أهلا وسهلا بالأخوة : نبيل ياقو و سامر سامي فرنسو.
بينما سأل الأخ سامر عن موقف الكتاب المقدس من ” الدفاع عن النفس ” تطَّرق الأخ نبيل الى الظروف الحالية الشاذة التي يمُّر بها شعب العراق ، خاصّة ما يلاقيه المسيحيون من آلام و اضطهاد على يد الجماعات الإسلامية التكفـيرية ، فسأل :
1- هل يجوز الدفاع عن النفس ؟
2- هل الدفاع عن النفس حَّقٌ مشروعٌ لنا نحن المسيحيين ؟
حقـوقُ المسيحيين ؟
إنَّ المسيحي إنسانٌ مثل كل الناس الآخرين. وكلُ إنسان نالَ حياتَه عطية ً من الله. فحياة الأنسان ملكٌ لله ونسمةٌ من نفختِه الحية (تك2: 7). فهي ليست ولا حتى ملك الوالدين ، وكم بالحري ليست لغيرهم حتى يتصَّرفوا بها كما يشاؤون. وحقوقُ الأنسان في الحياة ذاتِها ، و في حرية إختيار نوعيتها ، وفي إختلاف طرقِ تحقيقها ، كلها تنبعُ من طبيعة الأنسان الذي هو ، مثل اللـه ، ناطقٌ يعقل فيمَّيزُ، ويحب فيختار فيقرر. ليسَ الدينُ أساسا لحقوق الأنسان حتى تقاسُ به تطلعات الأفراد. طبيعةُ الأنسان هي نفسها لدى كل القوميات وكل الشعوب و كل الأديان وكل الثقافات والحضارات. أما الدين فيختلف لأنه من إختيار الأنسان. وعلى طبيعة الأنسان تقومُ حقوقه فلا تختلف عند أية أمة كانت، مهما كثرت الأمم وآختلفت ألوانها و أوصافها. أما الدين فهو عامل سلوكي ينَّظم الآداب والتعامل الأجتماعي بين الناس. فحقوق الأنسان المسيحي هي إذن حقوق كل إنسان من أى لون كان أو لغة أو حضارة أو بلد. ما يحُّق لغيرِه يحُّق له. وما لا يحُّقُ لغيره لا يحق له أيضا. وما يُحرَم على الواحد يُحرم على الثاني أيضا. فلا تمييز في الحقوق بين فئـة وأخرى. والدفاعُ عن النفس من حَّق كل إنسان. والحياة والموت بيد الله (تث32: 39).
الدفــاعُ عن النفس !
بما أنَّه لا يحُّقُ لأحد أنْ يتعَّرضَ للحياة ويعبثَ بها ، كذلك يحُّقُ لكل أحد ، بل يجبُ عليه ، أن يُدافعَ عن الحياة. فاللهُ الذي خلقَنا وأشركنا في حياتِه طالبَنا أيضا أن نحترمَها ونحميَها فقال :” لا تقتُلْ ” (وصايا الله العشرة ،خر20: 13). وعليه رفضَ يسوع لليهود قتلَ حتى الزانية الخاطئة (يو8: 7). لأنَّ الله رفضَ قتلَ الخطأة ، وأعطاهم فرصة التوبة ليُصلحوا سلوكهم ويحيوا ويخلصوا للأبد (حز18: 23). وعليه أعلن يسوع أنه جاءَ ليُصلحَ أنظمة البشر فيُفيض لهم الحياة بكثرة (يو10:10). ولهذا أيضا أرشدَ الناس إلى عدم دينونة الآخرين ومحاسبتهم وعقابهم ، بل محاولة إصلاح الأخوة الخاطئين لعلهم يحسّون بإثمهم ويتراجعون عن شرّهم. وعند عدم تجاوبهم ترك الأمر لعدالة الله وحكمِه (تث32: 35 ؛ رم12: 19-20)، وعدم نصب الذات حاكما يتصَّرفُ كما يحلو له (خر2: 14).
وإذا كان الدفاع عن الحياة واجبا ، فعلى كل فرد أن يحميَ حياتَه ويُدافعَ عنها لأنَّ حياتَه أمانة الله له ، ولا يحُّق لأحد أن يسلبها منه. فلما قتلَ قايينُ هابيل ، رغم تحذير الله له ، إعترضَ عليه الله وقال :” دمُ أخيك يصرخُ إليَّ من الأرض” (تك4: 10). ولا يحق حتى للفرد نفسه أن يعبثَ بحياتِه الخاصة فينتحر. يجبُ الدفاعُ عن الحياة دوما.
دفـاع أم تعَّــدي !
ولكننا كيفَ نفهمُ الدفاع عن النفس. لمَّا قبضَ اليهودُ على يسوع إعترضَ عليهم. ولمَّا إتّهموه زورًا بعدم إحترام رئيس الكهنة ولطموه رَّدَ يسوع ، دفاعًا عن نفسِه، :” إن كنتُ أسأتُ في الكلام ، فقُل لي أينَ الإساءة. وإن كنتُ أحسنتُ في الكلام فلماذا تضربني “؟ (يو18: 23). بينما يسوع نفسه ، وقبلَ ساعاتٍ قليلة فقط ، عندما إستعملَ بطرُسُ السلاحَ ، دفاعا عن نفسه وعن معَّلمِهِ، محاولا قتل من هجمَ عليه ليقتله، فقطعَ فقط أُذن المُسَّلح ملخُس، عوض رأسِه ، رَّدَهُ ومنعه عن القتل قائلا :” من يَأخُذُ بالسيف فبالسيفِ يُؤْخَذْ “(يو26: 52). وأضاف : ” أ فلا أشربُ الكأسَ التي جعلها لي أبي”؟(يو18: 11). وتلك الكأس كانت أن يشهدَ للحق و لا يلتويَ مع الباطل (يو18: 20).
الدفاع بالشهادةِ للحق والحب !
هكذا لا يعني الدفاعُ عن النفس بالأساءَة الى الآخر. الدفاعُ عن النفس يعني محاولة إنقاذ الذات من المأزق أو الخطر المُحدق به ، ولا يعني بالضرورة إلحاق الخطر ، نتيجة ذلك ، بالآخر. الدفاعُ عن النفس يكون بالدفاع أولا عن القيم وعن الحقيقة. والدفاع عن الحقيقة لا يتم بفرضها بالسلاح ، بل بالثبات فيها والصمود رغم كل الأعاصير التي تهَّددُها وتحاول محوَها بتمجيد الضلال وتبجيله. ومن أهم الحقائق وأنقاها : المحبة. والمحبة ” لا تفعلُ السوءَ ، لا تحسد ، لا تتكبر، لا تسعى الى منفعتها… المحبة تعذرُ كلَّ شيء ، و تُصَّدقُ كلَّ شيء ، وترجو كلَّ شيء ، وتصبرُ على كلّ شيء “(1كور13: 4-7).
لكن أولى الحقائق وقمَّتها هي : الحياة ، لأنها جزءٌ من الله. وكما سبق فنوَّهنا لقد قال الله ” لا تقتُلْ “. وعلينا أن نحميَ الحياة لا أن نُهلِكَها. وعلينا أن نتحذّرَ من كل ما يؤَّدي الى محاربة الحياة. وعن الفتنة قبل غيرها. وعلينا تجَّنبَ كلِ سلاح يؤذي. لقد عَّلمنا الرب أن نستعملَ قلبنا وعقلنا قبل أطرافنا. أن نتعامل بالكلام والحوار قبل القرون أوالحوافر. وأن نغفر قبل أن ننتقمَ. وأن نقاومَ الشر، وندافعَ عن أنفسنا ، بالصبر والثقة بالله ، ونتغَّلب عليه بالحب : ” لا تدَع الشَّرَ يقهَرْكَ. بل كن بالخير للشر قاهرا”(رم12: 21).
ربَّنا نجّنا ، لقد هلكـنا !
كان الرسلُ يبحرون يوما ما على بحر طبرية. هاجَ البحرُ وآرتفعت الأمواجُ وغمرت السفينة. كان يسوع نائما!. وأصابَ الهلعُ التلاميذ. الموت غرقًا ملأ عيونهم. فنادوا يسوع الى نجدتهم. ماذا كان جوابُه لهم ؟، ” ما بالكم خائفين ، يا قليلي الأيمان “(متى8: 26). فكروا بعقلهم ، وتصرفوا بغريزتهم ولم يعملوا حساب وجود الله بينهم. وكرروا الفعل عند القبض على يسوع فكان ردُّ فعلهم الغريزي والبشري ” السيفُ بالسيفِ يُقهر” ، أو كما قال يوليوس قيصر:” إن أرَدتَ السلامَ فآستعِد للحرب “!. خوفًا من الموت أُخَّطط لموت عدوي. ويسوع قال :” لا تخافوا الذين يقتلون الجسد، ولا يستطيعون قتل النفس. بل خافوا الذي يقدرُ أن يُهلكَ كليهما معا في جهَّنم “(متى10: 28). إحساسنا البشري الغريزي أن نسلك دربَ الحواس قبل درب نور العقل ، وأن نقتنع بفكرنا قبل أن نلتجئَ إلى فكرالله ونسترشدَ به. ويتجه فكرنا الى العنف والترهيب والقصاص قبل أن نُطلقَ المجال لأيماننا وحبنا أن يفعلا ، رغم أنَّ الكتابَ قال بأنْ لا قيمةَ للتصَّرف حسب الحواس : ” بل القيمةُ للأيمان الفاعل بالمحبة “(غل5: 6).
أكنزوا لكم كنوزا في السـماء !
فالكنز الذي يقتنيه المسيحي ليس بما له من مال أو سلاح أو سلطان. كنزه بأفعاله التي تشهد على إيمانه وبسلوكه الذي ينبع من محبتِه. فالأيمان نورُه والمحبة سلاحه والحَّق دربُه الذي لا يتركه مهما إشتدت عليه أعاصير الشر. وحياته لا تقاس بطول سنيها ، ومجدُه لا يقاس بما يخلفه وراءَه. بل يقومُ كلاهما على مدى تصوير حضور الله في سيرته. ودفاعُ الأنسان عن النفس لن يقيسه الله بمحاولة القضاء على الشر والأشرار، بل بصمود الأنسان في محبةِ الله والقريب ، لأنَّ هذه هي وصيته الأولى والأخيرة ، والتي تختصرُ الشريعةَ كلها والأنبياء (متى 22: 35-40).