أهلا وسهلا بالأخ ساهر فرنسو
سأل الأخ ساهر ما يلي :
+ هل الأنسان مُخَّيَرٌ أم مُـسَّيَرٌ مِن قِبَل الله ؟
++ هل يكتُبُ الله للأنسان تاريخ حـياته حتى ممــاته ؟
الأنســانُ مُخَّــيرٌ !
ما دُمنا مؤمنين بالله أنه هو خالقُ الأنسان وصانعُه فحتى نعرفَ هوية الأنسان نرجعُ الى ما أوحاه الله وعَّـلمه للأنسان. نبدأ أولا بالتأكيد على أنَّ ” مُخَّير أو مُسَّيَر” تعني “حُّر أم عّـبِد”. وإذا نظرنا الى الله فهو بلا شك حُّر. لا يمكنُ للعبد أن يكون إلَـهًا مادام لا يملكُ حُّرية العمل. فالله إذن ” حُّر”. ونؤمن بأنَّ الله هوصانع الأنسان. واللهُ يقول :” لِنصنع الأنسان على صورتنا كمثالنا”. ثم يُضيف الكتاب :” فخلقَ اللهُ الأنسانَ على صورتِه” (تك1: 26-27). وإذا كان الأنسان صورة ً لله فهذا يعني أنه مثله ” حُّر”.
جميعُ الكائنات الأخرى مُسَّيَرَة ٌ. إى تعيشُ “غريزيًا “، تقودُها في ذلك طبيعتها. كما تدور الأرض حول نفسها وحول الشمس، ويدورُ القمرُ حولَها، بدون توَّقفٍ ولا تغيير مسارٍ ولا توسيع مداها وإطالة فترةِ دورتها الواحدة، وذلك بدون إختار ولا رفضٍ، هكذا الكائنات كلها تحيا وتتحَّرك وتتكاثر دون أن تستطيع لا إختيار ما تشاء ،ولا تغيير ذلك. لقد وضع الله فيها قوة تقود مسيرة حياتها دون أن تعيَ ذلك ودون أن يكون لها في ذلك مشيئة أو دور، عدا التنفيذ. إنها كالعبد المأمور تنَّفذ ما تُمليه عليها طبيعةُ تكوينها. هكذا صنعها الله. فلا تقدر أن تخرجَ عن طوعه ولا يقدر هو أن يُحاسبَها.
أما الأنسان، صورة الله، فهو يعي ما يفعل، ويقدر أن يختار بين أمرين مختلفين. يختار ما يُعجِبُه وما يقتنعُ به أنه صحيحٌ، وينبذُ ويرفضُ ما لا يراه مناسبًا ، ولا يتقَّيدُ بإرادة أحد. له إرادته الخاصّة ويستعملها في قراراته فيعملُ ما يشـاء. ويقولُ عنه كتابُ الله :” أسكن الرَّبُ الأله آدمَ في جَّنة عدن لِيفلَحَها ويحرُسَها “؛ وأوصاهُ : ” مِنْ جميعِ شجر الجَّنةِ تأكُل ، أمَّا شجرة معرفةِ الخير والشَّرفلا تأكل منها. فيوم تأكلُ منها موتًا تموت” (تك2: 15-17). لو كان آدمُ مُسَّيَرًا كيف يوصيه الله ألا يأكل من شجرةٍ معَّينة ؟. كان سوف يمتنع عنها غريزيا. وبعبارة أخرى إذا لم يكن بوسعه أن يختار بين الأكل وعدم الأكل، بل كان عليه غريزيًا أن يتجَّنبَ تلك الشجرة، كما تفعل الحيوانات إذ تتجَّنبُ الأعشاب المضرة وتبتعد عنها ، فلماذا يُحَّذرُ الله آدمَ من الأكل من تلك الشجرة؟. على آدم أن يتذكرَ سوء تلك الشجرة ، وقد تقودُه شهوته الى الأكل منها، فعليه أن يمتنع عن ذلك بإرادتِه. الحيوان مُقادٌ بشهوته، أما الأنسان فيجب أن يستعمل عقله ويتصَّرف بعد تفكير فيختار ما يشاؤُه.
ولمَّا أكل آدمُ من تلك الشجرة لماذا أحَّسَ بالذنب، إذا كان عمله رغما عنه؟. ولماذا خافَ و آختبأَ عن أنظار الله، إذا كان الله هو الذي سَّيَرَه الى ذلك الفعل؟. إذا كتبَ اللهُ عليه أن يأكلَ من تلك الشجرة فكيف يُحاسبُه ؟. فالشعور بالندم من جهة آدم بسبب إختياره إتباع شهوته وفكره الخاص، أى سوء إستعماله حُّريته، ومن جهةٍ أخر ى محاسبةُ الله له لأنه فضَّلَ نفسَه على الله فآختار أن يرذُلَ وصيتَه وهو خالقه ، هذا ليس دليلا إلا على حريةِ الأنسان، أى إنه ” مُخَّيَرٌ لا مُسَّيَر”.
المكتوب على الجبين تشهده العين !
هذه مقولة ٌ غير مسيحية تؤمن بـ” القضاء والقدر”، أى بأنَّ خالقَ الأنسان حَّددَ له أعماله وتصَّرفاتِه الى درجة أنَّ الأنسان لا يقدر أن يختار ما يشاء. وأكثر من ذلك أنه لا يُمَّيزُ بين الجيَّد والسَّييء ، بين الخير والشر، بل يتبع غريزته ويتصَّرفُ دون وعي ٍودون قدرة على حتى درء الخطر والشر عن نفسِه.
أما يسوع المسيح فقد قال مرَّةً لتلاميذه أنه بإمكانهم أن يتراجعوا عن إتّباعه ، إذا شاؤوا، ولا يُرغمهم على شيء(يو6: 67). هذا يعني أنهم فاهمون وقادرون على إختيار موقفهم الخاص . ولم يكن التلاميذ أطفالا، ولا كلهم شيوخًا. وكانوا مع ذلك ” أحرارا” في عمل ما يشاؤون. فالأنسانُ حُّرٌ من لحظةِ ولادته، بل تكوينه، وحتى مماته. لأنَّ الحرية صفة في الطبيعة الأنسانية تتبعُ التمييز للفكر. حتى لو كان أحدٌ متخَّلفا وقاصرًا ذهنيًا لكنه يبقى حُّرا. أو حتى لو مرضَ أو شاخَ فهو مُخَّيرٌ بوسعه أن يختار ويفعل ما يشاء. وأقوى مثال على ذلك هو الطفلُ الذي بعمر سنة يرفض الخضوع لمشيئة والديه ويرفضُ أن يُطعموه بل يريدُ أن يأكل بنفسِه!!. أما بالنسبة للشيوخ فكثيرون يوصون قبل وفاتهم بأن يُدفنوا في أرض طبيعية أو أن يُحرقوا، وتلتزمُ الجهاتُ المعنية بتنفيذ إختيارهم حتى بعد وفاتِهم. كيفَ يحدُثُ هذا إن كانوا مُسَّـيرين ؟؟.
ما دام الأنسانُ مُخَّيَرًا فهو مُخَّيَرٌ طوال حياتِه وفي كلِ أعمالهِ.
الله لا يتغيَّر ! يع1: 17
مشكلة التخيير والتسيير تعود الى حياة الأنسان لا الى جوهر طبيعته وفكره. كان الأنسان فترة يخضع للشهوات الجسدية فتحَّكم به الشيطان حتى ” يُسَّـيرَهُ ” فلا يختار حياته. وقد قيَّد الأنسان نفسُه ذاتَه بشهواتِه الحّسية، وإذ يرى ذلك سَّيئًا ومؤلمًا لا يحاولُ التحَّررَ منها، بل يتهم الله بأنه هو قيَّده بها. يريدُ أن يتمتع بملذاته وشهواته ويرفضُ أن يحاسبَه الله. فآخترع نظرية ” القضاء والقدر”، ليُبَّريءَ ساحتَه ويدين الله. أما الله فهو الخالق صورة ًلنفسه، كما هو، يحترمها ويدعها تمارسُ حَّقَها ودورَها ، زوَّدها بالعقل والأرادة الحرة ، ويريدُ أن تمارسَ إمتيازَها مثله لتكون صورته الناطقة والفاعلة. فلا يمارسُ عليها ضغطًا، ولا يُقَّيدُها بشيء. وحتى وصاياه هي إرشاداتٌ وتوجيهات وليست فرضًا. والدليل أنَّ آدم يوم خالفَ توجيهات الله لم يعاقبه ،بل أشعَره بنتيجة فعله ثم وعده بأن ينقذه من ورطته. وأرادة الله و فعله أبديان لا يندم عليها ولا يغَّيرُها. عرفَ بما يحدث للأنسان الخاطيء فسبق ونبَّهه و حَّذرَه فقط.