استوحي ما سأكتبه هنا من قراءات عيد الصليب بحسب طقس كنيسة المشرق الكلدانية.. فالكنيسة تضع أمامنا قراءات من اشعيا 53؛ 1 كورنثوس 1؛ لوقا 24.. لكي تقودنا إلى فهم أعمق للصليب وتجديد الحياة بواسطته إن آمنا به.
ليس الصليب النهاية المميتة والمؤلمة كما يظهر من أول وهلة، انه حدث وطريق للقاء القائم من بين الاموات. فآلآم الصليب ليست إلا وجهاً واحداً، إذا أن الوجه الآخر الذي لا ينفصل عنه، هو وجه القيامة والمجد. فلقد أعطانا الصليب أن نعرف الله بما سيصنعه في حياة كل واحد منّا، ورسم لنا الطريق للقيامة.
لا ينبغي أن نهرب من الصليب، “أما كان يجب على المسيح أن يعاني الالآم” يقول المسيح لتلميذي عماوس. لا يمكن أن نهرب من صليبنا، ولا يمكن أن نتجاهله أو أن ننفيه، وكأن ليس بحقيقي. لم يهرب يسوع من صليبه ولم يتخلى عنه ولم يساوم عليه: قَبِلَهُ بطاعة ومحبة كاملة للآب ولأخوته البشر: “لا كمشيئتي بل كمشيئتك”. فالصليب ليس مجرد ألمٍ قصيرٍ وسيعبر؛ انه ذروة العطاء بالمحبة: أنه طاعة الابن للآب الى النهاية وبذل الحياة في سبيل الآخرين. هذا هو الحب الذي يستحق كل المجد والحياة. ولهذا القيامة. فالالم والصليب بالنسبة للمسيح لم يعودا يعبران عن مجرد “لعنة” أو “عقاب ظالم”. أنه طريق وقدرة للتغير الجذري والتبدّل الكامل نحو الله الآب.
وعلى مثال آلام المسيح، ليست آلامنا مجرد قصاص. أنها قدرةة تغيير جذرية. هي قوة تتفجر داخلنا وتقودنا الى حياة أخرى. هي، نعم، انفصال وتمزيق وتقطيع وموت، هذا قانون عام، ولكنها كموت الشرنقة التي تصير فراشة، وكسر البيضة لغلافها لتصير دجاجة، وهي كفساد الحبة الملقاة في الأرض وحيدة لتصبح سنبلة للحصاد… أنها الانتقال من عالم الى عالم آخر، وموت عن حياة لولادة لحياة أخرى. وترك ما هو بشري للوصول الى ما هو إلهي. هذا الالهي هو حياة يسوع المسيح: يسوع يمرّ أمامنا.
ان الصليب يكشف منطق الحبّ الالهي: الحب هو الخروج من الذات ونسيان الذات والتضحية ونكران الذات في سبيل الآخرين. الصليب يصبح ذروة الحب. الموت في سبيل الآخرين هو الشاهد للحب الذي لا يعرف الانانية. هكذا يموت الله حباً بالانسان. والانسان مدعو ليموت حباً بالله وبأخوته: “ما من حب أعظم من هذا أن يبذل الانسان نفسه من أجل أحبائه” (يوحنا 15/ 13).
آلام الصليب ليست إلا خروج حقيقي للانسان من أنانيته نحو العطاء والبذل الذي هو الحياة الحقيقية. فبينما يحاول الانسان أن يُحب، فحبّه هذا مخلوط بالانانية وحب الذاتن يأتي الصليب وآلامه ليكون تنقية للحبّ من الانانية والكبرياء. والحب لا يُنال إلا بالصليب: “يجب أن يحترق فينا كل ما هو زائل ليملك الله فينا سيداً مطلقاً.. ليس الصليب حدثاً عابراً يزيدنا ضنكاً: أنه طريق.
لقد مشى يسوع هذا الطريق (وهو الذي كان بلا خطيئة)، فلا نتهرب نحن منه. صار صليب المسيح عوناً لنا في حياتنا.