أهلا وسهلا بالأخت السائلة.
سألت أختٌ أبَت أن تكشف عن اسمها :
# هل ينفعُ ألا أعترفَ عند الكاهن ؟
# أ لا يكفي أن أعترف فقط بيني وبين الله وأقصد ألا أكرر الخطيئة مرة أخرى ؟
الإعتراف بالخطيئة !
قال الأنجيل عن توبة اليهود على يد يوحنا المعمدان، أنهم كانوا، استجابة لندائه، ” يعتمدون على يده في نهر الأردن معترفين بخطاياهم “(متى3: 6؛ مر1: 5). وأضاف لوقا على نظيريه معلومة أخرى هي أنَّ يوحنا :” كان يدعو الى معمودية التوبة لغفران الخطايا ” (لو 3: 3). الهدف من التوبة هو إذن غفران الخطيئة. والخطيئة لا يقوى على غفرانها الا اللهُ وحده. لما قال يسوع للخاطئة ” غُفرتْ لكِ خطاياكِ” إندهش اليهود فقالوا :” من هذا حتى يغفر الخطايا “(لو7: 48-49). ولما شفى مقعد كفرناحوم قال له :” ثِقْ يا بُنَّيَ، غفرَت لك خطاياكَ”. استنكر الكتبة هذا الكلام قائلين ” هذا يكفر” (متى9: 3). ردَّ عليهم يسوع بأنَّ ” لآبن الأنسان في الأرض سُلطانٌ يغفرُ به الخطايا “، وآرتبكت الجموع ومجدت الله ” الذي جعلَ للناسِ مثل هذا السلطان” (متى9: 8).
نفهم مما تقَّدَم أنَّ الأعتراف بالخطايا هو إفراغُ الذات مما يُشَّوهُها، وعرضُها أمام واحدٍ يقدر أن يغسلها ويزيلها. فالأعتراف هو لأجل الغفران. والواحد هو الله الذي وحده يقدر أن يغسل النفس ويطهرَها من نجاستها ودنسها. و كما قال يسوع أعطى اللهُ البشرَ، في شخص يسوع، سلطان غفران الخطيئة. ومن يتوبُ عن خطيئته يغفرُ له يسوع كما فعل مع الخاطئة والمقعد وغيرهم. لكن يسوع لم يمكث مع رسله سوى ثلاث سنوات. وسَّلم رسالته الى رسله أى الكنيسة. ومع رسالته خَوَّلهم أيضا سُلطانه. فكما أرسله الآب وخوَّله سلطان الغفران، هكذا أرسل يسوع كنيسته وخوَّلها سلطانه. سبقَ وقال لبطرس ، رئيس الكنيسة، ثم للرسل معه، أن ما يحلون أو يربطون على الأرض يحله الله أو يربطه في السماء(متى16: 19؛ 18: 18). كان ذلك تخويلا عاما. وأَّكدُ عليه بعد القيامة عندما سلم مهمته إليهم فخولهم سلطانه :” إني أُوليتُ كلَّ سلطان في السماء والأرض. فآذهبوا وتلمذوا.. وعمدوا.. وعلموا” (متى 28: 19). أكثر من ذلك لقد تحَّدثَ يسوع بالتحديد عن غفران الخطايا بعد القيامة كما ذكر يوحنا :” كما أرسلني أبي أرسلكم…خذوا الروحَ القدس. من غفرتم له خطاياه تُغفر له، ومن أمسكته عليه خطاياه تُمسَكُ عليه”(يو20: 21-23).
كلام صريح ومختلف عما سبقه. للكنيسة سلطان لا فقط ان تغفرَ الخطايا بل وأنْ تُمسِكَ على البعض خطاياهم ولا تغفرها، والله يُثَّبتُ حكمها. بكلام آخر يبدو الله وكأنه يربط الغفران بإرادةِ الكنيسة. أو أقله بخدمتها، أى يستعملُ الكنيسة ليغفر الخطيئة من خلالها وبواسطتها. يبقى الله هو الذي يغفر الخطيئة ولكن سيغفرها، من بعد المسيح، عن طريق الكنيسة. لا أحد يذهب الى الآب ويخلص إلا عن طريق يسوع المسيح، :” أنا الطريق والحق والحياة. لا يمضي أحدٌ الى الآب إلا إذا مَرَّ بي “(يو14: 6). وكذلك لا أحد يصل الى المسيح إلا إذا سمع من الكنيسة ،:” من قبلكم قبلني، ومن قبلني قبل الذي أرسلني “(متى10: 40). وقد وَضَّحها لوقا بقوله :” من سمع منكم سمع مني. ومن أعرضَ عنكم أعرضَ عني” (لو10: 16). الله لن يغفرَ خطيئة الإنسان إذا لم تغفر له الكنيسة ذلك.
لا نستغرب الأمر. لأن الكنيسة ليست سوى المسيح المنظور. مَن يعملُ من خلال الكنيسة هو المسيح نفسًه. فعندما يجلس الكاهن في المنبر ويسمع إعترافَ الخاطيء ليس شخصه الأنساني الذي يسمع ويغفر، بل يعمل ذلك بصفته وكيلا عن المسيح نفسه و بآسمِه. ولما يخرج من المنبر يكون علمه وسلطانه قد بقي مع المسيح فلا يقدر أن يبوح به لأحد. وإذا فعل فسيفقد نعمة ممارسةِ كهنوتِهِ للأبد.
بين الله والتائب !
إذا كان الله قد ربط الغفران بالكهنوت فلن يتم إلا على يد كاهن ندبَتْه الكنيسة لهذا العمل. و يعرف اللهُ ماذا يفعل وكيفَ يتصَّرف. يقول يوحنا الرسول بأنَّ من يدعي محبة الله ولا يحبُ القريب هو كاذب،” لأنَّ الذي لا يُحِبُّ أخاه وهو يراه لا يستطيعُ أن يُحِبَّ اللهَ وهو لا يراهُ ” (1يو4: 20). هكذا كيفَ يتأكَدُ التائبُ من انَّ اللهَ قد غفرَ له وهو لايراه ولا يسمعه بينما لا يعترفُ عند الكاهن الذي يراه ويسمعه، وقد أوكله الله بالمهمة، ويقدر أن يؤَّكِدَ للمُعترفِ إن كانت توبُته صادقة أم كاذبة؟. يقدر الكاهن في المنبر أن يُمَّيزَ بين صدق التوبة وزيفها عن طريق حواره مع الخاطيء وإبداءِ شروط التوبة له، مثل حوار الطبيب مع مريضه ليتأكد من مرضه ويصف له العلاجَ الأنجع. ومثل الحاكم يساعد الكاهنُ التائبَ حتى يقف على حقيقةِ حاله، ويحدد له ماذا عليه فعله. الله يريد أن يغفر للناس عن طريق الكهنوت فهل لدينا نحن مانع؟ وهل ننوي مخالفة إرادة الله؟.
مثال: نويتُ أنا التوبة بيني وبين الله عن سرقةٍ قمتُ بها. وقصدتُ ألا أسرقَ بعدُ. لكن الشيءَ المسروقَ بقي عندي، لأني إذا أعدته الى أصحابِه فسأنفضح. وأنا لا أريد الفضيحة. فترى هل يغفرُاللهُ خطيئتي والمالُ الحرام ما يزالُ في حوزتي؟. ربما أحاولُ إراحة ضميري بصرف قيمته على الفقراء، أو أتبرع بها لمشاريع كنسية و آجتماعية خيرية. ولكن هل يحُّقُ لي أن أعمل خيرًا بمال غيري؟. و صاحبَ المال لم يسترجعْ حقَّه ولا يزالُ يطالبُ به، كما طالبت الأرضُ بدم هابيل (تك4: 10-11)؟. فهل يغفرُ لي اللهُ والمظلومُ يستنجدُ به؟. لا يبدولأنه قال :” أ فما يُنصِفُ اللهُ مختاريه الذين يدعونه ليلَ نهار، وهو الذي يلطفُ بهم؟. بلى. أقول لكم إنه يُسرعُ الى إنصافِهم “(لو17: 7-8). هكذا ليس الخاطيءُ مؤَّهَلاً ليتأكدَ بنفسِه من صدقِ توبتِه، ولا من نيل غفران الله. يحتاجُ الى من يُطمئِنُه على ذلك. وليس جُزافًا أن أوكلَ اللهُ أناسًا ليغفروا بآسمِه بعد أن يتأكدوا من صحةِ التوبة ، ويُوَّفروا للتائبَ راحةَ الضمير. لذا فالتوبة على يد الكاهن هي الطريق الأضمن والأنفع.
هل ينفع الأعتراف أمام الله !
الأعترافُ أمام الكاهن هو أمام الله. هذا ما يُقر به التائب عند تلاوته فعل الأعتراف فيقول :” أعترفُ لله القادر على كل شيء، ولكَ يا أبانا ..”. مع ذلك قد يحدثُ أنَّ خاطئًا يتوبُ ولا يجدُ كاهنًا يعترفُ له بخطاياهُ. فهو يطلبُ المغفرة من الله بتواضع وندامة حقيقية مع القصد في عدم العودة الى الخطيئة. إنَّ الله ينظر الى صفاء نية الخاطيء وظرفه ولاسيما الى مدى عمق حبِ التائبِ له. يبقى التائب غير مرتاح كليا، وعليه فسيعترفُ للكاهن في أول فرصةٍ سانحة. وأما إذا كان في خطر الموت فعندئذ يتكل على الله ويثق برحمته الواسعة. واللهُ قادرٌ على أن يغفرَ للناس بدون الرجوع الى الأعتراف أمام الكاهن. وهذا يُقررهُ الله نفسُه وليس الأنسان الخاطيء.