الفكرة الطقسية : الصومُ طريقُ الحـياة !
تتلى علينا اليوم القراءات : اش58: 1، 6-9 ؛ خر34: 1-7، 27-35 أف4: 17-24 ، متى4: 1-11
القـراءة : إِشَعْيا 58 : 1 ، 6 – 9 :– ليس الصومُ الحقيقي بالإنقطاع فقط عن الطعام، بل هو بالأخَّص إنقطاعٌ عن الشَّر، وآتباعُ سبيل الحَّق ، وممارسةُ أعمال المحَّبةِ والفضيلة.
القراءة البديلة : خروج 34 : 1 – 7 ، 27 – 35 :– لمَّا نزلَ موسى من الجبل بعدَ كتابة لوحتي الوصايا مرَّةً ثانيةً، شَعَّ وجهُه من جَرّاءِ لقائِه مع الله خافَ من الشعب فغَطَّى وجهه بحجاب، فَسَّرَه مار بولس أنه يرمُز إلى ما حجبَ قلب اليهود عن معرفة الله على حقيقته (2كور3: 7-16).
الرسالة : أفسس 4 : 17 – 24 :– دعوةٌ إلى السلوكِ الجَيِّدِ اللائقِ بالمؤمن، وإلى التَجَّدُد بالروحِ والفكر، والعيشِ في الحَّق والصِدقِ والسماح.
الأنجـيل : متى 4 : 1 – 11 :– بعد ما صام يسوع جَرَّبه ابليس بشهوةِ البطنِ والجاهِ والمال. لكنَّ يسوع خَيَّبَه بقوة الروح القدُس، وتأثير الصوم الذي تدَرَّبَ فيه على كسر إرادتِه الخاصَّة وآتّباعِ صوتِ ضميرِه.
مدخل الى الصوم !
نبدأُ اليوم الصومَ الأربعيني، ونَدعوهُ ” صومَ الرَّب ” لأننا نصومُ إقتداءًا بيسوع ومعه و لأجله لنكون أقربَ إليه من قبل. نصوم عن الطعام ونتَدَّربُ بذلك على الصوم عن الشر و مقاومة تجارب ابليس وأعوانه. نرافقُ يسوع أربعين يومًا في” إختلائِه الروحي” لنتعَّلم منه كيف نعيش مع الله. نبدأُه اليوم وننهيه في الخميس عشِّيةَ تذكار قيامة لعازر، أربعين يومًا من ضمنها الآحاد. يوم جمعة لعازر نفطر مع يسوع ونفرح ونبدأ مع السعانين الأحتفال بأعظم أعياد يسوع خلال أسبوع الفصح، بدءًا بملوكيتِه يوم السعانين، ثم عيد الكهنوت
يوم خميس الفصح، فعيد الفداء يوم جمعة الآلام، ونُكَّلِلُها بعيد القيامة، عيد الأعياد ثمانِي ِّ الأَيّام. إنتصرت الأنسانيةُ في شخص إبنها البار يسوع على ملك الشَّر والفساد وآستعادت كرامتها لتشُّعَ صورة الله القدوسة والجليلة. نصومُ اُسبوع الآلام لأنَّنا حصلنا على هذا المجد بآلام يسوع وذبيحةِ دمه فِديةً عنّا. فنتأَلَّمُ ونبتهجُ في آنٍ واحد مع يسوع المسيح.
روح الصوم !
تطلبُ الكنيسة الصيام، وتُحَّددُ أنواعَه وأزمانَه، وتُشَّدِدُ على الصيام عن الشَّر والفساد. صوم فقط عن الطعام مع سيرة قبيحة لا ينفع إذ لا يبني الحياة الألهية داخل الأنسان، ينبُذُهُ اللهُ و ترذله الكنيسة. وما تعرُضُه الكنيسة علينا من صيامٍ وتوبة تُقَّدمُه وسيلةً وسِلاحًا لنتقَّدَسَ لكي نشترك في مجد الله. لنكون” آلِهة ” في تصَّرُفاتِنا. وما تطلبُهُ منا الكنيسة أن نتقَيَّدَ به ليُصبحَ المسيحيون في العالم واحدًا في المسيح نتضامن ونتقَدَّس معًا مع المسيح نبع القداسة. لذا من الواجب الألتزام بما تطلبه كأُم من أولادها، وعن محَّبة، مُعَّبرين بذلك عن تمَّسُكِنا بالمسيح. أمَّا ما تدعُه حُرًّا لآختيارنا فكل واحد يعمل ما ينفعه ويقدرُ هو عليه.
تُرَّكزُ الكنيسة على أن نثِقَ بكلام المسيح القائل :” لا تهتموا بما تأكلون وبما تشربون وبما تلبسون .. إهتموا أولاً بملكوت الله وبِرِّه وهذا كله يُزادُ لكم “(متى6: 31-34). هذا روح الصوم : عدم الأهتمام الزائد بالطعام كأنه هدف الحياة، بل التعامل معه كوسيلة فقط للحياة، وتناوله صيانة للحياة الزمنية من أجل الجهاد في سبيل الحياة الأبدية ،” إكنزوا لكم كنوزًا في السماء ” (متى6: 20).
الأحاد والصوم !
الأحد ذكرى قيامة يسوع، يوم فرح، لا تفرضُ الكنيسة صومًا فيه. أما الأنقطاع عن اللحم فكان سابقًا يشمله إلى يوم القيامة. ويسوع صام أربعين يومًا بلياليها، بسبوتها وآحادها، عن كلِّ أنواع الأطعمة. ومنعت الكنيسة الصيام يوم الأحد فقط عندما ظهرت بدعة ” المانويين” والتي دعت إلى إحتقار الأحد والقيامة، وإلى الصيام فقط أيام الآحاد تكفيرًا عن شَّر الأحد لأنَّ فيه ستتمُ نهاية العالم. ولإعلان دجل هذا التعليم ولمقاومة الهرطقة إلتأَمَ مجمعٌ في مدينة غنغرا سنة 330-335م وقرر في قانونه رقم 18 أنْ لا صيام في الأحد، وأنَّ من يصومُ في الأحد إحتقارًا له يكون محرومًا ولا نصيبَ له في ملكوت السماء. وقُضِيَ هكذا على االبدعة . وبعد آختفاء البدعة عادت الكنيسة تسمح بالصيام حتى يوم الأحد لمن له نذرٌأو رغبة دينية محضة لعدم إنقطاع صومه مدة خمسين يومًا ويُقَّدسُ الأحد. هذا أقَّله من الجيل العاشر. يشهدُ على ذلك الكاهن والعلامة الشهير أبو الفرج عبدالله إبن الطَّيب (+1043). يقول:” إنَّ المؤمنين يتناولون في قداس الأحد، حتى لوصاموا. فإذا جرت العادة أن يصومَ أحدُهم الدهرَ، فإن صاموا يوم الأحد ليختموا القربان بقليل من حنان أو يسيرٍ من الماء، أو يأكلون قبلَ غروبِ الشمس فلا يُنقَضُ القانون” (فقه النصرانية، جزء2، لوفان1957، ص89).
معرفة يسوع المسيح !
إستَهَّلت رسالةُ اليوم بدعوة المؤمنين ” ألا تسيروا بعدَ اليوم ـ بعدَ أن عرفوا المسيح !ـ سيرة الوثنيين” أي الإستسلام للأهواء والشهوات الدنيوية. ودربُ الأهواء تمَّيَزَ به “الأنسانُ القديم ” الذي لم يعرفِ الله ولا أَحَّبَه. لأنَّ الأنسان القديم طلب الغِنى، وتباهى بأمجادِه، وآفتخرَ حتى تمادى في تلبية الشهوات الجسدية. تركَ الروحَ جانِبًا. فطلب الرسول أن يتخَّلوا عن التَفَّرُد بالحواس وأن يتجَدَّدوا ” روحًا وذِهنًا” فيسلكوا مثل الله في” البِرِّ وقداسةِ الحَّق “. أمَّا
يسوع فعرف الله ولم يعمل غير ما أراده (يو7: 29 ؛ 8: 28)، وعرف أن الحياة لا تتوقف على الطعام والمظهر بل على مشيئة الله (متى4: 4؛ 6: 25 و 33). فكان طعامه وهمُّه أن يُكَّمل مشيئة الله (يو4: 34)، وإعطى بحياته، نموذجًا للحياة بالروح مع الله؛ هذا السلوك الذي يكرهه ابليس فيُعارضُه ويُقاومُه بقساوة؛
وهذا السلوك لن يتحَّقَقَ على يد المؤمن إلّا إذا تجَّرَدَ عن” ذاتِه الدنيوية “، أي عن تبعية شهواته وملَّذاتِه، وتبع الحَّقَ وعاش في الحُّب. وهذا بدوره لن يحصَلَ إلّا بإماتةِ تلك الشهوات ” بالصوم والصلاة “. فشيطان الشَّر لن يُغلَبَ من إلّا بالصوم والصلاة (مر9: 29). غلبه يسوع لأنَّه تجَرَّد عن شهواته الحِسِّية وتغَرَّغَ كليًّا لمشيئة الله، فصامَ أربعين يومًا بلياليه. ولمَّا حاول ابليس أن يُغرِيَه بالشهوات الأنسانية الحِسّية ، بـشهوةِ : البطن والمجد و المال رَدَّ عليه يسوع سِهامَه وذَكَّرَه بكلام الله الموحَى الى الأنسان. وإِذْ كان في صومِه وآختلائِه للصلاة بعيدًا عن حاجات الجسد وشهواتِه كان قريبًا جِدًّا من الله، بل ممتلِئًا من حضورِه وقدرتِه.
عرفَ يسوعُ أيضًا خصمَه، العدُّوَ المَّكار، أنَّه ” كَذّابٌ وأبو الكَذِب” (يو8: 44)، وأنَّه ” يرودُ في طلبِ فريسةٍ كأسد زائر” (1بط5: 8) ويحاولُ” غربلة مختاري الله” (لو22: 31). لكنَّ يسوعَ كان راسِخًا في إيمانه وفي معرفته لله، وكان مُصَّمِمًا على تغييرالوضع القائم فآستعمل، ضِدَّ خصمِه، سِلاح الله نفسِه الذي لا يقدر أن يُقاومَه (أف6: 11-13). في حين تصَّرفَ ابليسُ وكأنَّه لا يعرفُ هوية يسوع الألهية : ” إنْ كُنتَ ابنَ الله “، أو يُريدُ أن يشُّكَ يسوعُ في ذاتِه وفي رسالتِه كما فعل مع أدم وحوّاء. ثم تظاهر أنَّه لا فقط لم يأتِ ليُزعِجَه ، بل ليَخدِمَه ، فيُساعدَه ويكشفَ له طرُقًا جديدة وأساليبَ تُعينُه ليستغِلَّ قواهُ فوقَ الطبيعية لمنفعةِ نفسِه وقضاءِ حاجتِه. وهذا لا يُؤذي أحَدًا ولا علاقةَ لآخرٍ به، ولا يُخالفُ شريعةً ما. فقد منحه الله مواهب يستثمرُها للخير. وخيره قبل غيره. ومن الغباءِ ألا يستثمرَ أحدٌ طاقاتٍ وهبها اللهُ له. لقد صُمْتَ، يقول له ابليس، مثل موسى وايليا. وهما أكلا عندما حصلا على الطعام. بل واللهُ نفسُه أرسلَ لايليا طعامًا يسنُدُه في جهاده (1مل19: 5-8). وأنتَ قادرٌ بنفسِكَ أنْ تُلَّبيَ حاجتَك فلماذا تؤذي جسدَك؟. والحياةُ ملكُ الله فكيفَ تخاطرُ بها وأنت تصومُ و تُصَّلي؟. قُم وَحَّول الحجارة خُبزً، شيئًا نافِعًا، بينما تقبعُ هنا بلا نفعٍ ولا نَفَس!. وقد يتعَّثرُ بها أحدٌ فيتأَّذى!. إنَّك تعملُ خيرًا مُضاعفًا لك ولغيرك!. أ لم يخلق اللهُ كلَّ شيءٍ لمنفعة الأنسان؟. إنتفِعْ بها إذًا!. إن لم تأكل تموت. وموت بهذا الشكل إنتحار. والأنتحار ضد إرادةِ الله. هل تخالفُ مشيئة الله؟. كُل وآشرَب وتمَتَّعُ بحياتك ولا تُحزن فلبَ الله الذي قال: ” يسندُ الخبزُ قلبَ الأنسان”.
لم يُقَّصِر ابليسُ، في التجربتين التاليتين، في محاولة جَّرِ يسوع الى الأنتباه الى طاقاتِه وحَّقِه في الأنتفاع من الخيرات الزمنية، وإلى إبعادِه عن الله وحتى الى تفسيرٍ سلبِيٍّ لكلام الله. حاول إغواءَ مختار الله وتضليلَه ( مر13: 22) بكلام الله نفسِه : “مكتوبٌ ستحملُك الملائكةُ لئلا تصدمَ بحجرٍ رجلُك” (مز90: 11-12). فوسوس إليه : لِمَن قيل هذا الكلام ؟ ولماذا؟.أمْ لا تُصَّدق كلام الله؟. إذا لم تُطَّبقْه كيف يعرفُ الناس من أنت؟. أو كيفَ يؤمنون بكَ إذا لم يروا منكَ آياتٍ باهرة مثل هذه ؟. من يُصَّدقْ أنَّك إبنُ الله إذا خضعتَ لقوانين البشر وكنتَ ضعيفًا مثلهم؟. وأنتَ عليك أن تقودَ الناس كلَّها وترعاها. ولتحقيق ذلك أنت بحاجةٍ إلى مالٍ كثير، وجيشٍ كبير حتى تكسر كلَّ الملوك وتملك على الأرض وتُحَّققَ حلمَكَ!.
صَوَّبهُ لصَيدِ غريمِه. فيستمِرُّ في إيحاءاتِه : ممن تخاف؟. لا تكن جبانًا. ولا ضعيفًا. الناسُ لا تُحِّب غير الأشِّداء والمغامرين!. المالُ ينطقُ. القُوَّةُ تردعُ وتُرعب. الجاهُ يجذب ويُغري ، يركُضُ الشعبُ البائسُ وراءَه، لأنَّه ينتظرُ مُنقِذًا لا مُهَّرِجًا!. وأنتَ لا تستعطي ولا تسرق، أنا أهبُها لك. وأنتَ لا تكذب لأنَّك المسيحُ الموعود، أ ليسَ كذلك؟. إذن أنتَ إبنُ الله؟. قل الحَّق، وأنت لا تكذب ولا تسرق ولا تعتدي على أحد. وحتى لو إنتقدَك أحدٌ ماذا سيحصل؟. الناسُ لا يعرفون غير الأنتقاد والتشَّكي. إنَّه شعبٌ سافل، جاهل وملعون (يو7: 49)!. وأمَّا الله فعلى ماذا يعاتبُك أويُحاسبُك؟. لا شيء. إنَّك لا تُخالفُ وصّية له؛ بل ولا وصّية أصلا فيما أدعوكَ إليه.
إليكَ عَّني يا شيطان !
لكنَّ يسوع كان واعيًا على أنَّ تلك الأيحاءاتِ وساوسُ ابليس، فصمدَ. كانت معرفته بالله نَيِّرة وثقته بكلامه الحي عظيمة. وكان أيضًا واعيًا لرسالتِه: لقد أتى يُزعزعُ مملكة ابليس ويفضحُ دسائسَه ويُحَّرر أبناءَ الله من سطوته. جاءَ ليخدُمَ، لا ليُمَّتعَ حواسَه ويلتَّذ بخيرات يُحَّققَ ذلك تنازل عن مجده وحقوقِه لُيُعيد الحَّقَ والمجدَ إلى الأنسان. فلم يأتِ ليغتني على حسابِ غيرِه بل قبلَ ألا يكون له من حطام الدنيا حتى ولا موضعٌ يضعُ عليه رأسَه، ليضعَ الناس على شُرفةِ كنز الغِنى الألهي الأبدي. أتى لا ليحيا لنفسِه بل أن يفديَ المغلوبين على أمرهم ويتمتعوا بأفضل حياة (يو10: 10). إشتهى جسدُه و روحه الأنسانية ما يشتهيه جميعُ الناس، لكنَّه لم يسمح لنفسِه أن يتحَّدى حدوده فيخالف مشيئة الله أو يُسيءَ إلى حتى أعدائِه. أتى يُوَّفرُ للأنسان ما يحتاجه ويشتهيه، إنَّما عن طريق الحَّق والمحَّبة. سيمُرُّ الجوعُ ويأتي وقتُ الشبع. سينتهي الفقرُ ويمتلكُ كلُّ مؤمن فوق كفايتِه. وسيزولُ الذُّلُ ويتمجَّدُ الأنسان عندما يتغَّلبُ على عدُّوِه ويحَّطمُ قيودَ عبوديتِه. سيُعلنُ يسوع كلمته الفصل: ” إنَّ سيِّدَ هذا العالم قد أُدين وحُكِمَ عليه ” (يو16: 11).
لم يكن جسدُ يسوع روحيًا، بل مادَّيا خاضِعًا للشهوةِ. كان ضعيفًا ،” الروحُ متحَّمسٌ، وأمَّا الجسدُ فضعيف. فآسهروا وصَّلوا..” (متى26: 41). فسهر يسوعُ قبل مواجهة العَدّو الغادر بالصوم والصلاة مدة أربعين يومًا. إبتعد عن الضعف البشري وتسَّلح بالقوة الألهية، فآندمجَ بفكرالله وروحه ، فلم يستطع ابليس أن يفتح ثغرةً في سور حياتِه تُضعفُ مقاومتَه. كان هو والآب واحدًا ( يو10: 30). وكان هذا النصرَ الأولَّ أبرَزَه آبنُ الأنسان على الحَّية القديمة (تك3: 1-7)، فزعزعَ قوته وجرحه جُرحًا بليغًا، و سيُميتُه في المعركة الحاسمة في بستان الزيتون (متى26: 39، 42، 44؛ رؤ 12: 9). تسَّلح ابليسُ بالكذب والإغراء، وأمَّا يسوع فتسَّلحَ بالصوم والصلاة، فكان الله معه، فغلبَ العالم وسَيِّدَه. وضمن لتلاميذه أيضا النصر بنفس الوسيلة ” إسهروا (صوموا) وصَلّوا لئلا تدخلوا في التجربة”، لأنَّكم ” ستعانون الشِدَّة في العالم، اآصبروا لها، لقد غلبتُ العالم” (يو16: 33). ومن” يصبرُ ألى المنتهى يخلص” (متى24: 13).
إن كان يسوع قد جعل نفسَه قدوة لنا لنقتفي آثارَه (1بط2: 21)، وصام فتغَلَّبَ على تجارب ابليس فذلك ليدعونا إلى إستعمال الصوم وسيلةً، سِلاحًا ضذ قوى الشَّر، به نحاربُها في داخلنا ومن خارجنا. بالصوم نكسرُ إرادتنا ونتدَّربُ على حفظِ كلام الله. بالصوم نتوقَّف عن عبادةِ الجسد بالمأكل والملبس، لنهتَّمَ أكثر بما يريدُه الله. وعندما يُجَّربُنا ابليس بما لا يرضاه الله نرفضُ السماعَ له. وهذا هو الحَّق أن نكون مع الله ويكون الله في فكرنا وقلبنا. فالصوم يُبعِدنا عن التفكير الزائد في حاجاتنا الزمنية لننظر حوالينا إلى ” الآخر” ونهتَّمَ به : بحاجاته وضيقاتِه فنحَّاول أن نخَّففَ من آلامِه و نواقِصِه بإشراكه بخيراتنا المادية والروحية. وهذه هي المحَّبة. فلأنَّ المسيح أحَّبنا الى الغاية لم يبخُل علينا حتى ولا بسفكِ دمه فديَةً عنا. أطاع وصام وصَّلى ليُؤَّديَ رسالتَه تجاهنا ويُعَّلمنا كيف نحذرابليس ونتغَّلب عليه بإيماننا ورجائِنا. بالصوم نتقَدَّس فنغربلَ حياتنا وننَّقيها من شوائبها ونقَّويها بالعون الألهي. ونتسَّلحُ بحُّبِ اللهِ والقريب فنتسامى بالروح الألهية التي نلناها بالمعمودية. نستصعبُ الصومَ أحيانًا لكنَّ نتائِجَه هي التي تُفَّرحنا وتُريحُنا، إذ نتحَّلى بصفات يسوع ونتقوى بمثالِه. فمن صام معه أربعين يومًا من كل قلبِه سينتصرُ على الشر في حياته ويقوم مع المسيح مجيدًا سعيدًا.