أهلا وسهلا بآلأخ نهاد شامايا
كتب الأخ نهاد يقول :” تقولُ الآية : كلُ خطيئةٍ وتجديف يُغفَرُ للناس. وأما التجديفُ على الروح القدس فلن يُغفَرَ للناس” (متى12: 31). فسأل :” ما المقصودُ هنا بالضبط ؟. هل يعني أن التجديفَ على الروح القدس يقودُ الى نار جهنم دون أي إحتماليةٍ للمغفرة؟. ولماذا الروحُ القدس فقط وليس آلآبَ وآلآبن”؟.
الخطيئة وآلتجديف !
الخطيئةُ هي، بعِرْفِ مُفسِّري الكتاب المقدس، سوءُ التصَّرف ضد البشر، أما التجديفُ فهو سوءُ التصرف تجاهَ الله. هكذا إختصرَ يسوع الشريعةَ الألهية و وَحيَ الأنبياءِ بالوصية العُظمى” محبةِ الله ومحبة القريب ” (متى22: 36-40). الله يَغفِرُ لا ينتقِم. ورَفْضُ غفرانِهِ تجديفٌ عليه، لأنَّه رَفْضٌ للهِ إجمالا. الخطيئةُ عن جَهلٍ وضُعفٍ، أما التجديفُ فعن معرفَةٍ للحق وقدرة إتباعِه، ولكن رغم ذلك يُرفَضُ. ومَن يرفُضُ اللهَ وغفرانَه، كيف يجتمعُ مع الله في راحته؟. رفَضَ آدمُ كلامَ الله، فأُخْرِجَ من الفردوس، وحُرِمَ السعادة والمجدَ مع الله. إنما لأنه كان جاهلا بالحق، ولم تكن له فكرةُ التوبة والغفران، ترَكَ له اللهُ المجالَ إلى ان يُدركَ ذلك و يتوب. فاذا عادَ، ومَن عاد، وتابَ يُغفرُ له. هذا ما فعله يسوع بآسم البشرية وأعطى فرصة جديدة للحياة مع الله، للذين يقبلون تعليمَه ويسلكونه. أما اذا استمَرَّ الأنسانُ، ايًّا كان، في الرفض فسيهلك. ولا مجال للغفران لأنَّه هو رافِضٌ للغفران. مثل يونان النبي رفَضَ أن يساوي اللهُ أعداءَه به ويَغفرَ لهم خطاياهم، فرَفَضَ اللهَ وكلامَه. لم يقدرْ ان يفلتَ من الطاعة لله. أنذر أهلَ نينوى بهلاكهم. ولما تابوا غفراللهُ لهم. إعترض يونان على الله، فتركَهُ الله
لحاله. كذلك يهوذا الأسخريوطي فضَّلَ المالَ على معلمه فسَلَّمَه للموت رغم تحذير المُعَّلم له من سوءِ فعلِه وعقابهِ الشديد. لم يتراجعْ ولم يندم مثل بطرس بل أنهى حياته بشَّرٍ آخر.
التجديف على الروح !
بطرس نكر عن ضعف وتابَ غُفِرَ له. يهوذا طمعَ وأصَرَّ في رفضِهِ الحق، خسر. كان فعله تجديفا على الروح القدس. وجاء كلام يسوع عن التجديف على الروح في جداله مع الفريسيين الذين يرفضون أن يشفي يسوع المرضى يوم السبت. مع أنه كشف لهم أنه رب السبت، اي الله. وعوض الأعتراف به إتّهموه بأنه عميلٌ للشيطان، بعلزبول (متى12: 24). وطلبوا منه مَرَّةً ان يشكف علنًا عن هويتِه إنْ كان هو المسيح. ولما أكد ذلك رفضوا أيضا الإعترافَ به، بل إتهموه بالتجديف وأرادوا رجمه (يو10: 24-33). رفضوا مسيحًا وإلها لا يتماشى مع فكرهم ورغائبهم ومزاجهم. ولم يتراجعوا. إنتهوا بقتله لأنه كان خطرًا على مصالحهم :” إذا تركناه على هذه الحال آمن به جميع الناس”. حسدوه فقرروا أن يتخلصوا منه (يو11: 48-57). حتى بيلاطس عرف بحسدهم له (مر15: 10).
ولما إتهم الفريسيون يسوعَ بعمالة ابليس صرح بأنَّهم يعملون عمل ابليس بتمزيق الشعب بين مؤمنين به ورافضين له. وإِذ هو يعملُ لأجل وحدة البشرية كلها في حظيرة الله، أعلن: ” من لا يكون معي فهو علي، ومن لا يجمع معي فهو يبدد “. عمَلُهُ عملُ الله، يكمل مشيئة الله (يو10: 25-38). وأضاف :” كل خطيئة وتجديف يُغفر للناس. أما التجديف على الروح القدس فلن يغفر لهم”. الله هو القدوس ودعا الناس الى القداسة (لا19: 2). الله هو المحبة والرحمة. ويريد شفاء المرضى في أي يوم كان. ويوم السبت يوم القداسة أفضل من غيره لتقديس الناس الذين اصابهم شرُّ ابليس بما يؤذيهم ويؤلمهم.
لماذا على الروح فقط ؟
أما لماذا الروح القدس دون آلآب وآلآبن، فهذا تعبيرٌ عن عمل آلله الثالوث. الله هو القدرة ( الوجود) والمعرفة (الخلق) والحياة (الحركة، التدبير). تُنسَبُ القدرة إلى آلآب والمعرفة إلى آلآبن والحياة الى الروح. هذا لا يشكل ثلاثة أشخاص بل شخصا واحدا في ثلاث صفات أو أقانيم. ويبقى الله كيانا واحدا ومشيئة واحدة وعملا واحدا. قال يسوع :” أنا وآلآب واحد “. كما قال عن الروح القدس:” يُرسله الآب بآسمي” (يو14: 26) و” أرسله إليكم من آلآب ” (يو15: 26) ، مضيفًا :” روح الحق المنبثق من آلآب”. وآلآب يعني ” الله”. و هكذا يكون التجديف ضد الروح القدس هو ضد عمل الله لخلاص الأنسان. عمل الله هو الحق والبر أي المحبة والرحمة والمساواة. فمن يرفض الله وعمله، لا محامي له، فيهلك لا محالة.
رفض الفرّيسيون المسيح وقاوموه لأنهم رأوه ورأوا اعماله وكشف لهم انه المسيح مع ذلك لم يؤمنوا به بل إتهموه بآلتجديف. بينما كانوا هم المجدفين إذ لم يعرفوا الله ولا إعترفوا بآلمسيح (يو8: 19) فأعلن لهم:” ستموتون في خطاياكم” (يو8: 24). وأيضًا ” انتم عميان، لكنكم تقولون إننا نبصر، فخطيئتكم ثابتة ” (يو9: 41). جاء في الرسالة الى العبرانيين : ” الذين أنيروا مرة وذاقوا الهبة السماوية وصاروا مشاركين في الروح القدس وآستطابوا كلامَ الله الحَسَن ومعجزاتِ العالم المُقبل، إذا سقطوا مع ذلك، يستحيلُ تجديدُهم وإعادتُهم الى التوبة لأنهم يصلبون ابن الله ثانية لخسرانهم ويُشَّهرون به ” (عب6: 4-6).
يُجمعُ آباءُ الكنيسة أن هؤلاء يخطاون ضد الروح القدس. أما القديس إيريناوس فقال :” الخطيئة التي لا تغفر هي رفض الأنجيل”. ويقول العلامة الخوري بولس الفغالي بأنَّ : ” القديس اوغسطينوس كرس عظة كاملة حول رغبة الله في غفران جميع الخطايا. وأعلن أن تلك الخطيئة تشير إلى لاتوبةٍ تَمْتَـدُّ حتى الموت. وهكذا صار التجديفُ على الروح القدس حالةً من العداوةِ ضدَّ الله، لا عملا محدَّدا ” (انجيل متى، دراسات بيبلية، رقم 16، ص253).
كل من يرفض الله وعمله لا يُغفر له. والمسيحُ يشير في عبارة ” التجديف على الروح القدس” إلى الروح الألهي في التعامل أثناء الحياة مع المباديْ الألهية ومع الناس. فكل من يجدف على الروح الألهي، لا يمكن أن يحيا مع الله في آلأبدية.