للعلم : بسبب تأّخُّر عيد القيامة إلى بعد 20 نيسان إقتضى الأحتفال، هذه السنة، بثمانية آحاد بين الدنح والصوم. وبسبب وجوب إقامة صلاة الباعوثة ثلاثة أسابيع قبل الصوم ، وآرتباطُ الباعوثة بالأحد الخامس للدنح وإلزامية تلاوتها بعدَه، عليه نُظِّمُ الطقس بتسبيق صلاة الأحد السادس للدنح على الخامس، وبإضافة أحدٍ ثامنٍ وُضِعَتْ له صلاته الخاصة مع الأسبوع الخاص منذ بداية تنظيم السنة الطقسية. وقد وقع سهوٌ في كتاب الحوذرا حيث ذكرَ بأنَّ الأحد الثامن يُصَّلى كل 25 سنة مرَّة. في الواقع يُصَّلى كلَّما وقعت القيامة بعد 20 نيسان. وقد حدث ذلك قبل ثمانية سنين أي سنة 2011م، وسيحدث سنة 2030م و2038م و2041م ، إذا لم يحدُث جديد في الكلندار أو طريقة تعييد القيامة.
تتلى علينا اليوم القراءات : اش63: 7-16 ؛ عب8: 1-7 ؛ يو3: 22-23
الرسالة : عبرانيين 8 : 1 – 7
يُتابعُ الرسول خُطَّتَه وحُجَجَه لإظهار تفَوَّقِ كهنوت المسيح وعهدِه على العهد القديم و كهنوتِه. على يد موسى شمل العهدُ حضورَ الله لدى الشعب مع رعايتِه وقيادتِه. ورمز إلى ذلك نصبُ خيمةِ الأجتماع ( أو خيمة الشهادة ) وتقديمُ القرابين. لكن موسى لم يُقِم خيمةً على ذوقِه وحسب علمهِ أو هندسةِ زمانِه. بل قال الكتاب :” أُنظر وآعمل كلَّ شيء على المثال الذي أريتُكَ إيَّاهُ على الجبل” (آية5؛ خر25: 40؛ أع7: 44). فما صنعه موسى كان رمزًا وظلاًّ لما سيتحَّققُ على يد المسيح، خيمة حضور الله الحقيقية ومُقَّربُ الذبيحة الكاملة التي عنها رضيَ الله (متى17: 5).
الخيمة التي نصبها الرب !
ولد موسى بشكل طبيعي مثل كلِّ الناس. أما ولادة المسيح فلم تكن كذلك. لم يولد المسيح من زرع بشري. بل” الروحُ القدُس يحُّلُ عليكِ وقدرةُ العلي تُظَّلِلُكِ، لأنَّ المولودَ منك قُدّوسٌ وآبنَ الله يُدعى” (لو1: 35). فمهندسُ خيمةِ الله هو الله نفسُه، هَيَّأَ لنفسِه مسكِنًا يليقُ بجلالِه . وهيكلاً يحُّلُ فيه. هيَّأَ صورتَه الأنسانية ليُقيمَ فيها. فيسوع نفسُه هو خيمةُ إقامةِ الله بين البشر . وقد أكَّدَ يسوع ذلك فقال :” من رآني رأى الآب “، أو الله. وقد تيَّقن الرسلُ من ذلك و شهدوا أنَّ الحياة التي كانت تحيا وتعمل أمامهم لم تكن سوى الله، حالًّا في الناسوت (1يو1: 1). فسمَّى الرب يسوع ذاتَه ” هيكلا” لله؛ ” إنقضوا هذا الهيكل وأنا سأبنيه بثلاثةِ أيام” (يو 2: 19). تجَّلى الله في المسيح. لأنه كان مقيمًا فيه بشكل ملموس. ويحُّلُ الله في كل مؤمنٍ به يُحّبُه ويحفظ كلامه (يو14: 23). كان موسى وكيلاً فقط، ويُبَّلغُ فقط كلام الله الى الشعب ” إقترب أنت وآسمع جميع ما يقوله الرَّبُ إلهُنا، وكَّلمنا بجميع ما يُكَّلمُك به، فنسمع ونعمل به” (تث5 : 27؛ خر20: 19)، أما يسوع فكان يتكلمُ ويُعَّلمُ كمن له سلطان (متى7: 29) ، فيقول “: قيل لكم .. (في الشريعة)، أما أنا فأقولُ لكم ..” (متى5: 21-48؛ 6: 1-18). كان يتصَّرفُ كإلَـه. فأصَّرَ الرسول على عدم إعتبارِ يسوع المسيح إنسانًا فقط منَّ عليه الله نعمةً خاصَّة وكلَّفه بتأديةِ خدمةٍ إنسانية محدودة ينتهي معها دوره. سبق وأكَّد الرسول أنَّ خدمة المسيح الكهنوتية أبديةٌ لا تزول ولا ينتهي مفعولها (عب7: 16-17). لذا حسمَ الأمر منذ البداية بقوله: ” لنا رئيسُ كهنةٍ عظيمٌ جلسَ عن يمين عرشِ الجلال في السماوات” (آية1). إنَّه خيمةُ الرب لأنَّ المسيح، كما سبق وأعلنه الرسول منذُ بدء الرسالة، هو” بهاءُ مجدِ الله وصورة جوهرِه، يحفظُ الكونَ بقُوَّةِ كلمتِه ” (عب1: 3).
للمسيح خدمةٌ أفضل !
مع السُمُّو الألهي لشخص المسيح وتفَوُّقِه على شخص موسى يُرافقه أيضًا تفَوُّقه في الخدمة التي هي مرتبطة بعهدٍ جديد عقده الله مع البشرية. كان وعد الله في العهد الأول أن يُدخل الشعب إلى راحةِ أرضِ الميعاد. لكنَّ تلك الراحة لم تكن كاملة ونهائية، بل كانت مدخلاً رمزًا وإعدادًا للمرحلة الأخيرة وهي العودة الى الفردوس المفقود والتمتع مع الله بسعادةٍ و راحةٍ وهناء كما كان الأمرُمع أبوينا الأولين قبل أن يخطآا. والعودة إلى تلك الراحة تقتضي دفع الثمن عن الخطيئة القائمة ونيل الغفران عنها. هذا لم يتم على يد موسى لأنَّ خدمته لم تهدف هذا بالذات بل هَيَّأت له فقط. فالعهد الأول كان ناقصًا. ولو لم يكن ذلك العهد ناقصًا لما بادر الله الى عقد عهدٍ جديد. لم يقل عن موسى” هذا ابني الحبيب الذي به سررتُ له آسمعوا”. بل قال موسى :” يقيم لكم الرب إلهكم نبيًّا مثلي.. له آسمعوا” (تث18: 15). كان موسى أحد الموفدين الى الشعب/الكرم ليفلحوه ويُزَّبلوه. لكن الكرم لم يُثمر عنبًا بل حُصرُمًا (اش5: 4). أما المُوفَدُ الموعود، المُخَّلِصُ المُوحَى عنه فكان ” الأبنَ الوحيد لله”، وجاءَ آخر الموفدين(متى21: 37)، ليُكَّملَ النبوءات ويقطفَ قمارَها الفدائية فيتمَجَّد (لو24: 25-27) ، لأنَّه هوالذي” سيضعُ الفأسَ على أصل الشجر.. ويُحاسبُ .. ويأخذُ بيده مِذراتَه ويُنَّقي بيدرَه ..” (متى3: 10-12). الأنسان كان قد أخطأ لا الحيوان. ولا مقارنة بين قيمة الأنسان والحيوان. فلن يُكَّفرَ شيءٌ عن خطيئته سوى ” دم الأنسان”. دمه وحدَه يقدر أن ينال الغفران، لأنه يشتركُ بطبيعتِه و حياتِه. ولأنَّه ” ما من مغفرةٍ بغيرِ إراقةِ دم “(عب9: 22). فأصبح المسيح، بإراقةِ دمه فديَةً عن إخوتِه البشر،” الوسيط الوحيد بين الله والناس، لأنه جادَ بنفسِه فدًى لجميع الناس” (1 طيم2: 5-6)، وليس فقط لشعب واحدٍ مُحَدَّد. إذا كان موسى قد حَرَّرَ بني إسرائيل من نير عبودية مصر بدعمٍ أساس من الله، أمَّا المسيح فقد حَرَّرَ البشرية جمعاءَ من عبودية ابليس و الكبرياء التي بها أغوى الأنسان الأول، أصلَ الأنسانية كلِّها. فالمسيح قَدَّمَ للأنسانيةِ خِدمَةً لم يكن بوسع موسى أن يُفَّكرَ في القيام بها، بل حتى ولا أن يحلمَ بها. ولهذا فخدمة المسيح أفضل من خدمة موسى بل وتفوقُ خدمة الأنبياء مجتمعين، لأنهم كانوا بشرًا مُشَّرَدين فقراء ومشلولين ، أما يسوع فهو” صورة جوهر الله ” و” المسيح الرَّب ” (أع2: 36). ذبيحةِ المسيح بطاعتِه وإراقة دمه مفعولها أبديٌ لا تحتاج إلى تكرارها مرات مثل ذبائح العهد القديم بدماء الحيوانات، تُبَّررُ الأجيال البشرية قاطبةً من آدم وإلى آخر إنسانٍ يولَدُ على الأرض. لأنها تمَّت بطلبٍ ألهي وبطاعة الأنسان، ولأنَّها يمكن تأوينُها، أيضًا بإرادة إلهية وبتوصيةٍ مُثَّبتة، على مَّر الأزمان وفي كلِّ بقاعٍ الأرض ليتمَّكن كلُّ إنسانٍ أن يتناولَ من ثمرها ويحيا للأبد في فردوس الراحة الألهية.