<< الصوم مقرونٌ بالصـلاة >>
تتلى علينا اليوم القراءات : يش4: 15-24 ؛ تك5: 19-31 رم6: 1-11؛ متى7: 15-27
القـراءة : يشوع 4 : 15 – 24 :– يعبرُ بنو إسرائيل نهر الأردن على اليبس ، و يُقيمون نصبًا تذكاريًا من حِجارةِ قاع النهر تذكيرًا بقدرة الله.
القـراءة البديلة : تكوين 5 : 19 – 31 :– يقُّصُ خبرَ الآباءِ الأوَّلين وطولَ أعمارهم الذي يرمزُ الى بركةِ الله لأنَّهم أبرارٌ صالحون يحفظون كلام الله.
الرسالة : رومية 6 : 1 – 11 :– ماتَ يسوع عن الخطيئة وحَرَّرنا. ويدعونا الى الإقتداءِ به والعيش في البِرّ مُطيعينَ شريعةَ الله.
الأنجـيل : متى 7 : 15 – 27 :– يُحَّذِرُنا الرب من الأنبياءِ الكَذَبة ومن مظاهرِ الأيمان والتقوى الخادعة. يُعرَفُ كلُّ إنسان مِن أعمالِه.
لِنَقْرَأْ كلامَ الله بشوق ٍ وآلتزام
الصلاة الطقسية
مع الإبقاء على ترتيب هيكلية الصلاة لكن للصوم ميزَتَه الخاصّة. له إضافات وله تغييرات. إنَّه فترة التعَّمق في تعليم الرب يسوع وفترةُ التدَّريب على عيش ذلك التعليم. فتشهدُ أحيانًا سُمُّوًا في الأخلاق وأُخرى هبوطًا. يشعرُ المؤمن بضُعفِه لكنه يعلمُ أيضًا أنَّ له سِلاحًا يحميه منه ويُغَّلِبُه عليه. هو” التوبة والصلاة “. والتوبة ليست ندمًا فقط وأسفًا فارغًا من ثمر. بل هي تصحيح مسار أعوج والقصدُ الثابت في مواصلة الأقتداء بالمسيح ومرافقته للسير نحو الآب. وهذا القصد يدعمُه بالصلاة، بدعوة الله الى عونه كي لا يخسر معركة الحياة الأبدية. فأصبحت الصلاة مع الصدقة رفيقة الصوم. ثالوثٌ خُلُقيٌّ كفيل بالنجاح والأنتصار.
خصوصية ترانيم الصوم
1+ ترنيمة الرمش : ” هلُّموا كُلُّنا نشكرْ إِلَهَنا الصالح ونُسَّبحْه، بقدر إمكاننا، على مساعداته
لجنسنا. كَرَّمَ في البدءِ صُنعَنا بآسم صورته الكريمة. ولمَّا حسَدَ عدُوُّنا كرامَتنا وأَوقَعَنا
عن مجدنا، تجَّلى لنا وكلَّمَنا بآبنِه الذي هو وارثٌ وأبٌ للعالم العتيد. وجمعَنا بمولدِه من
تيهِ الضلال الى معرفةِ لاهوتِه. فآعتمد وأعطانا ذخيرة البنين الحَّقة ، وصامَ ومنح
ضُعفَنا ليتَجَبَّرَ على الشيطان. وشجبَ بموتهِ الطاغية، ونَصَّرَنا فرفعنا وأقامنا معه في
المجد “*.
2+ إفتتاحية صلاة الليل : ” قُمتُ في مُنتصَفِ الليل لأشكَرَك أيُّها البّار على أحكامكَ:
الردة :” في الليل مع اليَقِظين نُرَّنمُ المجدَ لليَقِظِ الذي لا ينام. والملائكة تخدُمُه. ففي
الليل حيثُ تسكت أصواتُ كل الأجواق لِتطِب لك صلاتُنا أيُّها السيِّد الذي يُحِّبُ التائبين.
يسمعُ ولا يُهملُ. يستجيبُ ويُخَّلِصُ ويُنقذ. إسمع يا رب طلبتنا وآستجِبْ برحمتك
صلواتنا . فأنتَ وحدَكَ مليءٌ بالمراحم ويغفرُ الذنوب “*.
<< قمتُ في منتصفِ الليل لأشكرَك أيُّها البّارعلى أحكامك * أنا صديقُ كلِّ أتقيائِك
والذين يحفظون نواميسك * رحمتُك تملأُ الأرضَ فعَّلِمني وصاياك * >>
(مز118، فقرة 8، 62-64) تُكَرَّرً الردة بعد كل آية. وتعقبها الصلاة الآتية :
” يا رب نقوم في نصف الليل لخدمتك بتيَّقُظ. بينما تسكتُ معا أصوات كلِّ الأجواق ننشد المجدَ لثالوثك المُمَّجَد بدون توَّقُف. أَيُّها اليَقِظُ الذي يُمَّجِدُه دومًا اليقِظون. والقُدّوسُ الذي يسكنُ برضاهُ بين القِدّيسين ويرتاح ، إِغْفِرْ يا رب بحنانك ذنوبَنا، وأضِيءْ عيونَ قلوبِنا بنور معرفتك، كي نعلم أن نُقَرِّبَ لك بنقاِوة الأفكار ذبائحَ نقيَّةً لأذهاننا، مع الثمار الناطقة لشفاهِنا بأفعال شكرٍ تليقُ بآسمِك القُدّوس يا سَيِّدَ الكل: الآب والإبن والروح القدس للأبد”*.
3+ ترنيمة المجلس : ” تعالوا يا نشيطين نكون يقظين في الصلاة ، لأنها هي تُعطينا رجاءًا
عظيمًا وخلاصًا وإشراقة الوجه. بها نقبلُ عربون حياة السماء. وبها أيضًا نأخذُ أُجرةَ
ذخيرةِ البنين. وبها أيضًا نقتني سِلاحًا قوِّيًا، صاغَه الروحُ القدس. وبها نُصبحُ ورثاءَ
ملكوت العُلى. فهَّلُموا نتوَّشح بدلة الفضيلة فلا نُبعَدَ عن الوليمة، ونملأَ مصابيحَنا زيتًا
، ولا نتشَّبهَ بالجاهلات، حتى نلاقي مع الحكيمات الملكَ المسيح عند تجَّليه وندخل معه
الى الخدر مُرَّنمين له المجد “*.
4+ ترنيمة التسبحة : ” أبانا السماوي، قدّوسٌ بطبيعتِه. أهِّل ساجديكَ أن يُقّدسوا إسمَك *
ليأتِ ملكوتُك، بالسِرّ قبل الزمان. مثل الذي نحن الآن أصبحنا في سيرته*
لتكن مشيئتُك ، على الأرض بدون خوف. كما في السماء لا يوجدُ من يُؤذينا *
خُبزَنا حاجتنا، أعطِنا كلَّ يوم. لأنَّ طبيعة المائتين تحتاج إليه كلَّ حين **
· قبل صُنعِنا، عارفٌ أنت بِسُوئِنا. صنعتنا بحُبِّكَ فأُمحُ ذنوبَنا برحمتِك *
أَذنبْنا الى وجودك وأَثِمْنا الى بعضِنا. نتركُ الواحد للآخر وأنتَ يا رب لجميعِنا *
لا نبقى في تجاربِ الأبالسة والشهوات. لأنْ هي صعبَةٌ وأمَّا نحن فضُعفاء *
بجاهِ حنانك خَلِّصْنا من الشِرّير. فأنتَ وحدَك تغلبُ طغيانَه *
لك المُلكُ والقُوَّةُ والتسبيح. فهبنا أن نكون في ملكوتك وُرثاء حبيبك *
ونرفع لسيادتك مع قديسيكَ. المجدَ اللائق بك مدى الدهور. آمين “*.
5+ ترنيمة السهرة : ” إنَّه زمنُ الرأفةِ والرحمة. يا رب نتضّرَّعُ طالبين أن ترحمَنا.
التأَهُّباتُ للحرب كثيرة. البحرُ والبَرُّ مليئة بالإضطرابات. أيُّها الملكُ المسيح يا مَن
صُلِبتَ من أجلنا، كما علَّمتنا أن نثقَ بك عندما كنا ضالّين وأريتنا طريق الحَّق. هكذا
أعطِ برحمتِك، للكنائسَ التي تلجَأُ إلى صليبك في كل البلدان، الغلبةَ من العُلى”*.
التعليم
بينما ترتاحُ الكائنات ليلا ويُخَّيم السكوت على الكون ويغرقُ أهل العالم في نوم أحلام المال والجاه والشهوة يسهرُ تلاميذ المسيح بالصوم والصلاة. يستيقظون ليلاً ويُسَّبحون الله مع الملائكة والقديسين. لا يدعون ظلمة الشر والفساد تأخذ راحتَها في تُدنيس الخليقة. يعرفون أنَّ الرشوة تُفسدُ حتى رجال العدل. والراشي يقوم بعمله بخفاءٍ يُشبهُ ظلام الليل. قال الرب: ” من يعملُ السَيِّئات يُبغضُ النور، فلا يُقبلُ الى النور لئلا تفتَضِحَ أعمالُه “(يو3: 20). لذا الليل رمز السوء عكس النهار رمز الحق والنقاء. فتلاميذ المسيح يُقَّدسون الليلَ أيضًا برفع صلواتهم وتسابيحهم. يُضَّحون براحتهم بل يريدون أن تكون راحتهم في تسبيح الله كما هي حالُ ساكني السماء :” سمعت كلَّ خليقةٍ في السماء والأرض وتحت الأرض وفي البحر و العالمين أجمع يقولون : للذي على العرش استوى وللحمل الحمدُ والإكرامُ والمجد والعِزَّة أبد الدهور ..” (رؤ5: 13؛ 19: 1).
دعت ترنيمة المجلس تلاميذ المسيح” النشيطين”الى الصلاة لأنها مصدرُ رجاء وعملٌ مُجزٍ وهي سلاح قوِيٌّ ” صاغه الروح القدس”. قال الرب” صلّوا كلَّ حين ولا تمَّلوا” (لو18: 1) ، وأنَّ الإلحاح في الصلاة ينالُ المبتغى المنشود (لو11: 8 ) ، فمن ” يسألْ ينلْ ومن يطلبْ يجدْ، ومن يدُّقْ الباب يُفتَحْ له” (لو11: 10؛ متى7: 8). وكان يسوع نفسُه يُصَّلي ، ويقضي أحيانًا الليل كله في الصلاة (لو6: 12), و وعدَ أنَّ كلَّ من يًصلي ويطلب بآسمه يُستجابُ له (يو16: 23). ولهذا قالت ترنيمة أُخرى: ” قوة الصلاة العظيمة ذو بآس ومجيدة وفاضلة ، بها إشتهر الأبرارُ بأنواع الأمجاد.. وصنع الأنبياءُ المعجزات وكشفوا الخفايا وتنَبَّأُوا.. وبها تُمنَحُ كلًّ العطايا للناس.. (فأنهت بنداءٍ وقالت) ونحن أيضًا يا إخوتي تعالوا نسأل غفران الذنوبِ ونطلب عون الرحمة قبل أن يُدركنا الظلام”. الصوم زمن محاربة ابليس وإغراءاتِه . وابليس عدُّوٌ مكَّار وغَدَّار لا يُغلب إلا بالصوم والصلاة (متى17: 21)
وقالت ترنيمة السهرة فإنَّ الصومَ زمنُ الرأفةِ والرحمة. كررت الطلبةُ القولَ. لأنَّ المسيح فتح بابًا للرحمة والنعمة ،فـ” بابه مفتوحٌ للتائبين. والذين يقرعونه يُكثر لهم الإستجابة و يُخَّلصُهم “. لقد وعدنا يسوع بالرحمة. وثقتنا به ، كما قالت ترنيمة أخرى،” تحُثُّنا على طلب الغفران منك. لا لأننا نستحق بل لأنك أنت تُبَّررُ مجّانًا الذين يسألون بآسمك”. لقد اكَّد يسوع أنه يريدُ رحمةً لا ذبيحة (متى9: 13). إنما ربط رحمتَه لنا برحمتنا على غيرنا ” أما كان يجب عليك أن ترحم صاحبَك كما رحمتُك”؟ (متى18: 33). فعندما نُصَّلي ابانا الذي نقول :” إِغفِرْ لنا ذنوبنا كما غفرنا نحن لمن أساءَ إلينا ” (متى6: 12).
علمَتْنا صلاةُ اليوم صيغةً تفسيرية لأبانا الذي. وقد سبقها مار نرسي بصيغة تفسيرية أخرى مشابهة إنمَّا بشكل أوسع. وأتذكر أنَّ للشماس المُطرب وديع الصافي أيضًا ترنيمة ” أبانا الذي مُطَّولةً ومُفَّسرة بشكل عملي للسلوك المسيحي. ومن جملة ما قال :” قبل صُنعِنا أنت عارفٌ بسوءِنا “. وكملَّها بأن الله خلقنا لسبب تفَوُّقِ محَبَّته ولم يُعطِ قيمةً لسوءنا بل فاضت بالوجود لنا، لذا سأله أن يستعمل هذه المرة رحمته، والزمن لرحمتِه، فيغفرَ لنا كلَّ ذنوبنا. وختم الصلاة بحَّثِنا على رفع المجد اللائق لسيادة الله مع جميع قديسيه مدى الدهور.
الصلاة
قالت صلاة “يا خاطئين هَلُّموا أُطلبوا الرحمة “. وقالت غيرُها ” هلموا كلنا نركع للصلاة … لكي نجد رحمةً وغُفرانًا للذنوب عندما يتألَّق جميعُ الأقطار بأشِعَّةِ الصليب ويرفضُ أعداؤُه أن يسجدوا له”. وسَجَّلت صلاة ثالثة طالبةً ” يا رب بارك أعداءَنا الذين يريدون لنا الشر. و آغفر لهم كلَّما أخطأوا إلينا ولا تذكر لهم خطاياهم”. تبدو طلبةً غريبة تنخُسُ حسَنا البشري. لكنها أتت في محَّلها. نحن في الصوم ونريدُ أن نتعَّلم ونُجَّسد صورة المسيح فينا. ويسوع صَلَّى من أجل صالبيه وغفر لهم سوءَهم. والصلاة توعينا بتعليم يسوع وتساعدنا في جهادنا ضدَّ تطرُّف أهوائنا وتوفيق مسيرتنا مع نموذج المسيح. والصلاة قالت ذلك إذ أكملت :” إنَّه أنت من أمرتنا أن نُصَّلي من أجل إعدائنا ومُبغضينا ” (لو6: 28). هكذا تُقَّربُنا الصلاة الى المسيح في الصوم أكثر من أيِّ زمن آخر.