تبدأ صلاة رمش السعانين في حْرايى- حسب القاعدة. كذلك صلاة الليل والصباح. تنقلبُ مساءًا، في رمش الأثنين الى قَدمايى- ،،رغم بقاء الأسبوع حْرايى. تشيرُ الى ذلك صلاة قالى دْشَهرا ليوم الأثنين. ويُعتبرُ السعانين عيدًا خارج صوم المسيح الذي صامه المؤمنون الى الخميس الـ 6 للصوم. صلاة جمعة لعازر تشير إلى نهاية صوم المسيح الأربعيني. ومن الأثنين التالي يتبع، هذه المرة ، صوم المؤمنين وينتهي في سبت النور، وتشيرُ صلاة السبت الى ذلك. صُمنا أربعين يوما مع المسيح ، ونصوم الأسبوع الأخير صومنا الخاص، مشاركةً بآلامِه. ولهذا الأسبوع، في الطقس الكلداني، ميزةٌ خاصَّة. تتوالى الأعياد مع الصوم، وتتشابكُ الأحزان والأفراح. تُرَّتل المداريش كلَّ يوم بلحن حزين وأمَّا قدّيشا آلاها فبلحن الأعياد أو الآحاد. يوم السعانين نُعَّيد ملوكية المسيح إنمَّا بالتواضع. الخميس نعَّيد الكهنوت إنَّما بكأس الحزن. الجمعة نحتفل بعيد الخلاص إنما نتألم ونكتئب لأن خطايانا هي سبب هذه المأساة. السبت نعَّيد إشراق نور الحياة إنَّما يمُرُّ بموتنا مع المسيح في مياه المعمودية. هكذا يكون أُسبوعَ مجدٍ وذل ، راحةٍ وألم ، فرحٍ وحزن ، نعيشها بالروح والجسد.
تتلى علينا اليوم القراءات : تك49: 1-12، 22-26؛ رم11: 13-24؛ متى20: 29 – 21: 22
الرسالة : رومية 11 : 13 ـ 24
يُوَّجهُ بولس رسالته إلى جماعة يُكَّونها مؤمنون من خلفيةٍ يهودية و وثنية معًا. كان صلبُ المسيح ضربةً قوية ضدَّ اليهود، لاسيما وسبقها سحبُ إمتيازهم، كونهم شعبَ الله، من قِبل الرب،” سيَأخذُ اللهُ ملكوتَه منكم ويُسَّلمُه إلى شعبٍ يُثمر”! (متى21: 43)، ومدعاةً ربَّما للوثنيين للفخر بدخولهم الكثيف إلى حظيرة المسيح. ويبدو أنَّ بعضًا من هؤلاء طالبَ بحَّق التفَّوقِ وربما إزدرى أيضًا المؤمنين من أصل يهودي وعَيَّروهم للآنتكاسة التي مُنيوا بها. فيُحاولُ الرسول أنْ يُقَّيمَ الوضع برؤيةٍ إلهية خلاصية للوضع ويقطع دابر الخلاف قبل أن يكبر ويستفحل. ولاسيما يدعو المؤمنين أيضًا أن يترَّفعوا عن الأحاسيس البشرية الغريزية فينبذوا الأسلوبَ الدنيوي في الدينونة والتأويل (يو8: 15)، ليقيسوا الأمور بمنظارالله، كما يليقُ بتلاميذ المسيح. نبذُ إسرائيل لا يعني الحكمَ عليه بالهلاك، بل إنتهاء الأمتياز الذي لم يُحترمُ إذ فُهمَ وفُسِّرَ خطأ ً، بالتماشي مع بدءِ عهدٍ جديد مع البشرية جمعاء، عهدِ المحَّبة و الغفران في الحَّق.
رفض اليهود أدَّى إلى مصالحة الوثنيين !
يقول المثل:” مصائبُ قومٍ عند قوم آخر فوائدُ “!. هكذا يحاول بولس أن يُفَّسرفكرة الخلاص العام بأنَّ أحداث الحياة تتوازن بين ارتفاع وآنخفاض، بين أمجادٍ ونكبات، لصالح البشرية جمعاء. ولاسيما أنَّها تستجيبُ لأرادة الله، أو بالحري يتعاملُ اللهُ مع كلِّها ويُحَّولُها إلى خيرٍ ؤؤ ءءللأنسانية. من هذا القبيل لم يُسَّهل الله خلاص الوثنيين لأنهم صالحون يستحِّقون مجازاته لهم، ولا لأنَّ اليهود خاطئون منبوذون منه (تث9: 4). بل لأنَّ الله أبٌ يُحِّبُ كلَّ الناس ولا يريدُ هلاكهم ، ويريدُ أيضًا أن يتراجع الناس عن شَّرهم، إذ لم تكن الأمور في البدء هكذا (متى 19: 8)، وأن يتقَّدسوا بسلوك طريق الحَّق والمحبة فيتشَّبهوا بأبيهم السماوي ويتخَّلقوا بأخلاقِه، فيكونون قدّيسين مثله كاملين (أح19: 2؛ متى5: 48). وأيضًا لأنَّ الله هو لا فقط عادلٌ بل أيضًا رحومٌ. والرحمة فوق العدالة. وإذ أخطأَ كلُّ الناس (رم5: 13-14) شملت رحمتُه، في المسيح، أيضًا كلَّ الناس (متى18: 33؛ رم5: 18-19)، لأنه جاءَ ليُّخَّلصَ لا اليهودَ فقط بل العالمَ كُّلَه (يو3: 17)، لأنَّ اللهَ ” يحفظ العهدَ والرحمةَ لمُحِّبيه والعاملين بوصاياه (تث7: 9). وكان بين اليهود وبين الوثنيين أيضًا أُناسٌ آمنوا بالله وبقوا أوفياء لعهدهم معه. كما قال إشعيا :” لولا أنَّ الرَّبَ حفظَ لنا * نسلاً * لصرنا مثل سدوم وأشبهنا عمورة ” (اش28: 16؛ رم9: 29).
لعَّلي أُثيرُ غيرة بني قومي !
بولس واثقٌ من أنَّ الله لم ينبذ شعبَه، ولن يهلك منه إلا من ” جنى على نفسِه وصار إبنَ الهلاك” (يو17: 12). كذلك واثقٌ أنَّهم سيفقهون الحقيقة ويؤمنون وسيكون” قبولهم حياةً بعد الموت”. لأنهم سيحتفظون بآنتمائهم الى الآباء الذين هم الأصل والخميرة المقدَّسين للشعب. هم أغصان الجذع. لقد قُطعت بعضُها لأن الشَّر أيبسَها. وطَّعَمَ اللهُ على الجذع، مع الأغصان الحَّية بإيمانِها، أغصانًا وثنية أضاءَها الأيمان والرجاء بالخلاص (متى8: 5-11؛ 27: 54؛ أع10: 1-4). أرادَ الله أن تدخل حظيرة الراعي الألهي الواحد (يو10: 16). أمَّا بالنسبة إلى الرافضين من الشعب المختار فكما أنقذ الله شعبَه في حينه من ضلالة مصر و أدخله أرض الميعاد رغم تمَّرده وعناده (رم10: 21)، وأعادَ من السبي البقية المؤمنة و المطيعة له (اش 10: 20-27)، فاليوم أيضًا سيرحم الله من جديد من تخَّلفوا عن حظيرة المسيح شرط أن يتوَّقفوا عن رفضهم (آية 23). و بذلك يعود أبناء الله المُشَّردون كُلُّهم إلى فردوسِهم المفقود:” سيجعلُ الله شريعته في عقولهم و يكتبُها في قلوبِهم، فيكونُ لهم إلَهًا وهم يكونون له شعبًا ” (عب8: 10).
زيتونة برِّية طُعِّمَت على المُثمرة !
يُحِّبُ بولس شعبَه جِدًّا لا يقدر أن يجهلَه رغم ما أذاقَه من عذابات شديدة (2كور11: 23-26)، حتى تمنى لوكان هو” محرومًا ومنفصلاً عن المسيح في سبيل بني قومه في الجسد” (رم 9: 3)، وكم إبتهلَ إلى الله من أجل خلاصهم (رم10: 1). إلا إنَّ ذلك لا يُشغِله أويُنسيه أداء رسالته الخاصة تجاه الأمم التي أقامه الله لها :” رسولاً مُبَّشِرًا ومعَّلِمًا في الأيمان و الحَّق ” (1طيم2: 7؛ أع9: 15-16). ويفتخر بها. ربما كان هذا دافعَه الى الكتابة لمسيحيي روما حيثُ يغلبُ العنصرالوثني المُتنَّصرعلى اليهودي، ويعتبرُ إهتمامه بهم واجبًا يلتزمُ و يفتخر به (آية13). ومن منطلق الواجب يُحَّذر مَن فيهم بدأَ يزدري اليهود المتمَّردين على الله. وشَبَّه الجماعتين بأغصان شجر الزيتون. جذع الزيتون هو الأيمان بالله. و المتمَّردون من اليهود الرافضون الأيمان بيسوع هم الأغصان اليابسة فقَطَعها الله عن الجذع. وطَّعَمَ اللهُ مكانها الأغصان المؤمنة من الوثنيين لتشارك بقية الأغصان الأصيلة وتُثمر.
إفتخر هؤلاء وآعتبروا ذلك فضلاً لهم. فعاد بولس وشَدَّدَ على أنَّ الفضل للجذع ( الأيمان). فكل غُصنٍ يؤمن فيُثمر ينال رضى الله، فيقول: ” تقولُ : هي قُطعتْ لعدم إيمانها، وأنتَ باقٍ لأيمانك، لا تفتخر بل خَفْ” (آية 20). لم يُجرِ اللهُ عملية تبادل بين من تمَّردَ من اليهود بالذين آمنوا من الوثنيين. ليس الخلاص عملية مقايضة. بل الله هو خالقُ جميع البشر و يريدهم جميعا أن يتنَّعموا بالراحة والمجد معه في ملكوتِه. فيُشَّددُ بولس على أنَّ اللهَ القدوس والعادل رفض أشرار اليهود لآثامهم وكُفرِهم. ويعاملُ مثلَهم كلَّ من تبعَهم فطرق دربَ الشر. وبالمقابل أشفقَ اللهُ برحمته الواسعة، على الوثنيين لا لأنهم أبرار وصِدّيقون بل لأنَّهم آمنوا به وآستغفروه فآستجاب لطلبهم. كما أشفق على لِصِّ اليمين وآستجابَ طلبَه (لو23: 42-43). لذا شَدَّدَ بولس على عدم تعالي أحدٍ على أحد. بل حرص على الدعوة إلى الأمانة للنعمة الجديدة لكل الأطراف، فلا ينسوا لا عدالة الله ولا رحمته.
إعتبِرْ بلين الله وشِدَّتِه !
نعلمُ أنَّ الله ” لا يُحابي ولا يرتشي” (تث10: 17؛ غل2: 6). فالأنسان صورته، وآبنُه إذا آمن به من أَّيِ جنس كان أو لون أو قوم (يو1: 12). إذا رفضَ اللهُ المُتمَّردين فلعدم إيمانهم، وإذا قبل الوثني فلأيمانه. فالأيمان هو الأصل. ولكن لا الأيمان المَيِّتُ (يع2: 17 و26)، بل العاملُ بالمحَّبة (غل5: 6). أن يكون حَّيًا وفعّالاً فيكون له ثمر. والثمرُ هي الأعمال التي يفرُضُها الأيمان،” من أعمالهم تعرفونهم” (متى 7: 16-20). عليه يُحَّذر بولس الرومانيين من ألا يقعوا في نفس فخَّ اليهود، فخ التباهي والتعالي فالأستصغارِ والأحتقار، فيخسروا نعمة الله. أمَّا الله فلا يُفَّرقُ بين أبنائه. وإذا لم يُشفق على أغصان الزيتون الأصلية فبالتأكيد لن يُشفقَ على الدخيلة التي حلَّت محَّلَها. وبالمُقابل كما حَنَّ فرحم الوثنيين وقبل منهم من آمنوا كذلك لن يترَّدد الله في قبول اليهود المُتمَّردين حاليًا إذا غيَّروا سلوكَهم فآمنوا.” لأنَّ اللهُ قادرٌ على أن يُطعِّمَهم ثانيةً ” (آية 23). فالله على كلِّ شيءٍ قدير(2كور6: 18؛ رؤ4: 8). هكذا طعَّمَ اللهُ من جديد الأبن المُتمَّرد والضال فأعاده، عندما تاب، إلى مرتبة البُنُّوة الأصيلة (لو15: 20-24).
شيئان إذن مُهِّمان : الإيمان بالمسيح والأمانة لتعليمه، بالتخَّلُق بأخلاقِه كما قال بولس لأهل فيلبي (في2: 1-5). وهذا يتطلبُ الثقة بعدالة الله والرجاء برحمته. هذا من ناحية الله. أمَّا من ناحية البشر فلا شيءَ يُمَّيز أو يُفَّرقُ بينهم إلا السلوك. أمَّا الله فلا يتغَّير ولا يكذب (يع1: 17) لأنه الحَّق والقداسة بالذات. ولا يندَّم على أفعاله ولا يتراجع عن أقواله (عدد23: 19) لأنه ليس بشرًا فيخطأ. أما الأنسان فلأنه يخطأ وضعَ له الله وسيلة العودة إليه بالتوبة ضامنا له رحمتَه (تث5: 10).