أهلا وسهلا بالأخ نزار ملاخـا
قرأ الأخ نزار بعض الردود التي كثرت في الأيام الأخيرة في وسائل التواصل الأجتماعي وهي تحاول خلط ” الحابل بالنابل”، الأيمان بالشعوذات. ومن تلك المطالعات أو التعليقات عليها موضوع التناول على كّفِ اليد الذي تُشَّجعُ الكنيسةُ عليه أكثر من التناول على الطريقة السابقة بالفم. فسألَ ما يلي :
# أيهما أكثر تقديسًا : المناولة من يد الكاهن أم بيد المتناول نفسِه ؟
## هل نُسيءُ الى القربان عندما نتناوله بأيديـنا ؟
### يغسل الكاهن يديه بالماء بعد التناول ويشرب ذلك الماء، أما المتناولون بأيديهم فلا يغسلون أياديهم وقد يلمسون أشياءَ كثيرة غير نقية أفلا تتوسخُ ذرات القربان في يدهم ؟
أيُّهما أقدس .. ؟
كنا متعَّودين على التناول بالفم. ومنذ خمسين سنة بدأت حركةٌ قوية تدعو الى التناول باليد تواصلاً مع الرسل الذين تناولوا على اليد. وفي التجديد الأخير في القداس الكلداني دعت السلطة الكنسية الى التناول على اليد. للعلم إنَّ أبناء كنيسة المشرق الشقيقة استمروا على تقليد الرسل وظلوا يتناولون على اليد.
هناك من يرفُضُ هذا الجديد لأنه يشعرُ أنه يُكَّلِفُه جُهدًا وهو يتكاسَلُ في تغيير عاداتِه لاسيما التي يُكلفها التغييرُ إنتباهًا وآهتمامًا إضافيين حتى يتغلَبَ على العادة المتحَّجرة فيه والتي قد أصبحت طبيعة ثانية لا يتجَّرأ أن يجابهها ويُغَّيرَها بعادةٍ جديدة. وغيرُهم يستمِرُّ فيرى اليد وسخة لا تليق بوضع القربان عليها ولا يفكر في دنس اللسان بالكذبِ والشتم والحلفان والتي لا تقوى المياه على إزالتها بغسل الفم لأنها ليست مادية حتى تلتصقَ بالفم مثل بقايا الطعام. وما قصة إلتصاق ذرات القربان باليد إلا حجَّة واهية. لأنه إن كانت تلتصق ذرات القربان بكَّفِ اليد فماذا يمنعها من أن تلتصق بالفم أيضا ؟. وإن كان المتناول باليد لا يغسل يده فهو لا يغسل أيضا فمه. وغيرهم يعترض على التناول باليد لأسباب أخرى مثلا كالإساءة بعده الى القربان. على أية حال تصُّبُ كل الاعتراضات على نقطة واحدة : محاولة إفشال التجديد في القداس عن نية سـليمة أو سَيِّئة.
إن كان التناول باليد منذ البدء فلأنَّ الرئاسة الكنسية إرتأت وأرشدت إليه. وإن كان التناول أصبح بالفم فلأنَّ الرئاسة الكنسية أيضا هي التي بادرت وأمرت بذلك. وفي كلتا الحالتين هي السلطة الكنسية التي إتخذت هذا القرار وتقيَّد به المؤمنون وأجروا ما طلبته منهم. لأنهم وثقوا بأنَّ الكنيسة تريدُ مصلحتهم وأنها قررت هذا أو ذاك لأنَّ ظروف الحياة اقتضت ذلك. وهي الكنيسة نفسها التي تواكبُ مسيرة المؤمنين وتساندها وتُرشدُها إلى أفضل السبل لتغذية إيمانها وتنقية نفوسها. لا أفضلية للتناول بالفم أو باليد. إنما الأفضلية هي لآستعداد المؤمن و لمدى كثرة إستفادته من هذه الطريقة أو تلك. التناول باليد يساعد المؤمن على حركةٍ فردية تقوي فكره ورغبته في التقَّرب الى المسيح. حركة إضافية الى ما يجري في الفم. إنها حركة ” الأخذ” التي تتطلبُ جهدًا فكريًا وآستعدادا روحيا أقوى. الطفل يرضع أما الأنسان البالغ فيتناول الطعام بنفسه ويعمل جهدًا إستثنائيًا رغبة منه في إشباع شهوته وصيانة حياته. والرب يسوع لم يضع جسده في فم الرسل بل قال لهم ” خذوا كلوا ” ، أى إجتهدوا بأنفسكم للحصول على جسدي. مع ذلك ما ترتأيه الكنيسة يبقى أفضلَ من رأي الفرد، لأنَّ الكنيسة مسئولة عن تعليم أبنائها وتوجيههم وليس العكس.
القـربان بالـيد .. هل يُسيء !
لو كان ذلك سَّيئًا لما أوصى به يسوع نفسه. مع ذلك ، فالسوء والجودة ليستا في اليد بل في ” الفكر والقلب “. الشر والخير في فكر الإنسان لا في أعضاءِ جسمِه. إعترضَ اليهود عند يسوع ولاموا تلاميذه الذين تناولوا الطعام بدون غسل أيديهم تمسُّكًا بتقليد الشيوخ. رَّدَ عليهم :” ليس ما يدخل الفم يُنَّجسُ الأنسان، بل ما يخرجُ من الفم ..القلب هو الذي يُنَّجسُ الأنسان” (متى15: 11-18). فلا التناولُ باليد يُسيء ولا التناول بالفم. وممكن أن ينقلبَ كلاهما سوءًا إذا أساء المؤمن إستعمال التناول. إذا نوى أحدٌ إهانة القربان فقد أساء إليه بغَّض النظر عن شكل التناول. وإذا تناول المؤمن بقلب طاهر ونية سليمة مستقيمة ممتثلا لأرشاد الكنيسة يكون ذلك أفضل سبيل لتقديس نفسِه، بغَّض النظرعن التناول باليد أو بالفم ؛ لأنَّ الله قد قال: “الطاعة خيرٌ من الذبيحة ” (1صم15: 22 ؛ أع4: 19-20).
و ذَرات القـربان !
يغسل الكاهن بعد التناول أصابعه والكأس والصحن ويشرب ماءَ الغسل كي لا تبقى ذرات القربان المتفتتة. يفعل ذلك طبعا إحتراما للقربان ، ولأنَّ من طبيعة الخبز اليابس أن يتفتت فتنفصلَ عنه ذرات قليلة. ولأنَّ الكأس يحتوي على أعداد كثيرة من كِسَر القربان المُهَّـيأَة للمؤمنين لذا تكثر أيضا تلك الذرات المتناثرة. ولأنَّ الكاهن يُناول أعدادًا كبيرة من المؤمنين فمن الممكن أن تلتصق بإصبعه بعض ذرات القربان لذا يغسل أصابعه والكأس ويشرب الماء. أما المؤمن فهو يتناولُ كِسرةً واحدة، وقد تتناثر ذرة واحدة وتلتصق بيده أو لا يحدُثُ ذلك. وإذا حَسَّ بأن ذرة إلتصقت بكَّفِه يتناولها هي أيضا بفمه وينتهي الأمر. لا يحتاج بالضرورة الى غسل كفه وشرب ذلك الماء. ليس صحيحًا أن يتحَّولَ إحترامنا للقربان الى وسوسةٍ وشعوذةٍ حرفية. نتعاملُ مع القربان كما مع كل مقَّدَساتِنا بإيمان لا بمنطق بشري، و بروح وحياة لا بحرف، لأنَّ كلام الرب هو” روح وحياة “(يو6: 63)، أما ” الحرفُ فيقتُلُ” (2كور3: 6).
لقد عرفت الكنيسة منذ البدء إنتقاداتٍ وآعتراضات على تعليمها وتنظيمها. وقد أتت في أغلب الأحيان حربًا عليها لا رغبةً في إصلاح أمورها. وفي الأزمنة الأخيرة إشتَّدت هجمة أعدائِها بنفس الهدف :” تشويه سمعتها ، والتشكيك في تعليمها وتدبيرِها، وزرع الشقاقِ و الفتنةِ بين أبنائِها ” لتمزيقها وشَّلِ قوتها. فصارت القوى المعادية تتظاهر بتصحيح مسارها وتنقيةِ مبادِئها مُدَّعيةً لنفسِها الأمانة للمسيح، وللكنيسة الخيانة والمخاطرة بإهلاك المؤمنين.
يلبسُون مظاهر الأيمان ويتلون آياتٍ من الكتاب، كما كان يفعل العراقيون والأيرانيون على السواء عندما يتهمون ويتحاربون فيُؤَّيدون قولهم بآية من القرآن، لكنهم لا يؤمنون بقوة كلمة الله بل” يُظهرون التقوى ولكنهم ينكرون قوَّتَها “(2طيم3: 5)، و” يأتونكم بلباس الحملان و هم في الباطن ذئابٌ خاطفة” (متى7: 15). فقبل أن نُصَّدقَ أقوالهم نعود الى الكتاب ونسألُ الكنيسة لنتأكدَ من صحةِ تعليمنا. هجماتهم لا تُخيفُنا بل تدفعنا الى التمَّسكِ بإيماننا. وللزيادة في الإطمئنان نُصغي الى الكنيسة ونتقَّيدُ بإرشاداتِها.