أهلا وسهلا بالأخت مريم ميخائيل.
قرأت مريم في إنجيل لو14: 28-30 حيثُ يدعو يسوع تلاميذه الى التأمل والبحث والتخطيط قبل إتخاذ قراراتٍ مهمة وخطيرة ،” من أرادَ أن يبنيَ بُرجًا.. يحسبُ النفقة أولا”. بينما قرأت في متى 6: 34 حيثُ يقول: ” لا تهتموا بالغد ، فالغد يهتَّمُ بنفسِه. يكفي كُلَّ يومٍ شَّرُه “. فآحتارَتْ في أمرِها وأرادت أن تتأكدَّ من :هل إفتهمت حَّقـا معنى النصَّ؟. فســألتْ :
<+> : هل يجبُ أنْ نُفَّكرَ بالمستقبل أم لا ؟
:> أولا : كي نفهم النص على حقيقتهِ،لاسيما جملة ًمختصرة ، يجب ربط تلك الجملة بكامل النص الذي جاءَت فيه. فلا نعزلها عنه بل وأن نجدَ مكانتها ودورها في بناء الفقرة كلها. :> ثانيا : ثم ربطُها بجسم رسالة الأنجيل كلها فنبحث ونرى هل تؤيدُ بقية تعاليم المسيح أم تناقضُها ؟. لا يُعلمنا المسيح مباديءَ لا متناقضة ولا متناسخة. الأنجيل كله وحدة متكاملة حتى لو بانت أحيانا بعض الأختلافات اللفظية الظاهرية.
لوقا 14: 28-30 !
أتت العبارة في سياق الحديث عن -“/ أتباع يسوع “- والشروط التي يجبُ أن تتوَّفرَ فيهم. وهي:1- ترك الأهل ؛ 2- التنازل عن الذات وعن المشروع الشخصي للحياة ؛ 3- تحَّمُل متطلبات المهّمة المطلوبة منهم وهي تقتضي بذلا وتجَّرُدًا وتضحية. إتخاذ قرار مثل هذا يتطلبُ وعيًا وآختيارًا وجهادًا وحزمًا وصمودْ. لأنه قرارٌ مصيري لا يقبلُ الأنقسامَ ولا العودة الى الوراء. لأنَّ ” من وضعَ يده على المحراث ، ثم إلتفت الى الوراء ، لا يصلحُ لملكوتِ الله “(لو9: 62). ولهذا ليس كلُ من أرادَ أن يتكَّرَسَ لله ويتفَّرغَ كليا لعبادتِه بتقديس ذاتِه ، أو بالتفَرُّغ لتأديةِ خدمةِ النفوس وسلوكِ طريقِ العزوبيةِ ، هو قادرٌ عليها. يجبُ أن يكون، قبل الرغبة في ذلك، مدعُوًا من الله ومُؤَّهلا لأداءِ المطلوبِ منه. لذا على من يشعرُ بالرغبة في العيش كالمسيح ومتابعةِ رسالتِه أنْ يتأكدَ أولا من الدعوة ، أى هل هو اللهُ الذي يدعوه ؟. وهل له المؤهلات الخاصّة الضرورية لأداءِ تلك المهمة ؟. فلا يجوز أن يُخاطرَ فيُغامر في الأنخراط الى مؤسسةِ المُكَّرسين لله مباشرة قبلَ أن يتأكدَ من دعوةِ الله له.
متى 6: 34 !
أمَّا هذه الآية فأتت في سياقِ الحديثِ عن العناية الألهية بالناس. الله خالقُ الأنسان أبٌ يُحّبُ ويعتني بأولاده. لقد وفَّرَ له كلَّ الخيرات. يقدرأن يعملَ ويقتني ويوَّفرَ قوتَه وسلامتَه. عوضًا عن أن يقلقَ المرءُ ويصرفَ جُّلَ وقتِه في توفير الطعام والثياب عليه أن يجتهدَ في أن يشهدَ للحق وللحُّب في سلوكِه الأجتماعي. فالحياة ليست فقط أكلاً وشربا ولبسًا. هي أيضا علاقات مودة وإخاء وتعاون وتفاهم وحوار وراحة وسلام. الحياة هي بناءُ كونٍ تسودُ فيه الكرامة والحرية والفرح والسعادة. “فالحياة أثمن من الطعام ، والجسد من اللباس”(آية25). رغم ذلك يهتم الناسُ بالحاجات المادية مهملين حاجات الأنسان من القِيَم الروحية. و طلبُ يسوع من المؤمنين به أن يهتموا أولابـ ” الملكوت وبِرّهِ”(آية33). على الأنسان وهو صورة الله أن يبني مجتمعًا ” ملكوتًا” تسودُهُ القيم الروحية التي تضمن راحة الأنسان وسعادته. لم يقُل لا تهتموا بالمستقبل بمعنى تقوقعوا على التمتُّع بالحياة ، كما فعل أُمرؤُ القيس حيثُ قال: اليومُ خمرٌ وغدًا أمرٌ. بل لا تبالغوا وتُقَّدسوا الحاجاتِ الجسدية الزمنية وتولوها جُّلَ إهتمامكم و تهملوا بالمقابل توفير مستلزمات الحياة الروحية الأبدية. الحياة الروحية وخيراتُها من حياةِ الله نفسِه ، لذا هي أهم وتستحّق أن نجتهد وراءَها أكثر من حياة الجسد وخيراتِه.