أهلا وسهلا بالأخ باسل ألبير
كتبَ الأخ باسل يقول :” أنا محتارٌ بين الأمانةِ لوصايا الرب الأله في الكتاب المقدَّس و بين تعاليم الكنيسة. فالكتاب يقول عن بعض الفروض أنها ” أبدية”، أى يجب الألتزامُ بها ” مدى أجيالكم”. وبولس يقول :” لسنا بعدُ في حكم الشريعة” أو إنتهى زمن العهد القديم. أنا إبنٌ للكنيسة. وأريدُ أن أكونَ أمينًا للرب عاملا بفرائضِه. ولمْ يأتِ الرَّب ليلغيَ الشريعة بل ليُكَّمِلَها. وقال:” السماء والأرض تزولان، ونقطة واحدة من الشريعة لا تزول”. فتساءَلَ : # إنْ كان تعليم الكنيسة هو الأصَّح لماذا نتمَّسَك إذن بالعهد القديم ؟
الله / الكنيسة ؟
وهل يمكن وضعَ الله والكنيسة قطبًين متعارضَين متنافِسين، حتى يُختارَ بينهما؟. أَ ليست الكنيسةُ جسدَ المسيح السِرّي، هو رأسُها والمؤمنون به أعضاؤُها؟ (اف1: 23؛ 5: 23)، أ ليس المسيحُ ” اللهَ الكلمة” (يو1: 1)، الواحدَ مع الآب ؟(يو10: 30). أ لا تجتهدُ خدمةُ الكنيسة في” بناءِ جسد المسيح، لنصلَ بأجمعنا إلى وحدةِ الأيمان بآبن الله ومعرفتِه، ونصيرَ الأنسانَ الكاملَ فنبلغَ القامةَ التي توافقُ سَعَةَ المسيح “؟ (اف4: 12-13). أ ليسَ المسيحُ اللهَ (يو10: 32)، فكيفَ يُعارضُه جسَدُه ؟. الكنيسةُ تنطقُ بآسمِ المسيح. والمسيحُ وعدَ رئاسَتَها أن يصونَ إيمانها مستقيمًا لا يتزعزع (لو22: 31-32)، ولن يسمحَ لقوى الشر والضلال أن تتغَّلبَ عليها، إذ يُزَّوِدُها بسلطانه الألهي في الحل والربط (متى16: 18-19)، كما يُحّلُ فيها روحه القدوس ليُرشِدَها الى الحَّقِ كله (يو16: 13). الكنيسةُ تُفَّسرُ كلام الله و وصاياه وأحكامَه وتُبَّلغُ بها البشرية جمعاء. فلا يُمكن أن يُعارضَ تعليمُ الكنيسةِ مشيئةَ الله. علينا إذًا أن نفهم ما هي مشيئة الله، كما جاءَت في الوحي، وأن نُمَّيزَها عن مشيئة الناس وأحكامِهم وسُنَنِهم.
من نطقَ في الكتاب المقدَّس ؟
من يتكلم في العهد القديم هو موسى. ينقلُ كلام الله وأحكامَه: الوصايا العشر، مبدأ القداسة والمحبة والعدالة والتقَّيد بها، كما يسُّن وينُقلُ ” بآسم الله” ما يُسَّهلُ تطبيقها عمليًا في السلوك الاجتماعي اليومي. فمثلاً : السبت ، شريعة الطهارة والقرابين التكفيرية أوصى بها موسى إيمانًا أنَّ الله يرضى بها لأنَّ هدفَه كان تسهيلَ دربِ المحبة والقداسة. والدليل على ذلك أنها لم توجد قبل موسى، بينما إدَّعى موسى مُعَّلمُ التوراة أنها ترتقي الى بداية البشرية : مثل راحةِ السبت (تك2: 3؛ خر20: 8-11)، ونجاسة قسم من الحيوانات (تك7: 2). إبراهيم نفسُه لم يعرف بهذه الأمور. إنَّ موسى عرفَ أنَّ أحكامَه وفرائضَه ليست ” كاملة” وسيأتي غيرَه، إشارة الى المسيح (يو5: 46)، يكشفُ لهم الحقيقة وعليهم أن يسمعوا له (تث18: 15-19). والمسيحُ صريحٌ بأنَّ موسى هو الذي سَّنَ الشريعة (يو7: 19).
أمَّا في العهد الجديد فهو اللهُ المتَّجسدُ نفسُه الذي يتكلم.” كلَّمنا اللهُ قديمًا بلسان الأنبياء وكلمنا في هذه الأيام بلسان الآبنِ الذي جعله وارثًا لكل شيء” (عب1: 1-2) فيبَّلغَ كلامَه الصحيح ويعملَ أعماله البنَّاءة (يو8: 27-28). المسيح هو الناطق بآسم الله، والكنيسة بآسم المسيح. والمسيحُ أعلن أنَّه جاءَ الى العالم نورًا(يو12: 46) يشهدَ للحَّق (يو18: 37). وشهدَ بأنَّ شعبَ العهد القديم، شعبَ اللهِ المختار، لم يعرف الله (يو8: 19)، وأنَّه لم يثبُتْ على العهد مع الله (عب8: 9؛ إر31: 31-32)، وفقدَ إمتيازَه إذ لم يُثمرْ بل خانَ العهد (متى21: 43). ومع تجريدِهم عن حقوقَهم إذ لم يوفوا واجبَهم إنتهى زمانُهم وأجيالهم. وبطلَ الألتزامُ بالشريعة الموسوية، مدى الأجيال، لأنه لمَّا سقط العهدُ الأول القديم سقطت معه شريعته وآنتهى سريان مفعولِها. وللعهد الجديد في المسيح شريعتُه الجديدة. وشهد الكتابُ نفسُه أن شريعة موسى كانت ناقصة وخالفت أحيانًا أمرَ الله. ففي مسألة الزواج سمح موسى الطلاق خلافًا لأرادة الله منذ البدء (متى19: 8). كذلك بخصوص الحيوانات الطاهرة والنجسة قالَ الله لبطرس، رئيس الكنيسة، ” ما طَهَّرَه الله لا تُنَّجِسُهُ أنتَ “(أع10: 45). كما أكَّدَ أنَّ أمورًا أخرى كثيرة أخطأَ شعبُ العهد القديم في فهمها وطريقة تطبيقها كالسبت (يو5: 9-10؛ لو6: 6-7) والطلاق والأنتقام وبغض العدو (متى5: 31-48). كمَّلها يسوع فصَحَّحَ ما كانوا يؤمنون به عنها وأعادَ أليها رونقها الروحي.
العهد القديم ظلٌّ ورمز !
جاءَ الوحي في العهد القديم ليُعِّدَ لمجيء المخَّلص الذي سيرعى شعبَ الله للأبد (2صم7: 11-16؛ لو1: 32-33)). والمُخَّلص يأتي ويعمل حسب وعد الله لا حسبَ أحكام الشريعة. وكانت النبوءات وحيًا من الله وعلاماتٍ بها يتعَّرفُ الناس على المخَّلص. فما جاءَ من أحكام خلقية بشكلٍ ناقص كانت ظِلّاً ورمزًا لما سيجري على يد يسوع المسيح بشكل كامل. فالمسيح وشريعته نور العالم (يو9: 5) و وارث الموعد (غل3: 16-18). فالمسيح وتعليمه هو الكاهن الوسيط بين الله والناس، لأنَّ كهنوته إلهي ابدي. وما سبقه ” في الوصّية السابقة نُسِخَ لضُعفِه وقِلَّةِ فائدتِه، لأنَّ الشريعة لم تُبلِغْ شيئًا إلى الكمال، فآستُبدِلَ بها رجاءٌ أفضل منها نتقَّربُ به الى الله ” (عب7: 18-19؛ 8: 6-7).
نتمَّسك بالعهد القديم !
إننا نتمَّسك بالعهد القديم، رغم وجود نقائص بشرية فيه، لأنه كتابُ الله الذي فيه كشف لنا الله عن الخلق، أي بدء الوجود والكون وما فيه من كائنات، وسقوط الأنسان من مجده مع وعد الله بإعادته إليه. في هذا الكتاب نقرأُ من خلال أحداث تاريخية قصة شعب إختاره الله ليُعّدَ بواسطته لمجيء المخلص الموعود، وكيف قاد الله الأحداث ليُحَّققَ مشروعَه. فالكتاب كله يُرَّكز على شخص المخلص المسيح. والمسيح أتى وعاشَ وعملَ حسب المقول عنه كما هو مذكورٌ في العهدِ الجديد. والعهدُ الجديد ينقلُ تعليم المسيح عن طريق رسله وتلاميذه الذين كانوا شهود عيانٍ وسامعين لكلامه (لو1: 1-4). والكنيسة هي المرسَلة من قِبَل المسيح الى العالم أجمع لنقل تعليمه والشهادة على حياتِه (متى28: 19-20؛ أع1: 8). وقد أكَّد يسوع المسيح أنه لن يقبل تلميذًا خارجًا عمَّا تعَّلِمه الكنيسة وتشهد به (متى10: 40؛ لو 10: 16). فالعهدان القديم والجديد كتابُ اللهِ الواحدُ ويُسَّمى ” الكتابُ المُقَدَّس”. الكتاب المقدَّس كلُّه بيتُ الله. العهدُ القديم منه هو الأساسات والجديدُ هو البناء. ولا يُمكن أن يُستغنى عن أيِّ جزء منهما. لا يكتملُ القديم بدون الجديد ولا يُفهَمُ الجديدُ ولا يثبُت بدون القديم. ولا يُفهمُ الكون والوجودُ ولا يُعرَفُ اللهُ بدون هذا الكتاب أو بتحويرِ ما فيه.