تتلى علينا اليوم القراءات : اش1: 21-31؛ تث1: 33 -2: 1 1كور14: 1-12؛ لو12: 16-34
القـراءة : إِشَعيا 1 : 21 – 31 :– حَوَّلَ القادةُ أورشليمَ إلى مدينةِ ظلمٍ وفسادٍ وضلال. سيتدَخَّلُ الله ويُعيدُ الأُمورَ إلى نِصابِها والأشرارُ يحترقون بنيران فسادِهم.
القـراءة البديلة : تثنية 1 : 33 – 2 : 1 :– تذَمَرَّ إسرائيلُ في برّيةِ قادِشْ وعصى اللهَ فأَعلَمَهم أنْهم لن يدخُلوا أرضَ الميعاد ما عدا الذينَ وُلِدوا في البَرّية.
الرسالة : 1 كورنثية 14 : 1 – 12 :– يحُّثُ بولُس على طلبِ إِقتناءِ مواهبِ الروح القُدُس خاصّةً موهبةَ آلنُبُوَّةِ لآرشادِ الناسِ الى تعليم اللهِ الحَّق.
الأنجيل : لوقا 12 : 16 – 34 :– تُعَّلِمُنا قِصَّةُ الغنِيِّ الغبي أنَّ الأَموالَ لا تضمنُ حياةَ الأنسان، لذا يدعو الرب إلى إِستعمالِ الثروات لعملِ الخير.
غَنِـيٌّ أَخصَبَتْ مِهنَـتُـه !
غَنِيٌّ حالفَه الحظ فآرتقى سُلَّمَ الغِنى حتى بلَغَ قِمَّتَه. يانصيبٌ لمْ يحلمْ به نثَرَ عليه مالًاَ بسخاءٍ غير معهود. لم يتعَوَّد على مثل هذا الأمر. إِحتار!. ومن الطبيعي أن يبدأَ فيُفَكرَ كيف يُشغلُ مالَه. أين يحتفظ به؟. بالبيت؟ لا يسعُه. بريقُ الثروة دوَّخَ رأسَه حتى حلمَ أنَّه يسبحُ به. قتلَ حالَه، عمل في وقتِه وفي غير وقتهِ، بحَّقٍ وبغيرحَّق، وآحتار في كيفَ يُكَّدسُ الأموال ليتمَتَّعَ بالراحة والهناء. وهوذا الحِلمُ قد تحَقَّقَ. وآحتار هذه المرَّة في كيف يتصَرَّفُ به. إِنَّ رغبتَه في السعادة، وحلمَه بالقصور والمَلَّذات الهنيئة والسهراتِ اللامعة. قَرَّرَ أن يعيشَ أفضلَ عيشةٍ توَّفرُ له أهنأَ حياة. كلُّ هذا في إطار الحياة الزمنية والراحة الجسدية. وتصَوَّرَ أن أحسنَ وسيلةٍ لذلك هي أولاً إعادةُ النظر في سُكناه ومسكن أموالِه. فقرَرَّ أن يجعلها أحدَثَ ما يُمكن: آخر طراز. نموذجًا يسعُه هو وخيراتِه يقدرُ فيه أن يتمَّتعَ بالترف : يسرحُ ويمرحُ بعيدًا عن الناس. يتوَقَّفُ عن العمل فلا يُتعب نفسَه. ويستعملُ خيراتِه لتحقيق رغائِبه وشهواتِه وما تمَّناه من مُتعَةٍ طوال حياتِه،: ” لكِ يا نفسي خيراتٌ كثيرة، مؤونةَ سنين طويلة ، فآستريحي وكُلي وآشْربي وتنَّعمي”.
ولا يهُمُّهُ أن يخسرَ أموالاً طائلة لأعادة بناء مُجَّمعِه الحيوي. يُسعِدُه أن يتباهى بإنجازِه و بحكمتِه، ويرخي العنان لراحةِ الجسد. ولن يُفَكِّرَ في مَن أعطاه الأرضَ أو المُهّمة مصدرَ خيراتِه. ولا في الذي وضعَ في الأرضِ وفي الشغلِ تلك طاقةَ الخصبِ. ولا في الذي نسَّقَ و وَفَّقَ بين عناصر التربة والمطر والشمس والهواء، أو بين ذكاء الأنسان وحاجة الديمومة
والتقنية ونوع العمل حتى يحصل على تلك النتيجة المُذهلة. فلا إنتباه إلى الله الخالق، ولا تمجيدَه ولا حمدَه أوشكره. يحسبُ أنَّه البطلُ الموهوب وأنَّ فيضَ الثروةِ جاءَ حقًّا مُكتسَبًا، و ثمرًا لدرايتِه وتعبه وشقائه وحدَه.
ولا يهُّمُه أيضًا جارُه الذي بارَتْ أرضُهُ أو قست معه صِحَّتُه أو خانَتْه ظروفُ وظيفتِه حتى شُقيَ في حالِه فبالكادِ يسُّدُ رمَقَه. ولم يُبالِ أيضًا لا بالمريضِ ولا بالمُعَّوَقِ حيثُ يستحيلُ عليه العملُ فيُهَّددُه خطرُ الموتِ جوعًا. فلم يَدُرْ في خُلدِهِ أن يترَحَّمَ عليهم ويتقاسمَ معهم ولو جُزءًا بسيطًا من خيراتِه الفائضة. بكلمة : لا يهُّمُه الآخرون. ليس مسؤولاً عنهم. يُفَّكرُ فقط بنفسِه. وَليَحُّلَ كلُّ واحدٍ مُشكِلَته. ويتظاهرُ بحُّبِه لله وهو لا يسمعُه، فلا يعطفُ على قريبه ولو بنظرةٍ. إنَّها الأنانيةُ المقيتة. إنَّه الأيمانُ الأعمى. إنَّها العُزلةُ القاتلة عن الحياة. إنَّها نزعةٌ غريزية حيوانية فارغة من كل روح أو إحساس أو كرامة. لم يفهم أنَّه صورةُ الله. بل إنبهارُه وآنشِغالُه بثروته وبحلمِ راحتِه ونعيمِه أنسَتْهُ أنَّ الحياة الزمنية غيرُ مضمونة. يقدر أن يخزن الخيرات. يقدر أن ينعزلَ عن الآخرين ويتقوقعَ في أنانيتِه. ولكن دوامَ الحياة من يضمنُه له؟. الخيرات تُلَّبي شهواته الغريزية ولكن لا تقدر أن تحجزَ له الحيـاةَ إلى ما شاء!. إنَّها لا تضمن لهُ حتى ولا أن تُشرقَ عليه شمسُ الغد. وقد يُفاجِئُه الموتُ في كلِّ لحظة. فأين الحكمةُ في ما يفعل؟ وأين الراحةُ التي يحلمَ بها والموتُ يُهَّدِدُه في كل لحظة؟. وإذا مات فماذا سيكون مصيرُه؟.
الليلةُ تُسترَّدُ نفسُكَ منك ؟
وفعلا وضعَ الأنجيلُ أمام الأنسان هذا الأحتمال :” إنكم لا تعرفون يوم الموتِ ولا ساعَتَه”. ” الليلة تُستَرَّدُ منك نفسُك” التي ليست ملكُكَ بل مِلكُ خالقِها. ويُطالبُك الخالقُ أن تكون قد حفظتَ على نقاوتها من فساد الجسد وغباوةِ العالم. يقول الكتاب” عُريانًا ولدتَ، لا تملكُ غير دينِ الله لكَ إذ أوجدَك. وكلُّ ما تكتنِزُه لا يقدر أن يَحميَك من الموت، ولا أن يُرافقَك و ينفعُكَ في عالم الخلود. سيتنَعَّمُ به غيرُك. لأنك تموتُ عُريانًا، محرومًا من كلِّ ما أَشقيتَ نفسَكَ به. وبعد الموت الحساب. هل ضَمَنتَ حَقَّ روحِك، وهل وَفَّرتَ لها شيئًا ينفعها فتفرح به وترتاح؟. ألم يقل يسوع :” إكنزوا لكم كنوزًا في السماء “؟ (متى6: 20). حياة الروح الأبدية لا تنفعها خيرات الأرض الزمنية المادية. لأنها زائلة. تحتاج إلى خيراتٍ روحية كالصدق والمحبة والإخاء والرحمة والتعاون والعطاء والتواضع والسماح والوفاء ..” وكلَّ ما هو حَّقٌ وشريفٌ وعادلٌ وطاهر..” (في4: 8).
إنَّها الأعمالُ الصالحة. هذه لا تُشترى لأنَّها ليست سِلعًا للبيع. بل تُعاشُ فتُمارَس لأنها كنوزٌ روحية، من روح الله، تعود بالنفع على النفس. إنَّها غِناهم وكنزهم الروحي الذي لا يفنى يُرافقُهم ويتشَّفعُ فيهم (رؤ14: 13). من يقتني هذه الخيرات الألهية سيتقاسمُ حياة الله الأبدية في المجدِ والراحة. فالأنسانُ الحكيمُ يجتهدُ في التحَّلي بها والإكثار منها. يُحاولُ أن يقتني اللهَ حتى إذا داهمه الموت لا يكون غريبًا عن الله فيتجاهلهُ (متى7: 23؛ 25: 12). اللهُ وحدَه يضمن حياةَ السعادةِ للأبد. والمؤمنُ مدعُوٌّ أن يحب الله ويثق به فيسمع كلامه ويتقَّيدُ به. فأفضلُ الكنوز هو المحَّبة : لله ولجميع الناس لأنَّها وحدَها تدوم للأبد (1كور13: 8).