أهلا وسهلا بالأخوة : جنان الطحـان و الشماس سعد تومايي.
سأل الأخ جنان :
1- من هو راعي الرعية ؟ وكيف يجبُ أن نلتزم بالراعي إذا كان الراعي غير مُؤَّهَل ؟
أما الشماس سعد فكتب : جاءَ في رم 13: 1-2:” ليخضعْ كلُ آمريءٍ للسلطات التي بيدها الأمر. فلا سلطة إلا من عند الله. والسلطاتُ الموجودة هو الذي أقامها. فمن قاومَ السلطة قاوم النظامَ الذي أرادَه الله. والمقاومون ينالون ما يحّقُ عليهم من جزاء “!. فتساءَلَ:
2- هل من الممكن تطبيق وصية مار بولس ، وفي حالاتٍ كثيرة يكون القادةُ والسلاطينُ طغاةً ومستبدين ودكتاتوريين… وبعضهم لم يتردد عن قتل الملايين ؟.
ويُضيفُ بأنَّه ” حتى على نطاق الكنيسة كان هناك رجال دين سرقوا أموال الكنيسة والناس، ونشروا بِـدَعًا وهرطقات وأفكارًا لا تمُتْ الى المسيحية بصلة، وحَّولوا سلطتهم من خدمةٍ روحية الى سلطةٍ دنيوية ” ، فسألَ :
3- هل يجبُ إطاعة هؤلاء ؟، وبولس يقول :” ليست مُصارعتُنا مع دم ولحم بل مع الرؤساء …و لاة هذا العالم على ظلمةِ هذا الدهـر !!.
الـراعي الحقيقي !
إنَّ االراعيَ الحقيقي هو الذي يختارُه اللـه ويُقيمُه لأدارة شؤون أبنائِه ، مؤمنين كانوا أو مُلحدين. ليست الرعية من تختارُ راعيها. هذا بالنسبة الى المؤمنين والرؤساء الروحيين. أما الملحدون أو أبناء العالم – الذين يبحثون عن المناصب والأمجاد – فهم يرفضون شريعة الله فيقيمون لأنفسهم قادةً ورؤساء بموجب النظام أو الدستور الذي بدوره وضعوه لأنفسهم. في كلا الحالتين يكون الراعيَ الحقيقي الشخصَ الذي يُقامُ ” شـرعيا ” لهذا المنصب أو الخدمة. يبقى أنَّ اللهَ نفسَه راعي البشرية الأول والأخير. لكنه يرعى و يقودُ البشرية أو الكنيسة من خلال أناس إنتدبهم الى ذلك وكلَّفهم بأن يحكموا بين الناس بآسمه ، وحسب شريعتِه.
كلُ سـلطة من اللـه !
ليس بولس وحده يؤَّكدُ ذلك. بل رئيس الكنيسة ايضا مار بطرس ويقولُ :” إخضعوا لكل نظامٍ بشري من أجل ربّنا … لأنَّ لهم التفويضُ منه أن يُعاقبوا من يعمل السوء، ويُثـنوا على من يعملُ الخير”(1بط2: 12). وكلاهما ،بولس وبطرس ، يستندان الى تعليم يسوع الصريح الذي قاله لبيلاطس لما سأله هذا :” ألا تعرف أنَّ لي سلطة ً أن أُخليَ سبيلَك وسلطة َ أن أصلبكَ؟. أجابه يسوع: ما كان لك عليَّ سلطة لولا أنَّك نِلتها من الله. وخطيئة ُ من أسلمني إليك أعظم من خطيئتِك “(يو19: 10-11).
ليكن كل شيء بنظام !
طلب بولس من المؤمنين أن يكون بينهم كل شيء بنظام (1كور14: 40). لأنًّ الله قد خلقَ كلَ شيءٍ بنظام. وزَّودَ كلَّ أنواع الكائنات بقوانين خاصة تقودُ حياتَها الى الكمال. كل فريق يتبعُ سلوكا معَّينا إما كيانيا كالعناصر والنبات، أو غريزيا كالزحافات و الطيور والحيوانات ، أوعقليا كالأنسان الذي يُدرك ويشتهي ويختار. لكل فئةٍ نظامها. وفي كل نظام قائدٌ وأتباع. فالهدف من هذا التنظيم السلطوي ومن كل الخدمات هو السهرُعلى توفير الحاجة ، و” بناء الخير العام ومنع الشر(1كور14: 40؛ 1بط 2: 14) و تنسيق الجهود بين الطاقات المتعددة والمختلفة لتوفير كل حاجات الأنسانية (رم 14: 19؛ 15: 2)، ولاسيما ترمي الى بناء جسد المسيح (1كور12: 7و28؛ 14: 12).
ولأن اللهَ هو صاحبُ السلطة ومنه التخويل والتوكيل فهو الذي نظَّم حياة شعبه فأقامَ له قائدا عاما، دينيا ومدنيا في شخص موسى ، وزَّوده بدستور هي الوصايا العشر. مع تطور الحياة فصلَ السلطتين فأقام للشعب الملكية تديرُ الشؤون الزمنية ، إنما تخضعُ لشريعته التي يسهر عليها القادة الروحيون (خر3. 10؛ 1صم8: 6-9؛ 9: 16-17). وفي الكنيسة أقام الرسلَ سلطة ً دينية محضة : روحية وتعليمية ، تاركا الزمنية لأهل العالم مُعطيا بذلك لقيصرما لقيصر و للـه ما للـه (متى22: 21). وكما دعا الله فآختار الرسل الأوائل هكذا يستمر و يدعو رسلا جددًا ويختارُ قادة كل زمان (أع13: 2) ، أو يُبدي مشيئته في من تُرَّشحهم له الكنيسة (أع1: 24-26).
السلطةُ خــدمة !
كان يسوع ” رَّبا ومُعَّلما “، وغسل مع ذلك أقدام الرسل. وأعلن أنه لم يأتِ ليخدُمه الناس بل ليخدُمَ هو جميعَ الناس. وعلى السلطة التي أقامها في شخص الرسل أن ” تخـدمَ ” الآخرين ولا تتسَّلطَ عليهم (متى20: 26). ليست الخدمة ذُلاً أو إهانة بل هي دليل المحبة والطيب ، و” يسوع صار خادما …ليُظهر صدقَ اللـه “(رم15: 8). فعلينا نحن المؤمنين أن ندرك فحوى تنظيم الله ونتقبلهُ بوعي ٍ وبساطة، دون معارضةٍ أو مقاومة. قد يتطلب ذلك منا صبرا وتضحية. بل ويقتضي أكثر بأن نتجَّرد عن رأينا ومشيئتنا لنخضع لله.
يُطلبُ منا أن نسمع كلام الله ونقبله بمحبة ونمارسه في حياتنا. والطاعة لمشيئة الله هي أفضل حتى من تقديم قربان ٍ له ” الطاعة خير من الذبيحة “(1صم 15: 22). لذا يقول مار بولس :” لذلك لا بد من الخضوع ، لا خوفا من الغضب فحسب( مثل العبيد) (ولا طمعا حتى بالملكوت) ،بل مراعاة ً للضمير”(رم13: 5). لا تعني هذه الطاعة الأمتثالَ لأوامر القادة عندما يطلبون منا أن نخالفَ شريعة الله كالقتل مثلا أو السرقة أو الكذب أوالأجهاض … إنما تعني الطاعة للقادة المدنيين في ما يخُّصُ الحياة الزمنية والأمور الأدارية وبقدر ما لا تعارضُ شريعة الله. وتعني للقادة الروحيين أن نصغيَ اليهم عندما يعلنون لنا مشيئة الله دون ان نضطر الى الأقتداء بهم عندما يخالفون ناموس الله : ” إسمعوا أقوالهم، ولا تفعلوا مثل أفعالهم “(متى23: 3).
لا تكن شريكا في خطايا غيركَ !
الطاعة للقادة لا تُعفينا عن واجب مقاومة الشر ومصارعة الفساد. وقد يكون بعضُ القادة عملاء لأبليس يُنَّفذون إرادته فلهذا يجب مكافحة أمثال هؤلاء فإنهم أعداء للحق والبر لا فقط كونهم بشر مسؤولون أشرار ولكنهم يُصبحون خداما للشرير ومقاومتنا لهم تكون جهادًا ضد ابليس وأعوانه ” أصحاب الرئاسة والسلطان و ولاة هذا العالم ، عالم الظلمات “(أف6:6). أمثال هؤلاء يكونون قد زاغوا عن الحق وخرجوا من الطريق المرسوم لهم في الدفاع عن الحق والحياة. لا يرضى عنهم الله ، بل سيحاسبهم بشدة. إنما ليس كيفما كان!
أقام يسوع يهوذا الأسخريوطي رسولا مُعطيا له بذلك فرصة أن يخدم الأنسانية مع يسوع فيشترك معه ايضا في المجد والهناء. لكن يهوذا تبع شهوته وطمعه في المال ولم يعتبر تحذير يسوع له فخانه ثم انتحر لأنه يئسَ عن الغفران. المهم لم يمنعه يسوع عن متابعة مشروعه ولا أثارَ عليه الرسل حتى يمنعوه عن فعلتِه. إحترم حريته ونبَّهه معطيا له فرصة الحياة. وإذ لم يتب عن غيّه حاسبه على فعلته. هكذا نتصرف نحن. لم يُقمنا يسوع حكاما فنحاسبَ القادة الخطأة. ولا قضاة ندين المخالفين لشريعة الله والضمير. يسوع نفسه لم يحكم على أحد(يو8: 15) ونهانا نحن أيضا عن إدانةِ الآخرين (متى 7: 1). وذكَّرنا بأن قد نكون نحن أشَّدَ خطأً وجريمة من غيرنا فدعانا الى إصلاح سيرتنا(متى7: 3-5). أن نرفُضَ الشرَّ في رئيسنا لا يعني عدم طاعتِه فيما لا يخالف الضمير. وطاعته في الأمور الزمنية لا تعني تأييدُ أخطائِه. ندين أخطاءَه ، ونحترم سلطته ونخضع لها دون أن نوافق على شروره أو نؤيد إستبداده أو نشاركه رأيه وفعلَه!.
من أجـل ربِّنـا !
طاعتنا للمسؤول، حتى لو كان خاطئا، لا تخُّصُ شخصه بل وظيفته فقط. وأمرُ الرئيس علينا لا يمس ضميرَنا بل الخير وبقدر ما نحن ملزمون أن نبنيه بخضوعنا للنظام العام. نحن مقَّيدون بالنظام والخير العام الذي يُفترض أن يقوده الرئيس. وإذا وقع خللٌ من واجبنا أن نحاول إصلاح الخلل بنقدنا البناء. أما إذا رفضَنا الطاعة للرئيس لأنه إنسانٌ خاطيء ، وآنتقدناه لفضحه ، نكون عندئذ نرفضُ القانون نفسه ، ونقفُ مخالفين لمشيئة الله التي تريدُ القانون. أما دفعَ يسوع ضريبة الهيكل دون أن يكون ملزما بها مُبررا موقفه بقوله :” ولكن لا أريد أن نريبَهم ” ؟ (متى 17: 27).
أما إعتمد ولم يكن محتاجا الى التوبة ، و رَّدَ على إحتجاج يوحنا :” دعْني الآن وما أفعل. هكذا يحسن بنا أن نتم كل بّر” ؟(متى3: 15). ثارَ يسوع ضد الظلم والفساد وفضحه ” أيها المراؤون… أيها الحيات أولاد الأفاعي…أيها القادة العميان …تلك ساعتكم ، وهذا سلطان الظلام ” ، ومع ذلك رفض لبطرس أن يدافعَ عنه بآستعمال السيف ويقاومَ الشر بشر.
الشَّـرُ ، لا يُغلب بالشـر !
تعسُّفُ القادةِ وفسادُهم ظلمٌ. ولكن مقاومته برفض الطاعة والأنتفاضة ضده فسادٌ آخر ضد روح الله ، روح النظام والهدوء. وهذا هو ما عناه بطرس” من أجل ربنا “( 1بط 2: 13)، او مراعاة للضمير كما سَّماه مار بولس (رم13: 5). وبنى كلاهما تعليمهما وإرشادَهما على تعليم يسوع :” لا تقاوموا الشرير” (متى5: 39) وأوضحه الرسول : ” لا تجزوا أحدًا شَّرًا بشَّر. …لا تدع الشَّرَ يقهرُك. بل أُقهر الشَّرَ بالخير”(رم12: 21). لا يوجد في الله شَّرٌ. ولا يريدُ الله أن يكون في مُحَّبيه أيضا شر. بل يريدهم أن يكونوا مثله قدّيسين(1بط 1: 16-17) وكاملين (متى5: 48). واللـه لا يُحّبُ الفوضى!.
الغريزة تدفعنا الى رَّد فعل عاطفي بدينونة من نعتبرهم خاطئين و آتحاذ موقف مناوئٍ لهم. أما الأيمان فلا يسمحُ لنا أن ننشغلَ بأداءِ خدمة لمْ نُكَّلَفْ بها ، أو بمراقبة الناس ومحاسبتهم. بل يدعونا الى تركيز الأهتمام على ذواتنا وخدمتنا ، و فحصها بآستمرار وإصلاح أخطائنا وتنظيف حقلنا. طلبَ منا يسوع أن ندعَ الموتى ، السالكين بمبادئ العالم ، أن يدفنوا موتاهم. أما نحن المؤمنين به، فأن نتبعه (متى 8: 22) في درب المحبة والرحمة ولاسيما المسامحة. والمسامحة لا نقررُ نحن مداها أو شروطها. ولا نختارُ متى نسمح أو لمن نسمح . المسامحة تعني غسل القلب والفكر من كل روح أو ميل للكره أو الظن بالسوء. وإنَّ بعضَ الظن إثمٌ !. الأيمان يُشَّجعنا على مقاومة الأشرار بسيرة صالحة مثالية دون التعَّرض للنظام.
الطـاعة إعترافٌ بالنظــام !
فالطاعة ضرورية للقادة والمسؤولين في إطار النظام. الله يُحاسبهم. لذا قال الكتاب :” دع الأمرَ لغضب الله. .. فقد قال الرب: لي الأنتقام وأنا الذي يُعاقِبْ ” (رم12: 19). أما في إطار الأخلاق فشريعة الله تسودُ كل الشرعات والدساتير البشرية. ولا توجد قوة على الأرض تقدر أن تفرضَ الشرَّ على المؤمن فتفصلُه عن الله ومحبتِه (رم8: 35-39).
فتطبيقُ وصية مار بولس سارية المفعول في كل عصر ومصر. فحيث يطغو الأرهاب و الظلم ويُكَّثر الضحايا يظلُ المسيحي المؤمن صابرا ، شاهدا للحق المتجلي بالمسيح ، مُسَّلِمًا أمرَه الى الله، ورافضا أن ينتمي الى جانب الشر أو يصارعُه بالمثل ويتنازل عن أخلاقه الكريمة ليتحَّلى بأخلاق معاديه ، مؤمنا بأنَّ لأبُدَّ لليل ِ أن ينجلي وللقيد أن ينكسر وللحق أن ينتصر. لايقومُ الحق بالعقوبةِ أو الأهمال. الحق يسودُ بذاتِه. إنما يحتاجُ الى مؤمنين به ومتمسكين به ومناضلين في سبيله. فالصراعُ الذي دعا اليه بولس هو جهادٌ روحي ، كما فعل هو نفسُه (2طيم 4: 6-7)، ضد قوى الشر، دون أن يصلبَ الأشراربل أن يكون هو ” مصلوبًا بالمسيح عند العالم “(غل6: 14) في سيرة طاهرة ، نقـية ، وقـدُّوسة.