تتلى علينا اليوم القراءات : اش1: 1-9 ؛ 1كور7: 1-7 ؛ لو10: 25-37
الرسالة : 1 كورنثية 7 : 1 ـ 7
كتب بولس هذا الفصل من رسالته جوابًا على أسئلةٍ وجَّهَها إليه الكورنثيون، تخُّصُ الجنس والزواج. وفي النَّص المقروء اليوم رَّدَ بولس على ما يبدو على أسئلة : لماذا الزواج ، حرية العلاقة الجنسية ، الأمتناع عن العلاقة ، بين البتولية والزواج.
لماذا الزواج ؟
يبدو جواب بولس في البدء غريبًا إذ يقول ” يحسُنُ بالرجل ألا يمُّسَ آمرأةً “. وكأنه يُحَّرمُ الزواج. كأنه يجهلُ، حتى لا أقولَ يرفُضُ، مشيئة الله عند الخلق إذ قال للزوجين الأولين :” أُنموا وآكثروا وآملأُوا الأرضَ” (تك1: 28) وباركَ عملية الأنجاب. لو كان الأنجابُ شَرًّا لما نظم الله نمو البشرية بهذه الطريقة. إنَّ ما يُثَّقلُ على ذهن بولس هو ما يُلاحظُه من الزلل و الخلل السائد في سوء إستعمال الطاقة الجنسية. لقد شَوَّهها الأنسان وحَرَّفها مُبعدًا إيَّاها عن هدفها الأساسي حاصِرًا إيّاها في الشهوة، ومعتبرًا إيَّاها هدفَه الأول. بينما الجنسُ وسيلةٌ و ليس هدفًا لذاتِه. وعندما سيتكلم عن العُّزابِ والأرامل سينصحهم بالزواج قائلاُ :” وإذا لم يطيقوا العفاف فليتزَّوجوا، فالزواجُ خيرٌ من الأِحتراق بالشهوة ” (7: 9). وقال في الآية الأولى” ولكن خوفًا من الزنى فليكن لكل رجلٍ إمرأتُه ولكلِّ إمرأةٍ زوجُها”.
يقيسُ بولس الأمور في صورة خلقها. الأنسان روحيٌ صورة لله. ولا جنسَ في الروح. وبعد الموت لن يكون زواج ولا متعة جنسية في الحياة الأبدية. بل كما قال الرب” يكون الرجال و النساء كالملائكة في السماء” (متى22: 20-21). وفي هذه الرؤية يكون الجنسُ أحيانًا عِبئًا أكثر من راحة. ومن هذا المنطلق قامت بِدعٌ تحَّرمُ الزواجَ كليًا، لأنَّه بالتالي سينتهي ولن يحتاجَه الأنسان. وإن كان بولس قد قبل بزواج الأرامل إِلا إن الكنيسة لم تُشَّجع الزواج الثاني ونصحت كثيرًا بعدمه والتفَّرُغ لله وللحياة الروحية. إنَّ كاتبًا مسيحيًا من القرن الثاني يرفض الزواج الثاني علنًا ورسميًا بحجة أن خبرة الزواج الأول كافية لتردع الأرامل من المغامرة في إقامة علاقةٍ جديدة. ولا زالت بعض الكنائس الشرقية تُصَّعبُه الى اليوم.
همُّ بولس ألا يُصبح الزوجان عبيدًا للجنس ولا يُخرجانِه عن إطاره الجوهري : الأنجاب. يكتب بولس بعدما لاحظ جرحَ الأنسان ورخاوتَه في مقاومة الشهوة، وبعدما عالج حالة زنًى مشؤومة تطرقنا اليها في الأحاد الماضية. ربما برزت هذه الأسئلة ذاتها نتيجة ذلك الحادث والصرامة التي أبداها بولس في إقصاء الزاني عن الجماعة. تفاعلاً مع كل هذه الأسباب ردَّ بولس بصراحةٍ أنه لولا لجوء الناس الى الزنى لكان عدم الزواج أفضل لاسيما عند وجود مشاكلَ أو حالاتٍ خاصَّة. أما الزواج في ذاتِه فيعترف بولس أنه ” دعوة من الله “، وبالتالي مُكَرَّمٌ ومُقَدَّس. فنفهم من جواب بولس أنَّه مُهتَّمٌ بـ” غير متزوّجين” بشكل خاص فينصحهم بالزواج إن لم يقدروا أن يُسيطروا على أهوائهم فيتعَّففوا.
حرية العلاقة الجنسية !
وبعدما ثبَّتَ مبدأ الزواج وهدف العلاقة الجنسية عالج بولس مشكلة ” الحب الحُّر”، أي عدم التقَّيد بشريك الحياة حصرًا. من آلاف السنين قبل بولس شاهد العالم أناسًا يرفضون التقَّيد بشريك واحد، وبالتالي رفضوا مؤسسة العائلة، بحجة حرّيتهم في أن يعيشوا ويستعملوا أعضاءَهم كما يلُّذُ لهم، فيُغَّيرون شريكهم متى شاؤوا، أو يشاركون ثالثًا في حياتهم. ليس لديهم فكرة العائلة كما أرادها الله. وفي مؤسسة الله ليس الجنس هو الذي يُكَّون العائلة بل هي العائلة التي تُعطي الضوء الأخضر للجنس لتعيش براحة وتكمل مشيئة الله بالأنجاب. ولأنَّ الرجل والمرأة يشَّكلان إنسانًا واحدًا يُثَّبتان وحدتهما بالعلاقة وبالأنجاب. فيكونان صورة الله في إنماء الحياة وتوسيع رقعتها. والطفل ثمرة وحدتهما بالفكر والقلب قبل الجسد. أما الحب الحر إمَّا لا ثمر له، أو يصبح غريزيًا كالحيوان لا عقل فيه ولا قلب ولا إرادة. لذا وحتى لا يسود الجنس الحياة، ولا تتكاثرالأنسانية مثل حيوان الغابة، أكَّد بولس أن الجنسَ ليس مربوطا بهوى كل شريك بل بطبيعة الزواج. وحتى يتكامل الشريكان يتنازل كلُّ واحدٍ عن إرادته و راحتِه الخاصَّة ليُحَّققَ ويوَّفرَ لشريكه السعادة والراحة. ذلك لأنه يُحِّبُه ويعمل كلَّ ما بوسعه من أجل إسعادِه. فيتنازلُ له عن جسده. وتقول الكنيسة أنهما” يتبادلان موهبة الذات” ويصون كل واحد منهما أمانة الحب والوحدة.
بالعلاقة والطفلِ تصبح إنسانيتهما وحدة كاملة. فقد أصبح جسد الشريك الواحد مُلكًا للآخر يتصَّرف به. وفي هذه الرؤية ليس الشريكُ حُرًّا أبدًا أن يُسَّلمَ جسدَه لآخر غيرِ شريكه. وإذا فعل فقد زنى. وبالزنى يفسخ الزواج ويُفَّرقُ ما قد وحَّده الله. لذا حَرَّم الله الزنى إذ قالَ :” لا تـزنِ “. والزاني ينال عقابه إذا لم يتب. وعليه تُحَّرمُ الكنيسة كلَّ علاقةٍ جنسية خارج الزواج بأي شكلٍ أتت، تدعوها الكنيسة ” رغبات منحرفة ” مثل : الفجور، الأستمناء، الفسق، البغاء ، الأباحية، الأغتصاب، التسَّري أو التعَّري، وحتى الأختبار في فترة الخطوبة. ليس الأنسان من أوجد الجنس أو إخترعه حتى يتصَرَّف به براحته. ولا هو إقتناه بماله أو بعرق جبينه حتى يلعب به أو يبيعه لمن يشاء. إنه خيرٌ من خيرات الله يتأصِلُ ويتجَّذرُ في الزواج. ولا يحُّق للأنسان أن يتلاعب بخيرات الله أو أن يُسيءَ إستعمالها خارج إطارها وخلافًا لنظامها. كما لا يحُّقُ لأحد أن يستولي على خيرٍ لغيرِه. ومبَرِّرُ هذا الكلام يجده مار بولس، والكنيسة من بعده، في الطهارة التي يتمَّيز بها المسيحي، والتي يلتزم بها، لأنه في المعمودية ” قد لبس المسيح ” (غل3: 27).
الأمتناع عن العلاقة !
مشكلة أُخرى عالجها بولس، وما تزال قائمةً إلى يومنا في عوائل كثيرة، هي الأمتناع عن العلاقة وحرم الشريك منها. يقول بولس ذلك ممكن ولكن بشرط أن يتّم بآتفاق الطرفين، لا بقرار طرفٍ واحد، وذلك لأسباب ولفترةٍ معقولة تُبَّرر هذا التوقف عن العلاقة. ذكر منها مناسبة روحية أو دينية والتفرُّغ للصلاة أو للترَّوض. وقد نصح تلميذه طيمثاوس أن يُرَّوضَ نفسَه في التقوى” لأنَّ فيها خيرٌ لكل شيء، ولها الوعد بالخيرات الحاضرة والمستقبلة ” ( 1 طيم4: 8). وهذا يعني أنَّ مُبَّررَ الأمتناع وهدفَه أسمى من الخير المادي الحِسّي الذي تُشَّكله لَذَّةُ الجنس. و إن كان الأمتناع لا يأتي من إرادة الشريك بل من حالته الصحية مثلا، أو عوقٍ حدثَ له بدون إرادته، عندئذ يجب أن يخضع الشريك الصحيح والبريء للأمر الواقع وأن يشتركَ مع شريكه في تحَّمل المصيبة. أمَّا في غير ذلك، أو عند الأنفراد بالقرار لا بآتفاقهما معا يُعتبَر مخالفًا لشريعة الله. على أية حال يبقى الأمتناع ” جائزًا ” لا فرضًا. وأيضًا نابعًا مما قلناه أعلاه أي ليس جسد أيِّ واحد منهما مُلكَه بل لقد أهداه لشريكه فلا حَقَّ له بعدَه عليه حتى يمنع عنه من قد أصبحَ فعلا صاحِبَه الحقيقي.
البتولية !
ورُبَّما أهم موضوع هو البتولية وإن كان بولس قد عالجه بآختصار شديد. لكنه سيعود إليه بعده في الجواب على أسئلة أخرى. ورُبَّما أيضًا سُئِلَ بولس ” لماذا أنت لم تتزوَّج”؟. جاء أولُ ردِّه عفويًا ” أتمنى لو كان جميعُ الناس مثلي”. أي يفتخرُ بحاله الذي رُبَّما يحتقره غيرُه أو أقله يستغربُه لأنه يراه شَاذًّا عن نمط الحياة السائدة في المجتمع. وبعد رسالته هذه سيفتخرُ من جديد أمام حاكمٍ كبير، إنمَّا هذه المرة بإيمانِه. سيُرُّدُ على الملك أغريبا الذي قال له:” زِدْ قليلا من الجهد تجعلُ مني مسيحيًا”، ويقول :” سواءٌ لدَّيَ القليلُ والكثير، وأنا لا أرجو من الله لكَ وحدَك بل لجميع الذين يسمعوني اليوم أن يصيروا إلى ما أنا عليه، ما عدا هذه القيود” ( أع 26: 28-29).
ورُبَّما أهم موضوع هو البتولية وإن كان بولس قد عالجه بآختصار شديد. لكنه سيعود إليه بعده في الجواب على أسئلة أخرى. ورُبَّما أيضًا سُئِلَ بولس ” لماذا أنت لم تتزوَّج”؟. جاء أولُ ردِّه عفويًا ” أتمنى لو كان جميعُ الناس مثلي”. أي يفتخرُ بحاله الذي رُبَّما يحتقره غيرُه أو أقله يستغربُه لأنه يراه شَاذًّا عن نمط الحياة السائدة في المجتمع. وبعد رسالته هذه سيفتخرُ من جديد أمام حاكمٍ كبير، إنمَّا هذه المرة بإيمانِه. سيُرُّدُ على الملك أغريبا الذي قال له:” زِدْ قليلا من الجهد تجعلُ مني مسيحيًا”، ويقول :” سواءٌ لدَّيَ القليلُ والكثير، وأنا لا أرجو من الله لكَ وحدَك بل لجميع الذين يسمعوني اليوم أن يصيروا إلى ما أنا عليه، ما عدا هذه القيود” ( أع 26: 28-29).
إنَّ مملكة الله على الأرض تحتاج الى البشر، لذا نظم الله الزواج ودعا الأنسان إليه فالأنجاب. لكن مملكة الله الأساسية هي الحياة الأبدية والتمتع مع الله بالمجد والراحة. والناسُ كلُّهم مدعوون إلى الأتّجاه نحوها. وهؤلاء بحاجة الى من يُرشدهم الى سبيلها، ويُجَّسدَ لهم نموذَجَها . فأختار الله الأنبياء في العهد القديم، ومنهم إرميا. وفي العهد الجديد أيضًا إختار أفرادًا دعاهم الى متابعة عمل المسيح الفدائي والتعليمي. وبما أنَّ في السماء لا وجود للزواج ولا حاجة للأنجاب (متى22: 30)، فأقتضى أمرٌ جديد أن يعيش تلاميذ المسيح ورسله حياة السماء هنا على الأرض. من الآن يتبعون نظام حياة السماء فيتبَّتلون. ويكونون بذلك مثالاً يُغَّذون رجاءَ المسيحيين، بل كلِّ الناس في حياة المجد والراحة. وسيُعطي المُبَّررَ والهدف من البتولية في الجزء الأخير من الفصل عندما يُطالب الجميع أن يعيشوا من الآن كمواطني السماء، ” المتزوجون كالذين لا نساءَ لهم …لأنَّ صورة هذا العالم في زوال”. وهنا يبَّين مبرِرَّه :” غير المتزوج يصرفُ همَّه إلى أمور الرب والوسائل التي يُرضي بها الرب. والمتزوج يَصرفُ همَّه إلى أمور العالم والوسائل التي يُرضي بها إمرأَتَه ، فهو منقسم. ومثله المرأة مع الرب أو مع زوجها… وأنا أُريدُ أن تتَّصلوا مع الرب إتّصالاً غير منقسم ” (7: 29-35).