أهلا وسهلا بالأخت ماري م نمرود.
سألت الأخت ماري : “< ما معنى : لمْ آتِ لأحملَ السلامَ ، بل السـيفَ >”؟
السيف والسلام ، هل يتفقان ؟
السيفُ يعني عِداءًا وخصومة وقتالا ودماء. أما السلام فيعني محَّبة ًوألفة وآنسجامًا وإخاء. نقائض لا تتفق. نعم. ولكن قد تجتمعُ حالتان نقيضتان في الشخص الواحد أو الحالةِ عينها حول أمرين متصلين. يُحب الوالدان أولادهما ويكرهان في نفس الوقت أعمالهم السيئة. نرفضُ مشاركة صديق في عِدائه لبعض الناس وننسجمُ ونتعاونُ معه في مشروع خيري يُديرُه. وفي الحرب تستعملُ الدولة السيفَ ، السلاح ، لحماية أمنها وسلامها. حتى إشتهر قولُ يوليوس قيصر وهو :” إنْ أردتَ سلاما هَّيئ الحربَ “!. فالسيف والسلام تعبيران هنا عن حالتين مرتبطتين ببعضهما. إنما الهدف واحد وهو إيجابي.
السيفُ : دمٌ أم محــنة ؟
لما حمل سمعان الشيخ يسوع الطفلَ في أحضانِهِ قال لمريم :” وأنتِ سيجوزُ سيفٌ في نفسِكِ ” (لو2: 35). ولم يكن يقصدُ بالتأكيد أن يُنبيءَ أن مريم ستقتل بالسيف. كلا. بل عنى أنَّها ستشاركُ إبنَها محنتَه. ستتحمَّلُ معه الألم والشّدة. ستمُّرُ بمحنةٍ قاسية تُكَّلفُها غاليا كما لو إخترقَ سيفٌ قلبَها فأدماهُ بدون علاج. ولما أنهى يسوع كلَّ الاستعدادات لموته المأساوي أراد أن يُهَّيئَ تلاميذه لمواجهة المحنة فلا تقضي عليهم. فقال لهم :” هل أعوزعكم شيءٌ عندما أرسلتكم بلا مال ولا مزود ولا نعل؟ قالوا : “لا “. قال :” أما الآن فمن كان لديه … ومَن لم يكن لديه سيفٌ فليبِعْ رداءَه ويشْتَرِه. … فقالوا : ربَّنا ههنا سيفان !. فقال لهم : كفى!” (لو22: 35-38). أى أُسكتوا !
لو كان قصدُ يسوع أن يقتنوا سيفا ويدافعوا عنه أو عن أنفسهم لما منعهم من إستعمال السيف عندما إستلّ بطرس سيفه في وجه المهاجمين ،” قفوا عند هذا الحد ” ولما أَجبرَه على رد السيف الى غمدِه ،” إغمِدْ سيفَك “(متى27: 52)، ولا شفى العبدَ الذي قطعت أذنه (لو22: 51). كان قصدُ يسوع إشعارَهم بقساوة المحنة التي ستصيبُهم والشَّرَ الذي قد نواهُ لهم العدو الشرير، فطمأنهم أن ليست تلك النهاية ، وأنَّ عليهم أن يصبروا ويصمدوا في وجه الظلم والخيانة.
مـتى 10: 34 – 36 !
أما النص المذكور فهو الآتي :” لا تظنوا أني جئتُ لأحملَ السلام إلى الأرض. ما جئتُ لأحملَ سلامًا بل سيفًا. جئتُ لأُفَّرقَ بين المرءِ وأبيه. والبنتِ وأُمِّها. والكَّنَةِ وحماتِها. و يكون أعـداءُ الأنسان أهلُ بيـتِهِ “. وهذا السيفُ أيضا سيفُ المحنة وليس الحرب. إنه سيفُ الحسد والغيرة والبغض والحقد والأنانية الذي يرفُعه الناس ضدَّ بعضهم عندما يختلفون على إختيارالحق وتحديد البر. هو سيفُ العداءِ بين من يختارون أن يتبعوا مصالحهم وملّذاتِهم والذين يختارون أن يلتزموا جانب الحق والعدالة ، ويحفظوا كلام الله، ويأبَون أن ينجرفوا وراء الباطل والفساد.
جاءَ يسوع ليشهدَ للحق لا ليسايرَ أهواءَ الناس فرفضوه وصلبوه. فلم يتحَّققْ بينه وبين قادة الشعب ومعلميه سلام، بل شهروا السيف في وجهه وقطعوا له وريد الحياة. وأوصى تلاميذه أيضا أن يشهدوا له ومثله للحق وأنذرهم بأنهم سيلقون نفس المصير. وفعلا لما بشر التلاميذ ودعوا البشرية الى سلوك طريق الحق والمحبة والإخاء والتعاون والمسامحة والسلام لم يرتَحْ اليهم أبناء الفساد وأعوانُ الشرير، بل رفعوا السيف في وجههم أيضا وقتلوهم جميعا. و هكذا أصبح الحق الذي أعلنه يسوع للبشرية ، واصبحت المحبة التي وَّصى بها تلاميذَه ، سببا للقتل والتشريد والعذابات القاسية لأتباع يسوع. رفع المناوئون لهم سيف الأنانية و الحقد والأضطهاد. أيَّ جرم إقترفَ مسيحيو الموصل وسهل نينوى وسوريا ومصر حتى يُقتلُوا بلا رحمة؟. بل هو الكره الذي يُغّذيه أعداءُ الحق للمسيحيين الذين يشهدون له فيريدون القضاء عليهم ليسهل عليهم تحرير درب الضلالِ والفساد لأهلاك البشرية. هكذا أصبحَ تعليم يسوع ودعوتُه سيفًا بيد أعداء الحق شهروه فوق رقاب المؤمنين فيُسيلُ الدماءَ ، عوضا عن أن يسمع البشر كلام الله ويسلكوا درب الإخاء فينعموا بهدوءٍ وسلام.
أعلن الربُ كرامة الفرد وحريته وحقه في الأمتلاك والمعرفة ولاسيما تقرير المصير. لكن من يرفُضُ كل هذه القيم يريدُ إبقاءَ الناس في الجهل والتخَّلف بغية إستغلالهم وآستعمالهم أدوات لتحقيق مآربه ومنافعه الدنيوية الخاصة. لقد صَّرحَ يسوع بأنَّ ملكوت الله لا يُنال بكلام ودعاء بل بـ” الجهاد”. والجهادُ يعني المرور بين سيوف مسلولة تُهَّددُ : سيوفٌ للحق تُشهر الحربَ على الباطل هي ” سيف الروح أي كلام الله “(أف6: 17)، وسيوفٌ للباطل تحاربُ الحق بشراسة ودون هوادة،” هل على لص خرجتم تحملون السيوفَ والعصي حتى تأخذوني “؟(مر14: 48).
من أحبَّ أبا أو أما أكثرَ مني لا يستحقني ! متى10: 37
هنا يضيعُ السلامُ الحسّي. وكذلك في العلاقة بين الأفراد في المجتمع الأنساني. فإذا آختارَ الوالدُ طريق الحق وسار الأبن في طريق الشر لن يكون بينهما سلام بل سيفُ العذابِ لكليهما. وإذا أَصَّرَت الكنةُ على حقوقها من زوجها، وطالبت الأمُ طاعة ابنها لها وإهمال زوجته عندئذ يسودُ السيفُ لا السلام. لا مساومة بين الحقيقةِ و الباطل. يقول الرسول ” لا تكونوا مقرونين بالكفار بنير واحد. أيُّ صلةٍ بين البروالفجور؟ و أيُّ علاقةٍ للنورِ بالظلمة؟ وأيُّ أُلفةٍ بين المسيح وبليعار؟ وأي شركةٍ بين المؤمن والكافر؟..”(2كور6: 14-15).
هذا يعني أنه لا يمكن التوفيقُ بين تعاليم المسيح وتعاليم أهل العالم. وإذا كان أتباعُ المسيح يرفضون سيفَ العنفِ والإكراه فالإرهاب ويرفعون صليبَ المحبة والتآخي والغفران إلا إنَّ عدو الحق يرفعُ السيفَ بوجه من يُعارضُه ويتبعُ الحق، فيجرحُهُ ويُثير عليه القلق والشغب وكلَّ أنواع الضيق ليُجبرَه على الخضوع له. فإنَّ إعلان المسيح للحق لم يُزِل الشريرعن الساحة. وتهديدُ الشرير وإساءاتِه لا تعفِ المؤمن من الشهادة للحب والحق واللطف. وهكذا يستمرُ السيفُ يُهَّددُ ما دامَ المسيحُ يدعو الى الحق. لأنَّ من يتبع الحق مُعَّرَضٌ ” للشّدةِ والضيقِ و الأضطهادِ والجوع والعريِ والخطر والسيف “! (رم8: 35).