عيد تقدمة يسوع
للعلم : من المفروض أن يُحتفَلَ ، هذه السنة، بهذا العيد في الأحد القادم. إلا اللّهم أن يكون قد حصل تغييرٌ رسمي بهذا الشأن. ففي الأحد الثاني للميلاد يُقرأُ إنجيلُ التقدمة. وتُنَّـوهُ إليه صلاة الفرض ثلاث مرَّات. إحتفلنا به في العام المنصرم في الأحد الأول لأنَّه لم يتواجد بين الميلاد والدنح إلاّ أحدٌ واحد، بسبب وقوع الدنح في الأحد. عليه أُحتُفِلَ بقتل أطفال بيت لحم يوم 27/ 12، و بعيد التقدمة في 30/ 12. أمَّا صلاة فرض الأحد الأول فترَّكزُ على قدوم المجوس وهداياهم الرمزية، كما يُنَّوهُ الى قتل أطفال بيت لحم المدراش وترتيلة ” دْ رازِى “. وربما من الأفضل أن تُثَّبت التقدمة في رأس السنة فيُحتفلَ بالختانة والتقدمة معًا، ويتماشيان مع موضوع السلام. فيثبتُ العيد وتحتفظ الآحاد بخصوصيتها : الأول للميلاد للمجوس والثاني لوجدان يسوع في الهيكل.
تتلى علينا اليوم القراءات : تك21: 1-13 ؛ 1صم1: 19-28 ؛ غل4: 18-22+5: 1 ؛ متى2: 1-12
القـراءة : تكوين 21 : 1 – 13
يولَدُ اسحق إبنُ الموعد. ثم ينشأُ خلافٌ حول تعَّدي إسماعيل عليه. طلبت سارة طرد إسماعيل حسب الشريعة السائدة. يتألمَ ابراهيمُ للأمر. يُؤَّيدُ اللهُ موقفَ سارة لأنَّ وجود إسماعيل خطرٌ على العهد بإسحق. لكنه يُطمئِنُ إبراهيم على مستقبل إسماعيل، إذ سيحميه ويُبارِكُه هو أيضًا.
القـراءة البديلة : 1 صموئيل 1 : 19 – 28 :– يولدُ صموئيلُ النبي. بعدَ ثلاثةِ سنين تأخُذُه أُمُّه إلى الهيكل وفاءًا بوعدها في تكريسه لله. هناك يترَّبى ويخدم الله.
الرسالة : غلاطية 4 : 18 – 22 + 5 : 1
يُقَّدمُ بولس هاجرَ رمزًا للعهد القديم و العبودية ، بينما ترمزُ سارة الى العهد الجديد والحُرِّية. والمؤمنون بالمسيح هم ، بإسحق ، أبناءُ الحُرّية والموعد للخلاص.
الأنجيل : متى 2 : 1 – 12
يقُّصُ متى خبرَ قدوم ” المجوس” من بعيد للسجودِ لملك اليهود، يسوع، المولود حسبما عرفوه من ظهور نجمه في الفضاء. يلتقون بهيرودس ملك اليهود والقادة الدينيين. يتحَّققُ معهم هيرودس عن زمن ظهور النجم ضامِرًا في قلبه قتلَ يسوع. يُطلقُ المجوس في بحثهم طالبًا منهم إرشادَه ألى مكان تواجده. يكمل المجوسُ مهَّمتهم، يقدمون ليسوع هداياهم : ذهبًا (ملك) وبخورًا ( إلَه) ومُرًّا ( ألم )، ويرجعون إلى أوطانهم.
أُطرد الجارية وآبنَها !
وقع هذا الكلام قاسيًا على إبراهيم عندما طلبت سارة إمرأته طرد إسماعيل وأمِّه وأيَّد اللهُ طلبها. يبقى ابراهيمُ أباهُ ولا يتحَّمل الظلمَ على أول مولود له قرَّت به عينُه بعد آنتظار دام أكثر من نصف قرن. كان ردُّ فعله عاطفيًا وإنسانيًا. كان طلب سارة أيضًا ردَّ فعلٍ عاطفي تجاه سوء معاملة إسماعيل لآبنها. لكنه كان يتماشى وخطة الله. إذ لما وعد اللهُ إبراهيم نسلا لم يقصد حسب الشريعة المدنية، أي يستغلُ إبراهيم سُنَّة البشر مخالفًا بذلك سُّنَة الله ويُنجب طفلا من جارية. قال عنه بولس ” إنَّه إبن أَمَةٍ وُلِد بحكم الجسد”. بينما يقول عن إسحق :” إنَّه إبنُ الحُرَّة وقد وُلدَ بفضل الموعد” (غل4: 23). جعلَ اللهُ لآدم امرأة، جزءًا منه، ولم يُخرج من حوّاء جارية له تُعَّوضُ عنها في مهمة نقل الحياة. يكون الزوجان جزءًا كلُّ واحد منهما من الآخر.
لم يُعاقب الله إبراهيم وسارة على صنيعهما بل غضَّ النظر عن جهلهما بسبب سُنَّة البشر، وبسبب براءة قلبِ إبراهيم وآستقامة نيَّتِه وأمانته وتلبيته مطاليبَه. وبالإضافة الى ذلك أكَّدَ اللهُ لآبراهيم أن وعودَه وبركاته تتحَّقق من خلال إسحق وليس إسماعيل. يبقى إسماعيل في نظرالله إبنًا غير نظامي. بقاؤُه في البيت رُبَّما يُفسدُ خطَّة الله لأنَّه لن يكون جزءًا أساسيا في التدبير الألهي ، من جهة، ومن أخرى قد يتأذى اسحق من سلوك أخيه إذ يقتدي بسوئِه. عزلة إسحق وبُعدُه عن بيئة الضلال والفساد ضرورية مثل عزلة أبيه إبراهيم عن أهله و وطنه الوثنيين وحتى عن لوط إبنِ أخيه ليبقَ محمِيًّا في خيمة الأيمان بالله ويترَّبى إسحقُ تحت أنظاره وقيادته.
أما إسماعيل فلم يكرهه الله ولا نبذه. لا ذنب لآسماعيل أنه ابن جارية أو ولد بطريقة مخالفة لآرادة الله، أو له طباعٌ عدوائية، وقد تنَّبأُ عنها الملاك قبل ولادته (تك16: 12). ولا يريد الله إدانته بجرم أهله، فلا يظلمُه. وإكرامًا لأيمان إبراهيم وتقديرًا لسلوكه المثالي ومحبَّته لآبنِه يحمي اللهُ إسماعيل أيضًا ويُباركه ويُكَّثرُ نسله (تك25: 12-18).
أين المولودُ ملكُ اليهـود ؟
كان إسماعيل إذن مرفوضًا من الله كإبن البركة بينما مقبولا من الأنسان، حتى قال إبراهيم لله، عندما بشَّره بولادة اسحق من سارة،” ليتَ اسماعيلَ يحيا أمامكَ” (تك17: 18). لم يفهم إبراهيم حينَها البُعدَ الخلاصي للآبن الموعود. وآعتبر ابراهيمُ إسماعيل نعمة أتت إستجابة لطلبه وارثًا يُؤَّبدُ اسمَه (تك15: 3-4). وكان قنوعًا ومكتفيًا بذلك. هكذا تضاربت أفكارُ إبراهيم مع إعلان الله بتحقيق وعده للأنسان ، الذي ربما يكون إبراهيمُ قد نسيَه أو حتى لم يسمع به.
وذكر الأنجيلُ حدث المجوس وهيرودس. هنا ايضًا نحن أمام موقفين غريبين ومتضاربين. المجوس، من أين سمعوا وعرفوا بولادة ملك اليهود، وهم ليسوا يهودًا؟. ومن أين عرفوا أنَّ النجم الغريب يدُّلُ عليه؟. خبر نجم المسيح الملك الموعود جاء على لسان بلعام :” أراهُ وهوغيرُ حاضرٍ. وأُبصرُه وهو غيرُ قريب. يطلعُ كوكبٌ من يعقوب من بني يعقوب، ويقوم صولجانٌ من بني إسرائيل ..”(عدد24: 17). من علَّمهم أنَّ النجمَ الذي رأوه هو هذا جاء في زمانه المُحدَّد؟. ربما مُفَّكر يقول:” عرفوا ذلك من الكتاب المقدس”. ولكن لا يبدوا أنَّ المجوس إطلعوا على ذلك الكتاب. وإلا لما سألوا ” أين يولد ملك اليهود”؟. يل قالوا” أين يولد المسيح ملك اليهود”. بل لما سألوا أصلا عن ذلك لأنَّ الكتاب المقدس ذكر أيضًا محَّل ولادته وحَدَّده بـ ” بيت لحم ” (ميخا 5: 2؛ إر31: 15). إنَّهم غرباءُ تقودهم العناية الألهية إلى أن يتعَّرفوا على المسيح ويعترفوا بآلوهيته. أُناسٌ يؤمنون مثل إبراهيم بالله ويتقَّيدون بإيعازاته فيمُّنُ الله عليهم نعمة رؤية المخلّص الموعود، وأنهم من المخَّلَصين.
يُقابلُهم قادةٌ دينيون لا أُباليون بشؤون الله وملكٌ طاغية متوَّحش يغُّشُ المجوس ، بسطاء القلب، ويجمعُ منهم المعلومات وهو يضمُرُ في قلبه أن يتخَّلصَ من هذا الملك المنافس و الخطير على مستقبل عرشِه. الله يبحثُ ويعملُ ما ينفع للأنسان ويخدُمُه، والأنسان قد غلق منافذ عقله وقلبه تجاه الحَّق وتجاه التوجيه الألهي متمَّسكين بأفكارهم وقناعاتهم. تمَّسَك ابراهيمُ بآسماعيل (” ليحيا أمامك “)، لكنه خضع لمشيئة الله لأنَّ إيمانه بالله كان صادقًا و عميقًا. أما قادة اليهود الدينيين فكان إيمانهم” سطحيًا ” لا عمقَ له ولا ثبات. أمَّا هيرودس فكان عِدائيًا، مثل إسماعيل و” حمارًا متوَّحشًا يده مرفوعةٌ على كلِّ إنسان، ويدُ كلِّ إنسان مرفوعةٌ ضِدَّه “.
أنتم أبناءُ الموعد مثل أسحق !
وآستخلَصَ بولس الدرس. فشَبَّه البشرية قبل المسيح بهاجر الأُمَـة. وشمل بها ايضًا المؤمنين بالله بعد المسيح الذين غلقوا فكرهم وقلبهم لله ولتعاليمه. أما المسيح فجاء النور الساطع الذي حَرَّرها من ظلام الأفكار وضلالها، وآنحرافِ الأخلاقِ وفسادها. فشَبَّه عهد المسيح بسارة الحُرَّة التي تكتشفُ إرادة الله وتتبعها. ومن لم يعرفْ ألمسيح و يرفُضُه يبقى عبدًا للجسد ومتطلباته وإغواءاته. بينما من يقبل المسيح ويسير في ضوء تعليمه فهو يعيشُ في نور الخلاص. ولم يترَّدد بولس في القول بأنَّ المسيحي الصادق في إيمانه مثل إبراهيم والتابع لدعوته مثل اسحق فهو على مثاله ” ابنٌ للموعد”. والموعد هو أنَّ من آمن بالمسيح قد أصبحَ إبنًا لله وشريكًا في ميراثه (غل4: 7؛ رم8: 16-17). فابراهيم وسارة وإسحق و المجوس يدخلون ضمن قائمة أبناء الملكوت، بينما هاجر وآسماعيل وهيرودس والقادة الدينيين اللأُباليين يدخلون في قائمة أبناء الجسد الذين لم يتحَّرروا منه ومما يتبعُه ، ولم يستقبلوا أنوار الروح التي أشرقت بيسوع المسيح.
ولا يترَدَّد بولس ايضًا فيُنبيءُ بأنَّ الصراع بين الجسد والروح لم يتوقف بل كان قائمًا منذ أيام بولس. فأبناء الجسد ، من عهد إبراهيم ، لن برتاحوا الى أبناء الروح ولا يتحَّملونهم. و كما ” كان المولود بحكم الجسد يضطهدُ المولودَ بحكم الروح، فمثلُ هذا يجري اليوم” (غل 4: 29). ولا يزال أبناء الجسد الى اليوم عبيدًا للظلام يُقاومون نورالحَّق والبر ويضطهدون أبناء الله الأحرار في الأقتداء بإسحق وبرَّبِ اسحق يسوعَ المسيح نفسِه. وأنهى الرسول كلامه بتحريض المسيحي على البقاء حُرًّا ، قائلا :” لقد حرَّرنا المسيح ( من عبودية العهد القديم ) لنكون أحرارًا. فآثبُتوا إذًا ولا تعودوا الى نير العبودية ” (غل5: 1) مُنَّوهًا بنوع خاص الى الختان وبقية بنود شريعة موسى الخاصة بالجسد. في حين إقتصرتْ شريعة يسوع المسيح على المحبة فقال بأنَّه يُعطي القيمة :” للأيمان العامل بالمحَّبة ” (غل5. 6).