أهلا وسهلا بالأخ نزار أزهر.
أشكل موضوع الأعتراف والتوبة عند الأخ نزار، خاصة وأنَّ العلمانيين يجهلون، كما يقول، ماذا ” يحدثُ في كرسي الأعتراف”!. وقاده تامُله في توبة زكا العشار(لو19: 1-10) إلى أن الخطيئة تغفر فقط عندما يتم التكفيرُ عنها، برد المال المسروق مثلا إلى أصحابه. و هذا التفكير قاده الى الأقتناع بأن الأعتراف أمام صاحب المال والتفاهم معه يكفي لنيل الغفران. ويُعطي مثال مار بولس الذي يعترفُ لتلميذه طيمثاوس بأنه ” كان فيما مضى مُجَّدفًا مُضطهِدًا شَتَّـامًا ” (1طيم1: 13). و بالنتيجة طرحَ سـؤاله الآتي :
# لماذا نعترفُ عند الكاهن ولا نعترفُ للشخص الذي أذَّيناهُ، و نـنالُ بذلك الغفران من الله ؟
ماذا يحدثُ في كرسي الأعتراف ؟
أمرٌ بديهيٌ وسهلٌ جدًّا أن نعرفَ ذلك إذا اعترفنا يومًا ما. لأننا سنقُرُّ أمام الله في شخص الكاهن بأننا قد أخطأنا. هذا هو ما نؤَّكِدُهُ في صلاة الأعتراف، فنقول:” أعترفُ لله القادر على كل شيء، ولكَ يا أبانا بأني أخطأتُ كثيرًا …”. ثم نُعَّـدِدُ خطايانا. وإذا آقتضى الأمر يناقشنا الكاهن ويستفسر ليعرفَ الحقيقة كما هي. فمثلا عند السرقة يسألُ التائبَ إنْ كان قد رَدَّ ما سرق أم لا. وإذا لم يكن قد رَدَّه يطلبُ منه أن يرُدَّه بأسرع وقت ممكن ويُشَّجعُه على ذلك. وإذا رفضَ التائبُ عندئذ يرفضُ الكاهن إعطاءَه ” الحَّلة”، وكأنه يقول له بآسم الله :” لا أغفِرُ لكَ”. يشبهُ كرسيُ الأعتراف قاعة َ المحكمة حيثُ تتضِحُ الأمورُ ويحكمُ الكاهن بالأدانة أو بالتبرئة. بمعنى سيتأكد الكاهن من صِحَّة الندم والتوبة. والتوبة يعني إصلاحُ ما قد آنكسر، إما أن يكون قد سبقَ وتم أو أن يُصارَ الى إتمامه. التوبة ضرورية لنيل الغفران. وبما أنْ ليس كلُ أنسان قادرًا على معرفة صحة توبتِه، لأنه ليست كل الخطايا واضحة مثل السرقة ولا هو سهلُ التعويضُ عنها مثل حالة النميمة والتشهير بالآخرين، لذا يحتاجُ كثيرا الى مساعدة الكنيسة على يد الكاهن لاسيما في حالات الأمراض النفسية والتخيلات بالجُرم أو بالبراءة. ومنبرُ الأعتراف يساعد على الحفاظ على سريته وقدسيته.
زكا وتوبَته !
أما زكا ، والخطأة أمثاله، فهل كان يقدر أن يحضر أمام كل مواطن غبنه وظلمه بالأخذِ منه ضريبة فوق المفروض؟. هل كان يتذكرهم من كانوا؟. هو موظف ويحضر أمامه مئات المراجعين ، له ربما أسماؤُهم أما عناوينهم فمن يدله عليها؟. مع ذلك وعد أن يُرجعَ المال المسروق. لم يكن قد عوَّض بعده، بل كان نادما في قلبه على تصَّرفِه الخاطيء وتاب إذ قرر أن يُكفِرَ ويُعَّوضَ عن فعلته السيئة. وعلى توبته نال الغفران لا على تعويضه الذي لم يتم بعد. وكل غفران يتم بناءًا على التوبة. وكل توبة تتحَّققُ على أساس قرار التغيير وما يتبعها من المبادرة في الإصلاح. عرفَ الربُ يسوع مسَّبقًا فكرَ زكا وقلبه أنه تائبٌ صادقٌ وأنه سيوفي بوعده لذا دخل بيتَه وأعطاه فرصة أن يعترفَ أمامه بخطأه وتوبته ومن ثمة ينالَ غفران خطاياهُ. وهكذا إعترفَ زكا أمام الله وممثِله وليس أمام من ظلمهم.
واليوم أيضا هذا ممكن، بل ومن المفروض في مثل حالة السرقة، أن يتصل التائب بصاحب الحق مباشرة. والكاهن أيضا يُطالبُ بل ويشترط عليه أداءُ ذلك لينال الغفران. وفي حالة لم تتم الشروط لن يغفرَ الله للخاطيء حتى لو كان الكاهن قد أعطاه الحلة المشروطة. لأنَّ الله يعرفُ النوايا و يفحصُ القلوب. وفي حال الزعل والخلاف بين شخصين أيضا لن يتحقق الغفران إلا عندما تتصافى القلوب وتأخذ عملية المصالحة إجراءَها اللوجستي.
أمام من نعترف ؟
الغفران من الله الذي وحده قادرٌ عليه. ولكن المسيح سَلَّمَ سلطانه على المغفرة الى الكنيسة و ليس الى الناس المظلومين أو المهانين. للرسل قال يسوع بعد قيامتِه:” كما أرسلني الآب أنا أرسلكم. … خذوا الروحَ القدس: من غفرتم له خطاياه تُغفَرُ له، ومن أمسكتم عليه الغفران تُمسَكُ عليه ” (يو20: 21-23). كما قال ايضا : ” يُدعى بآسمِ المسيح في جميع الأمم الى التوبة لغفران الخطايا ” (لو24: 47). فالتوبة والغفران أصبحتا من صلاحية الكنيسة. لم يكتسب البشر هذه النعمة بل الله هو الذي منَّ على الكنيسة بهذه النعمة، وهو الذي يضمنُ أيضا إستمرارَها وعدم إنحيازها لأنه هو حاضر في الكنيسة بمثابة الرأس (أف2: 22-23) و يقودها عن طريق الأعضاء، الوكلاء الكهنوتيين الذين” يحيا فيهم” (غل2: 20).
هذه الشراكة في الغفران تقوم على أساس أنَّ الأنسان صورة الله.لأنه ليس المظلومَ والمهانَ الأنسانُ فقط بل كل خطيئة هي ضد الله بقدر ما هي ضد الأنسان. يقول الرب :” ما فعلتموه لأخوتي الصغار لي فعلتموه. وما لم تفعلوه لهم لي لم تفعلوه “(متى 25: 40-45). كما قال ايضا :” من لم يسمع منكم لم يسمع مني”(لو10: 16). فالخطيئة والبر في العلاقة مع الناس تصيبُ الله أيضا. فلا يكفي أن يُعَّوضَ التائبُ للإنسان الذي ظلم بل يجب أن يكتملَ تكفيره فيعوضُ لله أيضا. كل إهانةٍ وسوء للبشرتُقَّللُ من قيمة محبة الخاطيْ لله وبالتالي من إكرامِه. فإذا تصالح الخاطيءُ مع غريمِه الأنسان كيفَ يتصالح مع الله ومن يضمنُ له ذلك الصلح؟. الأنسان لا يقدر على ذلك. الكنيسة موكلة على ذلك بسلطانها الكهنوتي. لذا فالكهنة وحدهم يقدرون سماع الأعترافات وإعطاء حلة الغفران، لا بقوة شخصهم بل بقوة كهنوتِهم.
وليست كل الخطايا إساءَةً مباشرة للأنسان. تقديس يوم الرب مثلا بالتوقف عن العمل النفعي والأشتراك في ذبيحةِ القداس لا إساءة فيه للناس. إنها مخالفة مباشرة لمجد الله وكرامته.عدم الأعتراف ولو بالسنة مرة وكذلك التناول لا إهانة فيها للناس بل خسارة مباشرة للذات و مخالفة صريحة لوصايا الكنيسة وبالتالي الأستهانة بالأستجابةِ لدعوةِ اللهِ الأنسان الى القداسة (متى5: 48؛ 1تس4: 3-8؛ 1بط1: 15؛ أح19: 2). فبمن من الناس يتصلُ الخاطيءُ و يعترفُ أمامه بخطأه؟. وماذا يستطيعُ أن يفعلَه له المؤمن العلماني الخالي من سلطة الغفران ؟. الكاهن وحده يقدر أن يُعلن له غفران الله.
أما ما كتبه بولس لتلميذه طيمثاوس (1طيم 1: 13) فليس إعترافًا أمام من إضطهَدَ وقتل و عَذَّبَ أو شتم ، ولا كان إعترافُه لنيل الغفران، ولا نحن قادرون أن نغفر له. بل يشرح كيفَ حصلت دعوتُه و كيف إنقلبَ من خاطيءٍ الى رسول بقوة ” رحمة الله وآختيارِه بالنعمة المجانية “، وذلك نموذجٌ لعمل الله لا لِعمل الأنسان. فيقول بعد بضع آيات مما ذكرنا أعلاه : ” فإني ما نلتُ الرحمة إلا ليُظهِرَ يسوعُ المسيحُ طول أناتِه فيَّ أولاً ويجعلَ مني مثلاً للذين يؤمنون به لنيلِ الحياةِ الأبدية “(1طيم1: 16).
تخالفون وصية الله من أجل سُنَّتِكم !
هكذا ردَّ يسوع على الكتبة والفريسيين الذين تهموا تلاميذه بعدم التقَّيُد بسُنَّةِ الشيوخ (متى15 : 3). الأعترافُ أمام الكاهن هو من تنظيم الكنيسة. والكنيسة من تأسيس الله وسلطانها من سلطان الله المُخَّوَلِ أيضا إليها. قال متى:” دعا يسوع تلاميذه .. وأولاهم سلطانًا يطردون به الأرواحَ النجسة ويشفون الناس من كل مرض وعلة ” (متى10: 1) جسدية وروحية. و سلطان الله غير محدود ومثله الكنيسة لأنها تعمل بآسمه ومعه. هذا ما يؤكده يسوع :” إذهبوا ، تلمذوا جميع الأمم، عمذوهم ، وعلموهم أن يحفظوا كلَّ ما أوصيتكم به ، وها أنا معكم طوال الأيام ..”(متى28: 19-20). وهذا هو ما تفعله الكنيسة وتوصي به. وهلْ يليقُ بنا أن نخالفَ مثلَ الفريسيين فنهمل وصية الله ونفعل ما يمليه علينا فكرنا القاصر ونتبع إغواءات ابليس عدو الأنسان؟.