أهلا وسهلا بالأخ فادي البيرت.
كتب فادي بأنه صعبٌ عليه أن يؤمنَ بـ”موضوع الشيطان”. فهو يستصعبُ فكرة أن يخلق الله، وهو الحق والخير والجمال والحب في قمتها، شيئًا إسمُه ” شيطان” ،أو روحًا شريرا يستولي على الأشخاص ويُعَّذبهم. وبرزت عنده الأسئلة التالية :
+ إذا وُجدَ الشيطان وبالتالي وُجد الشرألا يحُّقُ للأنسان أن يلومَ الله لأنه خلق الشيطان ؟
++ وهل الأرواحُ التي كان يسوع يُخرجُها هي شياطين ؟ أم أشفية من أمراض معَّينة ؟
+++ ألا يكون يسوع سَّماها شياطين لأنه يعلمُ عقليات أهل زمانه ؟
وجـودُ الشيطان !
أبدأ بكلام موفد البابا الى العراق سنة 2014، الكردينال فيلوني الذي قال في تقريره للبابا عما يحدُثُ في العراق بأنَّ الشيطان بشخصه حاضرٌ هناك ويُحاربُ. وقبل 40 سنة قال البابا بولس السادس بأنَّ تجارب الشيطان في عصرنا هي أنه يزرعُ بين الناس ، عن طريق عملائه، فكرة عدم وجوده. ولا أستغربُ أن الأخ فادي يستصعبُ فكرة وجود الشيطان إذا كان بعض الكهنة لم يختشوا ونفوا وجود الشيطان. مع أنَّ خبر وجودِه ومحاولته إغراء الإنسان وإغواءَه مُثَّبتة من أول وحي في سفرالكتاب المقدس والى آخر سفر فيه. يظهرُ جليةً في سفر التكوين (3: 1-7) كيف جَّرَالأنسان الى إهمال نصيحة الله وتقرير بنفسه ما هو جيد أو سيّيء. لقد أورط آدم وحواء حتى أحَّسا بالعري عوض أن يصيرا آلهة ، وفقدا كل نعم صداقة الله. أصبحا شبهَ موتى كما حَّذرهم الله منه. وآستمر يكذبُ على الأنسان ويخدعه فدفع قايين الى قتل أخيه هابيل. وقد قال عنه يسوع ” كان منذ البدءِ مُهلِكًا للناس. لم يثبُتْ على الحَّقْ… إنه الكذاب وأبو الكذب” (يو8: 44).
وآخر سفر من الكتاب ، سفر الرؤيا ، ليس سوى تأكيد على حربه ضد الحق والبر المتمثلين في المسيحية. سماه “ملاك الهلاك” (رؤ9: 11) ” التنين و الحَّية القديمة” (رؤ12: 3-17). له عملاء اسم أحدهم ” الوحش” والآخر” النبي الكَّذّاب “(رؤ16: 13). وتكون نهايته أنْ يُلقى هو وأذنابُه في مستنقع النار والكبريت… حيث يكابدون العذابَ نهارًا وليلا أبدَ الدهور (رؤ20: 10). والكتاب المقدس مبنِيٌ كله على حقيقةِ لا فقط وجودِ الشيطان ولكن أيضا على إساءَتِه للأنسان ومحاولة إهلاكِه. وآنتصرفي الجولةِ الأولى على الأنسان عديم الخبرة. أبعّده عن الله وآستعبَده ليقضيَ عليه. لكنه لم يُنهِ حربَه حتى جاءَ المسيحُ المخَّلص. ونازله يسوع. ويسوع يعرفُ الشيطان وحِيله. فغلبه وجَّرَ البساط من تحته :” سيذ هذا العالم آتٍ، و ليس له يدٌ عليَّ.. لأنَّ سيّد هذا العالم قد حُكم عليه”(يو14: 30؛ 16: 11).
قد تكون قصص شفاءات الذين إستولى عليهم ابليس خيالية. ولكن تجربة الشيطان ليسوع ؟. هل إدَّعى يسوع ذلك أيضا دون أن يكون الأمرٌ صحيحًا؟. وإذا كان المسيح يكذب فلماذا قبِلَ الموت ورفض الكذبَ؟. يكفي أنْ نقرأ مقدمة لوقا لأنجيله إذ يؤَّكدُ بأنه تحقق من صحة كل شيء قبل أن يكتبه!. و رسالة مار بطرس حيثُ يؤَّكدُ لنا أنَّ ما نقله الرسل لم يكن أقَّلَ من الحقيقة ذاتها. يقول :” قد أطلعناكم على قدرةِ ربنا يسوع المسيح وعلى مجيئه، ولم يكن ذلك منا اتّباعًا لخرافاتٍ مُصطنعة، بل لأننا عايننا جلالَه”(2بط1: 16). ولو لم يوجد الشيطان لما أخطأ الأنسان. وإن كان لم يخطأ فلم تكن حاجة الى تجسد الله وموته الكّفاري على الصليب. فالشيطان موجودٌ. وما ذكر عن سيطرته وتعذيبه لبعض الناس حقيقة. كان إستحواذه عليهم نفسه مرضًا الجه يسوع. والله الذي يعلم بكل شيء من الأزل هو يعرفُ لماذا سمح لأبليس ان يستولي على الناس حتى يأتي المسيح ويطرده ليكشفَ للناس شرَّ الشيطان وقداسة الله وطيبته ، وحتى يؤمن الناس بالمسيح المخّلص.
هل يُلام الله على وجود الشيطان وشّرانيتِه ؟
لم يخلق الله ابليس كائنا شّرّيرًا. خلقه ملاكًا. بل أحد أذكى الملائكة. تقول رسالة يهوذا:” أما الملائكة الذين لم يحتفظوا بمنزلتهم الرفيعة، بل تركوا مقامهم، فإنَّ الله يُبقيهم ليوم الدين بقيود أبدية في أعماق الظلمات” (يه 1: 5-6). فإذن كان الشيطان كائنا صالحًا لكنه نفخه كبرياؤُه فرفض الله متصَّورًا أنه يقدر أن ينافس الله أو يغلبه. هذا ما تُعَّلمُه الكنيسة :” تعلم الكنيسة أن ابليس كان أولاً ملاكا صالحا من صنع الله. فالشيطان وسائر الأبالسة خلقهم الله صالحين في طبيعتهم، ولكنهم هم أنفسهم إنقلبوا أشرارًا”(التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ، رقم 391). لقد سقطوا ” وهذا السقوط يفوم على آختيار حُّر لهؤلاء الأرواح المخلوقة، الذين رفضوا رفضا باتًا وثابتا الله وملكوتَه” (ت.م.ك.ك.، رقم 392). وتتابع الكنيسة وتقول :” ولا ندامة لهم بعد السقوط، كما لا ندامة للبشر بعدَ الموت”(ت.م.ك.ك.، رقم 393).
فلا مجال للوم الله لأنه ليس هو مصدر الشر. وإذا سمح به فلأنه يُخرجُ منه خيرا أعظم من الذي نكون قد خسرناه. سمح الله لأخوة أن يفعلوا الشر ويبيعوه لأنه هيَّأه بذلك ليُصبح ملكًا في مصر وينقذ شعبه من الهلاك. ولا يضاهي شر الأخوة بأي شكل كان النعمة العظيمة التي حصلوا عليها، ولاسيما لم يختلف يوسف معهم ولا عاقبهم بل سامحهم ورأى فيها إصبع الله. ويقول القديس توما الأكويني أشهر لاهوتي في الكنيسة الكاثوليكية:” يا لسعادة الخطيئة التي استحَّقت هكذا فاديا وبمثل هذه العظمة” (ت.م.ك.ك.،رقم 412). اى هنيئا أن يكون آدم وحواء قد أخطأا فحصلت البشرية على تجَّسد الله وفدائه لنا مبديا أعظم رحمةٍ لأعظمِ حُّبٍ!