يوم المعمودية : عـيد النــور
لمَّا بدأت الجماعة المسيحية تنَّظم أُمورَها وتُطَّور أساليب خدمتها، لاسيما الروحية في توزيع الأسرار، وخَّصًصت فترةً للصوم إستعدادًا لآستقبال عيد القيامة بشكل يبني حياة الأيمان، إِرتأَتْ أن تُخَّصصً فترة للوثنيين الذين بدأوا الأيمان بالمسيح ليتثَقَّفوا فيها جَيِّدًا ويُقَّووا علاقتهم بالمسيح وبالتالي بالله. لم تجِدْ فترةً أفضل من الصوم لتهيئتهم لنيل العماد فقرَّرت تعميدهم عشية أحد القيامة فيكون تناولهم الأول للقربان في عيد القيامة رمزًا إلى قيامتهم الى الحياة الجديدة في المسيح. دُعيت التهيئة بـ ” فترة الموعوظين”، ودُعيَ يومُ العماد بـ ” سبت النور” لأنَّ نور الخلاص أشرق في حياتهم.
الترانيم
1+ مزامير الصبح : ” يومَ صلبَ اليهودُ مخَّلصَنا على قمة الجلجلة أظلمت النَيِّراتُ و
آرتَّجَ الخُرسُ وآهتَّزَ الغرقى ولبست كلُّ البرايا الحزن والكآبة * يا مُخَّلِصَنا تقيمُ الكنيسةُ
بآهتمام، سنة بعدَ سنة، ذكرًا مُقدَّسًا لألمكَ الثمين. أَهِّلْها لعيدِك الكامل ثُماني الأيام “*.
2+ ترنيمة للمجلس : ” سَمَّيتَ شعبَك إسرائيل كرمكَ. ولمَّا أتيتَ تطلب فيه ثمارًا، تجاسروا
وصلبوكَ أنتَ وارثَ الخلائقِ كلِّها “.
فعلةُ الظُلمة، كرهوا فيك، يا رب، أباكَ. ولمَّا أتيتَ لتنقذَ حياتَهم، حسدوك وقتلوكَ أيُّها
المسيحُ مُحيينا “*.
3+ ترنيمة السهرة : ” يا يسوع، لا نخجلُ بصليبك، لأجل قُوَّتِك العظيمة المخفية فيه. حتى
لو إزدرى بها الوثنيون واليهود لكنهما لا يستطيعان قط أن يُبطلا الحَّق. ها كلاهما معًا
يتحَدَّثان عن نصرك. هوذا اليهود قد تبَّددوا وتعليم الوثنيين زال، فيشهدان معًا أنَّ قوَّتَكَ
عظيمةٌ ، يا رب :*.
ܫܲܒܲܚ. يا مُخَّلِصَنا، لم يرَكَ اللصُ وأنتَ تُجري مُعجزة بل عندما كنتَ على الصليب
مُعَّلَقًا. وألى ظواهر ألمِك لم يتطَّلعْ بل سجدَ لسِرِّ مجدِك الخفي وكرَّمه بحُّبِ الحقيقة. و
لأجل ذلك مجَّدْتَ إيمانَه و وعدتَه فأعطيته الملكوت. يا رب يا من بحنانه يتَرَّحَم على
الخطأَة، إرحَمْنا “*.
4+ ترنيمة المذبح :” كلُّكم أنتم الذين إعتمذتم في المسيح قد لبستم المسيح من الماءِ والروح.
لتملكوا معه في مَسكَن السماء *
ܫܲܒܲܚ. إعتمدتُم في روح واحد. ولبستم الروحَ الواحد. عرفتُم رَبًّا واحدًا. الذي بآسمه
تدعون. ومعه تتنَعَّمون في مَسكنٍ مليٍءٍ بالخيرات “*.
5+ ترنيم قداس المساء : ” إمتلأت الخليقةُ فرَحًا ورجاءًا وخلاصًا وقد تضايقت طويلاً من
الضلال. الآن وجدَت الراعيَ الصالح. والخرافُ الضائعةُ التي ضَّلتْ أعادَها الراعي
السماوي. والعَدُّوُ يتشَّكى فيقول: لقد داسوني وزالت كلُّ قُوَّةِ سُلطاني. فالمسيحُ قامَ من
بين الأمواتْ. وأَنارَ العالمَ كلَّهُ “*.
التعليم والصلاة
القيامة نورٌ. وكانت تُعلَنُ طقسيًا في بداية الرسالة، في القداس” الرازي”، بعد الرمش وفيه يتناولُ المُعَمَّدون الجُدُد، وذلك تهيئةً للأحتفال بقداس القيامة ليلاً. وفي ضوءِ القيامةِ ترى الكنيسةُ إيمانها ويثبتُ تعليمُها وتمتَّدُ طقوسُها لتحملَ لأبنائها هذا ” النور” في بريقه الأصيل غيرَ مُقَّنَعٍ بشِباك الضلال الدنيوية. فتحَدَّثت الصلاةُ عن آلام الفداء وعن صَّبِها في فرح نورِ القيامة. يستقبلُ الناس حقيقة القيامة كلٌّ حسب مزاجه وفكره وثقافته وتَوَّجُهِ آمالِه. فتختلفُ المواقف منها بين الرفض والقبول. لكنَّ ذلك لن يُؤَّثر ولا يُغَّير الواقع. وحتى الرافضون لها يُثَّبتونها لأنَّها تفرُضُ حالها، فعليهم أن يتفاعلوا معها شاؤوا أم أبوا ويُراعوها من أجل الذين يسكنون خيمتَها. كان مع يسوع لصَّان مصلوبان. أحدهم آمن وخلص والثاني رفض فخسر الحياة. إنَّ فرحَ القيامة ورجاءَها لا يتذَّوقهما إلا من يؤمن بالمسيح ويحيا معه.
ركَّزت ترنيمة المذبح على هويَّة المعمودية ومفاعيلها. فأَوَّنَتْ ما علَّمه مار بولس لأهل غلاطية أنَّ كلَّ المُعَّمدين أصبحوا بالعماد أبناءَ الله ” لأنَّكم إعتمدتم جميعًا في المسيح فَـلبستُم المسيح ” (3: 26-27). المسيح لبس طبيعتنا بالتجَّسُد ونحن نلبسُ بالعماد بُنُوَّتَه لله. هو أصبحَ واحدًا منا ” ابنَ الأنسان”، وأصبحنا واحدًا معه ” أبناءَ الله”. فآقتنينا حياةَ المسيح. لذا سيقول بولس لهم أيضًا” مع المسيح صُلبتُ. وما أنا أحيا بل المسيحُ يحيا فيَّ” (غل2: 20).
هذه الوحدة مع المسيح ثبَّتها بولس على أساس المعمودية. فكتب للرومان :” ألا تعلمون أننا حين إعتمدنا لنتَّحدَ بالمسيح يسوع تعَمَّدنا لنموتَ معه. فدُفِنّا معه بالمعمودية وشاركناه موتَه حتى كما أقامه الآبُ بقدرته المجيدة من بين الأموات نسلكَ نحن أيضًا في حياةٍ جديدة” (رم 6: 2-4). وهذا ما يعنيه طمسُ الطفل في جرن المعمودية كأنه يغرقُ عن الخطيئة ثم يقوم حيًّا مثل المسيح لحياة النعمة. ولهذا أيضًا كان الموعوظون يُعَّمدون يوم السبت بعد موت المسيح في الجمعة فيموتون معه عن ضلال الوثنية وفسادها، وقُبَيلَ قيامته في عشية الأحد ليتمتعوا بنور الله الحَّق وبخيراته الأبدية مع المسيح.
هذه الوحدة الروحية مع المسيح بالعماد تقودنا الى وحدة ثانية، أيضًا من خلال المعمودية، هي الوحدةُ مع جميع المُعَمَّدين بآسم المسيح. المسيحُ واحدٌ، هو نفسه في كلنا. والمعمودية واحدةٌ، هي نفسها جعلتنا، بقوَّة الروح الواحد، إخوة للمسيح وأبناءَ لله. فيقول مار بولس لأهل أفسس :” إجتهدوا في المحافظةِ على وحدةِ الروح برباط السلام. فأنتم جسَدٌ واحد و روحٌ واحد. كما دعاكم الله الى رجاءٍ واحدٍ. فلكم : رَبٌّ واحد. وإيمانٌ واحد. ومعمودية واحدة. وإِلَهٌ واحدٌ أبٌ للجميعِ وفوقَهم، يعملُ فيهم جميعًا، وهو فيهم جميعًا “(أف4: 3-6).
وهذا مبعَثُ فرحٍ وآنتعاش. فقالت الكنيسة مع المُزَّمر: ” اليوم فرحَ قلبي وآبتهجَتْ نفسي” (أع2: 26؛ مز16: 8-11). فإنَّ إِلَهَنا إِلَهُ الرجاء ” يغمرنا بالفرح والسلام في الأيمان” (رم 15: 13).
إن ماتَ المسيحُ فلكي نحيا. وإن قام فلكي نفرحَ ونتهَّنأ. لذا حَثَّت صلاةُ الصبح الكنيسةَ فقالت :” أيَّتُها الكنيسة أُشكري بفم أبنائِكِ المسيحَ الذي مات من أجلكِ”. فنادت الكنيسةُ رَبَّها المسيح : ” يا من بقيامةِ جسدِهِ المقدَّس بشَّر النساء بالفرح. والنساءُ بشَّرن الرسلَ وهؤلاء بشَّروا بعضَهم. فصار بقيامته خلاصٌ للعالم كلِّه. .. فبأفراح الأعياد نُمَجِّدُ إسمك لأنَّك أزلتَ الضلال ورفعتَ خطيئة العالم، وردَّيتَ حكمَ عقاب آدم الى الحياة الأبدية “*.