للعلم ! يُصَّلَى هذا الأحد وجوبًا الثالث قبل الصوم ، وتليه الباعوثة. وعند الحاجة يُصَّلى قبله الأحد السادس كما نوَّهنا وفعلنا في الأسبوع الماضي !
تتلى علينا اليوم القراءات : تك18: 9-22 ؛ عب6: 9- 7: 3 ؛ يو3: 1-21
الرسالة : عبرانيين 6 : 9 – 13
دعا الرسول إلى الأرتفاع، في تعليم المسيح، إلى مستواه الكامل، أي إعتباره في كلِّ أبعادِه. وقد لا يكون البعدُ الأعلى في معرفة مبادئ الأيمان بقدر ما يكون في حفظ تلك المباديء و تفعيلِها في واقع الحياة اليومية. وبالتالي ضمان نيل الخلاص. لأنَّ المسيح جاءَ لخلاصَ الناس وأعطى المبادئ التي تقود إليه. والأمانة لتلك المبادئ ضرورية لبلوغ الهدف.
لكم ما هو أفضل !
قَدَّم الرسول لكلامه بأنَّ من سبق فآمن وتنَّورَ بالحق وذاق طعم القداسة ثم سقط فتنَّكرَليسوع للمسيح، مثلُ هذا يصعبُ تجديدُه، إن لم يستحيلْ، وإعادته الى التوبة ” لأنه يصلب إبنَ اللهِ ثانيةً .. ويُعَّرضُهُ للعار” (عب6: 6). وشَبَّهَ أمثال هذا بالأرض الجيدة التي بعدَ أن شبعت ماءًا وسمادًا تنقلبُ فتنبتُ شوكًا ودغلاً، فـتُهَّدِدُها اللعنةُ (اش5: 5-7). يبدو أنَّ الكاتب الذي يتوَّجه الى العبرانيين يهودًا كانوا أو مسيحيين، يُلَّوح علنًا إلى شعب الله الذي عاين وذاقَ خيرات أرض الميعاد ورفضها فلم يدخلها (عدد13: 32-33 ؛14: 1-12 و22-23). دخلها من آمن بالله، لكنه إنقلب من جديد، وبعد التمتع بكل خيراتِها المادية وراحتِها، لم يُعطِ ثمرًا، لم يرتقِ إلى كمال الله، بل خان العهد ونقضه فسُحِبَ عنه إمتيازُه كُلّيًا ونهائيًا (متى21: 43-44). لكن الكاتب يُمَّيِزُ ويمدَحُ الذين آمنوا بالمسيح ، وخدموا الأخوة ولا يزالون يخدمون وذلك محَّبةً بالله. وهذا دليلٌ على إيمانهم المتواصل والمثمِر. وليس الله ظالمًا حتى ينسى حياتهم العملية وسلوكهم المطابق لسبيل المسيح الذي دعا أتباعَه إلى الكمال مثل الله وبقوته (متى5: 48). يسوع الذي أعلن أنَّ حكمَ القضاء الألهي سيكون على أعمال الأنسان (متى16: 27)، وأنَّ إعطاءَ كأسَ ماءٍ بارد لمحتاج، بروح المسيح، لا يضيعُ أجرُه عند الله (متى10: 42) ، لن يتغافلَ عمَّا فعله المؤمنون به من أجل غيرهم ” محَّبةً بالله” وتواضُعًا مثلَه (يو13: 15 ؛ في2: 7-8). ولهذا أكَّدَ لقرَّائِه أنَّهم يملكون ما هو أفضلَ من غيرِهم. لقد بيَّنوا أمانتهم لتعاليم المسيح وبرهنوا عن محَّبَتهم له. فهذا يضمن لهم أنَّ كلَّ ما فعلوه محَّبة بالمسيح ويفعلونه جَيِّدٌ يقودهم إلى الخلاص. وحتى إذا أصابتهم شجونٌ وشدائد فلا داعيَ إلى القلق.
ليستمر الجهاد حتى النهاية !
إنَّ الشدائد والآلام بسبب الأيمان لابُدَّ منها. ولا أحدَ يُعفى عنها :” كلُّ من أرادَ أن يحيا في المسيح حياة التقوى أصابَه الإضطهاد (2طيم 3: 12)، لأنه كما قال الرب ” إن أبغضكم العالم فلأنه أبغضني قبلكم… وإذا إضطهدوني يضطهدونكم أيضًا ” (يو15: 18-21). فلا يتخاذلُ المؤمن بسبب الصعوبات التي يلقاها في تطبيق تعاليم المسيح. إنها تُعارضُ فكرَ العالم وسلوكه، ولهذا يُضطهَد المسيحُ وتلاميذَه بسبب مبادئِهم الأيمانية. فإذا رفض المؤمن الطلاق ولم يُحَّلل الإجهاض ولم يسلك طريق أبناء العالم الذين لا يؤمنون بغيرالجسد والدنيا فهو شّاذٌ عن روح العالم ويدينُه لذا يلفظه العالم ويُحاربُه. ولا يريدُ المؤمن أن يُعتبرَ شّاذًا بل أن تُحترَم حرية فكره وآختيار عقيدتِه. أبناءُ العالم لم يعرفوا الله ولا إفتهموا المسيح. يرفضونه لأنَّ المسيح كشفَ أنَّ أفكارَهم خاطئة وطرقهم سيِّئة تقودُ إلى الهلاك. وهو لا يريدُ لهم ذلك بل يريدُ أن يخلصوا ويتمجَّدوا معه (يو3: 16-17). وأحيانًا أخرى قد يُصابُ تلميذ المسيح بالإحباط وهو يعمل الخير ويخدم ” الأخوة القديسين” لكن لا أحدًا يعترف بعمله أويُقَّدره، ولا ينال التشجيع والإعتراف بالجميل. فيمَّلُ من جهادِه غيرالمُعتَرَف به علنًا. وقد يقوده الإحباط الى التوقف عن جهده الأيماني ولا يستمِرُّ في أداء الخدم المطلوبة. فالرسول يدعو أمثال هؤلاء الى متابعة الجهاد في سبيل خدمة المسيح حتى النهاية و لا يُصابُون بالملل والكسل. الأيمان نور ومعرفة. والله الذي رأيناه وعرفناه هو محَّبة وخدمة متواصلة. والخدمة عطاء من الذات، دون أي مقابل، لمصلحة الآخرين. هكذا يجب أن يكون مؤمنٌ تلميذٌ للمسيح.
إقتدوا بالذين يصبرون !
يدعو الرسول الى الصبر والصمود في وجه التجارب. لأنَّ رجاءَنا ليس بالراحة والمجازاة في هذه الحياة، بل بإكليل المجد الموعودين به والذي ينتظرنا بعد إنهاء جهادنا وعند دعوة الرب لنا (2طيم 4: 6-8). نتذكر قول بولس الرسول :” إنَّ آلام هذا الدهر لا تقاسُ بالمجد المزمع أن يتجَّلى فينا “(رم8: 18)، بناءًا على كلام الرب :” من أراد أن يتبعني ينكر نفسَه ، ويحمل صليبَه ويتبعني” (متى16: 24). رجاءُ تلميذ المسيح في مجد الحياة الأبدية. ومن أجل ذلك مستَعِّدٌ أن يخسرَ نفسَه، أي لا يُجاري الدنيا في متطلباتِها بقدر ما يشهد للحَّق ويحيا في البِرّ رغم محاربةِ العالم له بأفكاره وسلوكه، ومضايقتِه لسبب تقواهُ. لو كان المجد والهناء في الأكل والشرب واللبس واللذّةِ و النفاق والدجل لما تجَّسدَ الله ومات على الصليب بل كان تركنا نتبع شهواتنا. وإذا كنّا حَّقًـا مؤمنين به لنثق بوعودِه ونصبر على الضيق والشِدَّة مثل كثيرين غيرنا. ولا يستحيلُ الأمرُ أبدًا. فقد سبقنا أبو الأيمان بأنه ” رجا ضد كل رجاء” فثبتَ فيه ومَرَّ ربمَّا بأصعب خيبة أمل وآمتحان. إلا إنه صبرَ لأنه وثق بمواعيد الله (عب6: 13-15). وهو طلب دومًا رضى الله وليس رضى نفسِه. ونال فعلا ما وعده الله بعد صبر” خمسٍ وعشرين سنة “!، والمرورِ بتجاربَ قوَّية لا يتحَّملُها إلا صاحبُ إيمانٍ صادق. فالصبرُ سِلاحُنا في الضيق، والرجاءُ نورُنا نحو الهدف المنشود. ربما يرى البعضُ أنَّ هذا ليس سهلاً. ولهذا إشترَط المسيح سِلاحا للأيمان والخلاص أن نولدَ ولادةً جديدة هي من فكر الله، لا فقط بالجسد بل بالروح القدس (يو3: 3-5؛ 1بط1: 23)، فنعرفً الله ونُسلك درب المحَّبة والتواضع والبذل في الخدمة. وهذا وحدَه يضمن لنا أن نرثَ ما وعدنا به الله من راحةٍ أبدية في مجدٍ وهناء.