<< إِفرحوا بقدر ما تشاركون في آلام المسيح >> { 1بط 4: 13}
كشفَ يسوع لتلاميذه مصيرَه المأساوي :” نحن صاعدون الى أورشليم. سيُسَّلمُ إبنُ الأنسان إلى رؤساءِ الكهنة ومُعَّلمي الشريعة فيحكمون عليه بالموت. يُسَّلمونه الى أيدي الغرباء. يستهزئون به ويجلدونه ويصلبونه وفي اليوم الثالث يقوم” (متى20: 18-19). وعَشِيَّةَ موتِه أَخبَرَهم بأنَّ ” من يقتلكم يظُّنُ أنَّه يُؤَّدي فريضَةً لله” (يو16: 2). وكان يسوعُ أولَّ من قُتِلَ باسم تقديم واجبٍ دِفاعًا عن حقوقِ الله. إتهَّموه بالتجديف ولم يجدوا دليلًا حتى ولا بتلفيق شهود زور(متى26: 60). حُجَّتُهم كانت حسدَهم (مر15: 10)، ودليلُهم سوءُ أعمالهِم التي يأبون أن تُفضَح، والحَّقُ عندهم أن يخضَعَ لهم الجميعُ حتى المسيح (يو3: 19-21). فقتلوه بحُجَّةِ أنقاذ مجد الله. لم يعرفُوا أنهم هم الذين” يقتلون رَبَّ المجد” (1كور2: 9). باعوه بحفنِةِ مالٍ وشهوةِ حسدٍ وساعةِ جاهٍ بينما هو إشتراهم بدمه البريء الثمين (1كور6: 20؛ 7: 23؛ رؤ5: 9).
كانت فعلاً مأساةً يندى الجبينُ لما حصل. بجانب إنهيار العدل وآعتلاء الظلم. علا شَّرُ الأعداءِ وإنهارَتْ أمانةُ التلاميذ لهول ما رأوا، هربوا فتشَّردوا، لعَّلهم يُنقِذون جِلدَهم رغمَ وعدهم قبل ساعات أن يَفدوهُ بأجسادِهم (متى26: 35). يهوذا يخون. بطرس ينكر. ولم يرافق المسيحَ في درب آلامِه سوى “الذي كان يسوعُ يُحِبُّه ” (يو13: 13). لكِنَّ أمرًا واحدًا شَدَّهم الى البعض. ليس بالتأكيد المثلُ” الحشرُ مع الناس عيدٌ”. لا ابدًا. كاد اليأسُ أن يقتلهم كما قتل يهوذا (متى27: 5). لكن بصيصَ إيمان وكثرةَ تعلَّقهم بالمعَّلم إِذ لم يبقَ لهم غيرُه، ولاسيما حَبَّةَ رجاءٍ بقيامته وعودته اليهم لإكمال المسيرة جعلهم يمكثون في اورشليم إلى أن يفرُجَها الله.
الترانيم
1+ من صلاة الليل : ” بالمال باعَ يهوذا مخَّلِصَنا الذي إشترانا من الموت. سلام المكر
أعطى لمُحَّررِ الكل لمَّا أسلَمه. وباعَ الحَّيَ لمَقَّرِ الموتى وآقتنى المشنقة “*.
2+ صلاة منتصف النهار: ” ساعةَ إقتربَ الصالبون ليقبضوا على الأبن كادت الأرضُ أن
تنقلبَ في حركةٍ عظيمة فآغتَمَّت الشمسُ وأظلمت. وسِتْرُ باب الهيكل إنشَّقَ الى إثنين.
أَيُّها المسيح الذي صلبكَ الوقحون أُعصُب بحنانك جروحَنا وجَدِّدْ بقيامتك ضُعفَنا. و
آرحمنا “*.
ما أَهيَبَ الساعةَ لمَّا قبضوا على رَبِّنا!، شعبٌ شِرّيرٌ ظالمٌ!، وقدَّموه للمحكمة. التلاميذُ
هربوا تشَّرَدوا في كلِّ مكان. شمعون ينكرُ، ” أنا لمْ أَرَهُ قَّط “. أَيُّها المسيح الذي جاءَ
لخلاصِنا وتحَّمَلَ الأَلم والصليب. اعصبْ بحنانِك كلومَنا. وَآرحمنا “*.
ܫܲܒܲܚ. لمَّا أرَدتَ أن تسلبَ الجحيم وتُدَّمِرَ كنوزَها تحَّملتَ بحُّبِكَ قيودَ الإرادة ووقفتَ
أمام منبر الدَيَّان. لكي تُبْطِلَ حكمَ القضاء لرأسِ جنسِنا وتفُكَّه. أيُّها المسيح الذي نَصَّرَ
طبيعَتَنا وأَصلحَ بقيامته ضُعفَنا وأَصعدَ فوَضَعَه في السماء. إِرحمنا “*.
3+ رتبة الآلام. الطلبة : ” لنقُمْ حَسَنًا، يحُزنٍ وآجتهاد: نطلب منكَ : يا ربْ إِرحمنا *
. يا حَيًّا نزلت عند الأموات واعلنتَ الرجاء الصالح للنفوس الموقوفة في الجحيم: ن.م*
. يا مَن بجروحِه شُفيَت جروحُنا. وبقتلِهِ قتلَ قاتِلَنا : نطلبُ منك *
. يا مَن لوَجَعِهِ أَظلمَتْ النَيِّراتُ. ولَبِسَتْ الكائناتُ حُزنًا وكآبَةً : نطلبُ منك *
. يا مَن لِصَلبِه إستنفَرَ الروحانيون. وأَوقفَهم أمرُ أبيه لئلا يُبيدوا صالبيه : نطلبُ منك*
. يا مَن بِمَوتِه شَقَّ القبورَ. وأقامَ الموتى توبيخًا لصالبيه : نطلبُ منك *
. يا مَن مزجَ دمَه بدمِنا. و أوفى ذنوبَنا بذبيحة ذاتِه على قِمَّةِ الجلجلة : نطلبُ منك *
. يا من شربَ خَلًّا ومرارةً من أجل خلاصِ طبيعتنا : نطلبُ منك *
. يا مَن سَبَّحَتْه في السماء ملائكةُ النور في موتِه. وآكتَأَبَت الأرضُ لقتلهِ وآبتهجَتْ في
قيامتِه : نطلبُ منك *
. أيُّها الراعي الذي أسلمَ نفسه لأجلِ رَعِّيَتِه وخَلَّصَها بدمه. خَلِّصْ يا رب حياتنا من
الشّرير : وَآرحمنا “*.
4+ ترنيمة الرمش : ” أيُّها المسيح، لمَّا كنتَ مُعَّلَقًا على الصليب، رأَتْكَ الخليقةُ عُريانًا
إرتجَفَتْ. والسماءُ أَطفَأَتْ نورَ مصباحِ الشمسِ المجيد. والهيكلُ أيضًا أبدى حُزنَه بأنَّ
تمَزَّقَ سترُ الباب. وآرتَجَّت الأرضُ أيضًا لمَّا رأتْ وقاحةَ الصالبين. وبُهِتَ الراقدون
وقاموا بآندهاشٍ كبير من قبورِهم وهم يرفعون المجدَ لقُوَّتِك العظيمة ، يا رب “*.
إِرْتَجَفَت الخليقة
نعم لم تكن مأساةَ البشر فقط. الطبيعةُ كلُّها ردَّت على الصلب بآنكسارٍ وآغتمامٍ وأبدتْ شِدَّةَ غضَبِها وآستنكارِها لفعل الأنسان القبيح والدنيء. الكون كلُّه إِضطرب. السماءُ أزبَدَتْ. و الشمسُ أَظلمت. الهيكلُ شَّقَ ستارَه. الأرضُ تزلزلت. الكل حزينٌ كمكلومٍ على فقيدِه. فقالت الطلبة الثالثة بأنَّ الملائكة هاجوا و ثاروا ولو لم يمنعهم الآبُ السماي لآنتقموا للجريمة النكراء وأبادوا الصالبين. الصخور تصَدَّعت. القبورُ تفَتَّحتْ. وحتى الموتى قاموا.
ولكن إذا كانت الآلام والصلبُ في خُّطَةِ الله فهي لا تتوقف عند القبر. وما حدثَ يدُّلُ كلُّه على وحشيَّةِ الجريمة حتى إستنكرها الكون كلُّه. ويُشيرُ أيضًا إلى أنَّ من القبر ستخرجُ نعمةٌ أكبر، أعظم لا توازيها نعمة. إِنَّها الفداء. والفداءُ يتِمُّ بدم (عب9: 22؛ أح17: 11). دم الحيوانات لا ينفع (عب 10: 6)، ولا دم مجرمٍ يكفلُ ويفدي مُجرمًا آخر. الحاجة الى دم بريء وثمين ” لا عيبَ فيه ولا دنس”. فبدمه إشترانا المسيح ( 1بط1: 19).
فلن تقف الحياة عند الألم والضيق، والإهانة والظلم، بل تستمِرُّ حتى القيامة لتقطفَ الثمار و تفتحَ بابَ الحَّق والعدل، وتغسل الغَّم والحزن بالفرح والإبتهاج. ضاعت القيم عند الأنسان. فالناسُ تغَّربوا عن بعضِهم. أمَّا الله فليس له سوى ميزانٍ واحدٍ هو الحب. فقبِلَ أن يقف أمام حكام يدينونه بجهل وظلم وحسد كي لا يقف مَن ورَّطنا ولا من آمن منَّا أمام محكمته العادلة . سكت أمام التُهم والحقد والكره ثم آنتصر ليُعَّلمنا أن الشر والظلم الزمني لا دوام لها لأنَّ الحَّق يجلو في الأخير وينتصر. ومن يظُّن أنَّه يقدر أن يُخَّرسَ الأبرياء ويتمَلَّصَ من العقاب يتوَّهم لأنَّ ضميره يُعَّذِبُه وخطاياه توقِعه ولا من يتشَّفع له. قادة اليهود العُميان سخروا من يسوع :” إن كان ابن الله فليُنقِذْه الآن”. وعميان اليوم يقولون ” مات الله”. أما الحقيقة فكان يسوع ” حَّقًا إبن الله ” (متى27: 54)، ولن يموت ” ثانيةً ولن يكون للموت سُلطانٌ عليه ” (رم 6: 9).