هل يجوز لها ألصعود إلى آلمذبح أثناء آلقداس “؟.
الأنثى وآلمذبح !
هذا آلأمر يتعَلَّق بآلعقيدة الموسوية وآلشريعة آليهودية. خصَّصَ موسى الرجلَ للخدمةِ ألكهنوتية أمام آلله، في آلهيكل، وأبعدَ آلأُنثى عنها، بل حَرَّم عليها آلتقَرُّبَ من آلمذبح حيث تُقَّرَبَ القرابين. وآعتبر” الحياض” وحتى آلولادة وما يرافقها، نجسًا، وجبَ آلتطهيرُ منه. ومَيَّز حتى حالة ولادة أُنثى عن آلذكر ففرضَ على آلأم، إذا ولدت بنتًا، البعدَ عن آلهيكل ثمانين يومًا ضعفَ مدة الطفل آلذكر، ثم تتطهر عن ” النجاسة ” حسب آلشريعة (أح12: 1-7). وقد خضعت لها مريم آلعذراء :” ولما حان يوم طهورهما (الأم وآلطفل) بحسب شريعة موسى صعدا بآلطفل …”(لو1: 22).
ولمَّا آنتشرت آلمسيحية في آلشرق إتَّجه الرسل يبشرون بآلمسيح بدءًا بآلجاليات آليهودية :” كان يجب أن نبشركم أنتم أولاً بكلمة آلله” (أع13: 46). كثيرون آمنوا بآلمسيح. ولكن لم تتغير كليًّا آلذهنية اليهودية. وإذ كان آلأمرُ يتعَلَّقُ بقداسة التعامل مع آلأمور آلألهية فآحتفظ المسيحيون هذه آلنظرة، دون أن تكون تعليمًا رسميًا وإلزاميًا ولم تُعق البشارة الأنجليلة فلم تختفِ كليًا. فأبعدوا آلأُنثى كليًا عن آلمذبح، وبنوع خاص فترة الحيض. حتى سألني مرَّةً كاهن أرثذوكسي :” هل تناولون آلأنثى فترة حيضِها ؟”. وإلى فترة غير بعيدة كان حتى بعض آلكهنة الكاثوليك يمنعون لا فقط إرتقاءَ آلمرأةِ للمذبح بل وحتى حضورها آلقداس و آلتناول بعد كلِّ ولادة، وقبل إنقضاء آلأيام آلأربعين حسب موسى، مع أنَّ آلكنيسة لا تُعَّلمُ ذلك.
آلأنثى في شريعة آلمسيح
قال يسوع مرة لعلماء الشريعة أنتم لا تعرفون آلكتب. فسروا آلقداسة خطَئًا. فأعاد آلأمور الى نصابها. أعتقنا من شريعة موسى المادية الحرفية، وأعطانا شريعة المحبة آلروحية، وعبادة الله بآلروح وآلحق.
أولا : إن حسبنا أن الحيض نجس فآلنجاسةُ تزيلها آلقداسة. وآلقدوس هو الذي يُضحي على آلمذبح ويُتناول بآلقربان، فكيف يُمنع عنه؟. أما جاء يسوع من أجل إنقاذ آلخطأة. أ ليس هو “حملُ الله الحامل خطايا آلعالم”؟. وإن كان الحيض أو آلولادة خطئًا فبآلأولى أن يقترب أولئك ألى المسيح الذي يقدس المذبح وآلهيكل وأواني الخدمة، ليتوبوا وينالوا آلغفران. وقد قالها بفمه آلمُحيي :” تعالوا إليَّ يا جميع آلمتعبين وآلثقيلي آلأحمال وأنا أريحكم “(متى11: 28).
ثانيًا : لو إفترضنا ان آلحيض نجسٌ، لكن ما هي مسؤولية آلأنثى عنه ؟ هل يحصل ذلك برغبتها أم هي طبيعتها التي تتحدَّى إرادتها ؟. فكيف يدخل تحت طائلة آلنجاسة وآلخطيئة وهي لا مسؤولة عنه ولا تتحكمُ به؟. إنَّه من مشيئة آلله وعمله وحكمته.
ثالثًا : وهل أقدس من عمل الله ؟. وكل ماعمله آلله :” حسَنٌ جِدًّا ” (تك1: 31). وآلأنثى وآلذكر، وخصوصياتهما، من خلقة آلله و فعل حكمته وقداسته. فكيف يكون خطَئًا ما قدَّسه آلله، أو كيف يمكن أن يُبعدَ آلأنسان عنه؟. ما يُبعد عن آلله هي الخطيئة. أما ما هو من خلق الله وطبيعي فلا يحُّقُ أن يُنَّجسَ ولا أن يُتَّخّذَ ذريعةً لآبعاده عن آلله.
رابعًا : أما آلخطيئة التي هي نجاسة ودنس وتُعارضُ قداسة آلله فهي في آلفكر وآلقلب وليس في أمور آلجسد آلمادّية: قال ألرب :” ما يخرج من آلقلب يُنَّجس آلأنسان. لأنَّ من آلقلب تخرجُ آلأفكارُ آلشريرة …” (متى15: 18-19). ولا ننسى مريم آلعذراء لم ترتق درجات آلمذبح لكن آلله آلكلمة، القدوس ، سكن بطنها و ولد منها بشكل طبيعي.
ربما نعت موسى الحيض أو آلولادة نجسًا في زمانه للظروف آلصحية وصعوبة حماية آلحياة من آلأمراض وآلأوبئة. أما آلمسيح فلم يمتنع عن ألحديث مع آلمعزولين صحيًّا عن آلمجتمع مثل آلمصابين بآلبرص أو بنزف آلدم وشفاهم. وفتيات كثيرات كرَّسن حياتهن لله و عشن في آلأديرة حياة نسائية طبيعية وكنا يخدمن آلمذبح وأصبحنا قدّيسات. إحداهن هي ألقديسة ترازيا للطفل يسوع التي كانت سَكْرِيسْتانَة آلدير، توضب آلمذبح وتحفظ نظافة أواني آلمذبح. وماتت وعمرها 24 سنة.
أما آلصعود الى آلمذبح ” أثناء آلقداس ” فيبقى ذلك ضمن سياق آلخدمة ومتطلباتها ودور الحاضرين في آلمذبح في أداء رتبة آلقداس. فمن لا دور له ولا يشترك فيؤدي خدمة محددة لا يصعد إلى آلمذبح. ليس آلمذبح مكان الجلوس فيه، حسب رغبة أيٍّ كان. إنَّه مخَصَّصٌ لخدمة آلمذبح ولأداء دور في آلقداس. ومن يُعَّين لخدمةٍ ما، يؤدي واجبَ آلحضور، وأداءَ آلخدمة آلمطلوبة، بكل إيمان ورجاءٍ ومحبة آملاً أن يخدم ألرب في ألسماء مع آلملائكة وآلقديسين.