الفكرة الطقسية : الصومُ مقرونٌ بالصـلاة
تتلى علينا اليوم القراءات : يش4: 15-24 ؛ تك5: 19-31 رم6: 1-8 (-23) ؛ متى7: 15-21
القـراءة : ايشوع 4 : 15 – 24 :– يعبُرُ بنو إسرائيل نهر الأُردن على اليبس، و يُقيمون نصبًا تذكاريًا من حجارة قاع النهر يُذَّكرُ بقدرة الله و رحمتِه.
القـراءة البديلة : تكوين 5 : 19 – 31 :– تقُّصُ خبرَ الآباءِ الأَولين ويعزو طول أعمارهم إلى بركةِ الله لأنَّهم أبرارٌ صالحون.
الرسالة : رومية 6 : 1 – 8 :– مات يسوع عن الخطيئة وحَرَّرنا. وبالعماد نموت مع المسيح عن الخطيئة ونقومُ معه لحياة جديدة. فيدعونا الرسول الى الأقتداء بيسوع والعيش في البِرِّ مُطيعينَ شريعةَ الله.
الأنجيل : متى 7 : 15 – 21 :– يُحَّذرُنا الرَّب من الأنبياءِ الكَذبة ومن مظاهر الأيمان السطحية والتقوى الخادعة. يُعرَفُ كلُّ إنسانٍ من أعمـالِه.
الأنبياء الكـذبة !
يدورُ الكلامُ عن أنبياءَ كاذبين، مُزَوَّرين، يخطفون المؤمنين كما تخطفُ الذئابُ الخرافَ و تفترسُها. يُحَّذِرُ متى منهم. إذًا هُم جماعةٌ حاضرة أو تحضرُ مستقبَلاً. إذًا لا يخُصُّ الأمرُ أنبياءَ الماضي، وكان يوحنا المعمدان آخرَهم، وقد سبقوا المسيح وتنَبَّأوا عنه كي يتعَّرفَ عليه الناسُ عندما يجيءُ. و”يأتونكم” يعني حاليًا أو مستقبَلا. فهل يأتي بعدَ المسيح أنبياء ؟. أو هل في المسيحيةِ أيضًا ” فِئة ” من مؤمنين يُدعَون أنبياء ؟. وهل يتنَّبَأون عن مستقبلِ المسيحيةِ والعالم ؟.
من هم ؟ . وما دورُهم ؟
الأنبياء في المسيحية
ــــــــــــــــــــــــــــــ يذكرُ مار بولس أنَّ من بين مواهب الروح القدس للمؤمنين، و التي تؤولُ الى بُنيانٍ الكنيسة، توجد موهبةُ ” النُـبُـوَّة ” (1كور12: 10). كما ذكرَ أنَّ المؤمنين بالمسيح يتمَّيزون عن بعضِهم بمواهبِهم الخاصّة. وذكر منها موهبة : الرسالة ( تبشير)، والنبُوءة، والتعليم، وصُنع المعجزات، والشِفاء، والأسعاف، وحسن الأدارة، والتكَّلُم بلغاتٍ متنوِّعة والترجمة (1كور12: 29-30؛ أف4: 11). ويُضيفُ ماربولس إِليها مواهب الخدمة والوعظ والرحمة (رم12: 6-8). ويضعُ موهبة النبوة دومًا في المرتبة الثانية بعد المحبة، عدا في رم12: 6 حيث تبَوَّأَت المرتبة الأولى. ويُرَّكزُ على النُبُّوة ويُشَّددُ عليها حتى يُفَّضِلَها على بقية المواهب. يقول :” تشَّوَقوا إلى المواهب الروحية، ولاسيما موهبة النبوءة” (1كور14: 1)، ويُضيف: ” أكثرُ رغبتي في أن تُـنْبِـئوا” (1كور14: 5). ويُنهي حديثَه عن المواهب بتفضيل النبوة وبالدعوة الى تَمَّني الحصولَ عليها، مُدَّعيًا أنَّ حديثَه هذا ” وصّيةٌ من الرَّب ” (1حور14: 38).
لقد ذكر أعمالُ الرسل وجودَهم وعَرَّفَ ببعضِهم، هم :” أغابُس و أربع عذارى بنات فيلبس الشماس” (أع11: 27-28؛ 21: 9-10). وكتاب ” ديداخى ـ تعليم الرسل” (حوالي 100م) يؤَّيدُ وجود هذه الفئة من المؤمنين بجانب الرسل. وفي حديثه عن “الأنبياء” يُعطي المؤمنين إشاراتٍ بها يُمَّيزون الأنبياء عن غيرهم، والصادقين منهم عن المُزَيَّفين (فقرة11). ويبدو أنَّ فئتَي الرسل والأنبياء لا فقط ظلتا في الصدارة بل وثبتتا مُتمَّيزتين وبارزتين حتى يدَّعي بولس أنَّ إيمان أهل أفسس” بُنيَ على أساس الرسل والأنبياء” (اف2: 20)، لأنَّ سِرَّ المسيح ” كُشِفَ الآن في الروح لرسله وأنبيائِه الأطهار” (أف3: 5).
دور الأنبــياء !
ـــــــــــــــــــــ إذا كان دور الرسل إعلان الكلمة والصلاة أي التعليم والعبادة (أع6: 2-4)، فيبدو أن دور الأنبياء هو تفسيرُ هذا الكلمة وإيصالها الى المؤمنين، لاسيما عيشها بقناعةٍ وشجاعة فيكونوا قدوةً للآخرين. وموضوع النموذج/القدوة مهِّمُ جدًّا عند بولس فيُشَّددُ عليه كثيرًا في رسائله، لأنَّ المثال صورة حّيَّة ناطقة للأيمان المسيحي. أمَّا بخصوص تفسير الكلمة وإبلاغِها بشكل حيويٍ دقيق الى المؤمنين فهذا يُؤَّكدُه بولس فيقول: ” إنَّ الذي يتنَّبأُ يبني الكنيسة .. لأنَّه يُكَّلمُ الناسَ بكلام يبني ويُشَّجعُ ويُعَّزي” (1كور14: 3-4). ولهذا يُضيف بولس قائلاً:” أُفَّضِلُ أن أقولَ، وأنا في الكنيسة، ” خمسَ كلماتٍ ” بعقلي أُعَّلِمُ بها الآخرين، على أن أقولَ ” عشرة آلاف كلمة بلغة”. لأنَّ من يتكلمُ بلغةٍ (غريبة) لا يُشركُ غيرَه بما عنده، بل يُمَّجدُ اللهَ ويشكرُه بعباراتٍ غبر مفهومةٍ ينطقُ بها بقوة الروح القدس” ( 1كور14: 14-19). وهكذا يكون النبي أفضلَ من المتكلمِ بلغات.
أمَّا بخصوص أن يكون النبي قُدوةً للآخرين فيُشَّددُ عليه كتاب ” تعليم الرسل ـ الديداخى” و يقول:” ليس كلُّ نبيٍّ يتكلمُ بالروح هو نبي. بل من له سلوكُ الرَّب. فمِن السلوكِ يُعرَفُ النبيُّ الصادق من الكاذب. فكلُّ نبِيٍّ يعلمُ الحَّق، إنْ كان يعلم ولا يعمل، فهو نبيٌّ كاذب” ( فقرة11 ، أرقام 8 و10). ” من ثمارهم تعرفونهم”!. فالنبيُّ إذًا قائدٌ للجماعة المؤمنة، فكريًا وروحيًا ، بتفسير الكلمة وبالعبادة. ولهذا لا فقد هو قريبٌ من الرسل بل هو الأقربُ إليهم حتى يندمجُ أحيانًا بهم، ويشتركُ معهم في بنيان الكنيسة الروحي، بأقواله وأعماله. وخدمتُه ظاهرة ومرتبطة بالسامعين له حتى يتفاعلوا معه إذ هو نموذجٌ لهم (1كور14: 16 و 19). ويحملُ كلامُه للمسيحيين :
- ويحاً :- أي إلهامًا إلَهيًا يدعوهم إلى الأرتفاع بسلوك المؤمنين الى مستوى أخلاق المسيح ، بتنقيةِ أفكارهم وتصفيةِ قناعاتِهم، فتتجَدَّدَ الكنيسة دومًا بقوة الروح الذي يُرشِدُها هكذا، من خلال الأنبياء، إلى الحَّقِ كُلِّه، وكلَّ جماعةٍ حسبَ زمانها و حضارتِها ؛
- او علماً :- أي تجديد وإتمام إدراكِ كلام المسيح حسبَ الظروف الخاصّة ؛
- أو تعليماً :- فيتذكر بما قاله يسوع أوذَّكرَبه وسجَّله الرسل في العهدِ الجديد (يو14: 26)؛
- أو نبوءةً :- يقرأُ علامات الزمن والأحداث ويكشفُ له الروح القدس إرادة الله في كيفية إدارةِ الكنيسة، وحتى ما يحدُثُ لها مستقبَلا (أع11: 28؛ 13: 2؛ 15: 28؛ 21: 4-10؛ 27: 23-25).
بأتــونَكم بلباس الحملان… !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هنا يبدرُ سؤال، هو : هل يعني كلامُ متى أنبياءَ من
داخل الجماعة المسيحية يتصَرَّفون كذئابٍ خاطفة؟ أم يعني غرباءَ من خارج الجماعة المسيحية تُحاولُ الإساءة إليها ؟. أنبياء من الجماعتين :
انبياء من داخل الكنيسة!
فدعوا ” كَذَبَةً” (1مل13: 11-18؛ عدد22: 21-32؛ 2بط2: 15؛ رؤ2: 14). ولنا مع يسوع رسولٌ خان وآخر نكر لكنه تاب. وذكر أعمال الرسل سمعان الساحر الذي زاغ عن الحَّق وطمع في موهبة الكهنوت وحاول نيلها بالمال (أع8: 18-23). ولكنَّ سفرَ الرؤيا صريحٌ في ذكر أنَّ بعضَ المسيحيين الأوائل، ربما في مواقع مرموقة من المسؤولية زاغوا عن الحق في التعليم وفي السلوك (رؤ2: 4-6، 12-16) منها :” ايزابل التي تزعم أنها نبية وتُغري عبادي فتُعَّلمهم أن يزنوا ..” (رؤ2: 20؛ 3: 1-4 و 15-20).
وقد يكون أنْ وجد متى في رعِيَّتِه، التي يكتب إليها بعضًا من أمثال هؤلاء، بين وُعَّاظٍ و معَّلمين، ينتمون رسميًا إلى فئةِ الأنبياء لكنهم زاغوا علنًا عن الحَّق فيُحَّذِرُ منهم ومن أمثالِهم في المستقبل. وهو ” أولاً” : يحتاطُ لمؤمنيه ويحرس عليهم فيُنَّبِهُهم على الخطر المحدق بهم والأذى الذي قد يحُّلُ بهم من إنحرافاتٍ أو ضلالٍ في التعليم والسلوك ؛ ” ثانيًا ” : يساعدُ كنيستَه على تصحيح أوضاعٍ قد تدهورت وتعاني منها الجماعة. كما يذكر بولس أيضًا لتلميذيه طيمثاوس وطيطس (1طيم1: 4؛ 4: 1؛ طي1: 14). وفعلاً يتحَّدث الرسول في رسائله عن “إخوة كَذّابين” و”رسل كَذّابين” (2كور11: 13 و26؛ غل2: 4)، و” معلمين كَذّابين” (2بط2: 1)؛ وسبقهم متى فحَدَّثنا عن “مسحاء كذابين “و” شهود كذابين” (متى24: 23؛ 26: 60). كما ذكر بولس حرفيًا قومًا ” يلقون البلبلة ” في كنيستي غلاطية وفيلبي، و غايتُهم أن يُبَّدلوا بشارةَ المسيح (غل1: 7؛ في1: 15)، وسببهم الحسد والمنافسة بنيَّةٍ سَيِّئة. فهولاء مؤمنون بالمسيح، لكنَّ تصَّرفهم مخالفٌ لشريعةِ المسيح، فخرجوا عن الأيمان و سلكوا طريق الدجل، كما قال يوحنا :” خرجوا منا، بَيدَ أنَّهم لم يكونوا مِنّا، لأنَّهم لو كانوا منا لآستمروا معنا ” (1يو2: 19).
انبياء من خارج الكنيسة!
———————– يوجد في الجماعة أيضًا من ليسوا لا أنبياء ولا ذئابًا خاطفة ، لكنهم شواذ عن الحياة الأيمانية العامة. وقد يحاولون نيلَ المناصب أو جمع الثروات بآسم المسيح وعن طريق الكنيسة فيتظاهرون بالأيمان الأكثر تنويرًا، خلافًا لنيّاتهم ومآربِهم فيُسيئون الى الجماعة المؤمنة حَّقًا. أمثال هؤلاء ليسوا ذئابًا. لأنَّ الذئابَ لا تنتمي الى قطيع الخراف ولا تتساكن معهم. هؤلاء قد لا يهدفون هدم الكنيسة. لكنَّ مثالهم الرديء يؤثر على الآخرين، وقد يفتخرون بذلك ويدعون الى الأقتداء بهم، بهذا يبدو شَّرُهم وقد يخطفون كثيرين ليعيشوا خارج إطار شريعة المسيح. ولكن الحديث هنا يخُّصُ الذئاب التي تأتي من خارج القطيع لتُبَّدِدَها (يو10: 12). وقد نوَّه اليها المسيح :” ها أنا أرسلكم كخرافٍ بين ذئاب” (متى10: 16).
وقد ندَّد يسوع بتعليم الفريسيين وهم خارج الكنيسة. لكنَّه حَذَّرَ بنوعٍ خاص من مُسحاءَ و أنبياءَ كذابين ” يأتون بآياتٍ عظيمة وأعاجيبَ لو إستطاعت لأَضَّلت المختارين أنفسَهم” ( متى24: 24). ويمكن أن يكون هؤلاء في الداخل أو من الخارج. إنَّما حَدَّدَهم سفر الرؤيا بأنهم من الخارج (رؤ13: 1-7).
قد يكون الأنبياء الكذابون فِئةً مُنَّظمة ضمن تَيَّارٍ فكري مُلحد أو إرهابي. وقد يكونون أفرادًا مُستّقلين لهم سلوكهم الخّاص الشّاذ. المُهم أنَّ النبيَّ الكذاب هو كلً من يُنافقُ ويقدم نفسَه بمظاهر العلم والبر والقداسة، رغمَ أنَّه خالٍ منها. من يلبسُ زِيَّ الحملانَ ، مثل هيرودس الذي أعلنَ رغبتَه في السجود للمسيح لكنَّه أضمرَ في قلبِه قتله. قد يتظاهرُ مؤمنٌ بأنَّه يعرفُ المسيح أكثر من غيرِه، وأنه مسالمٌ خدوم، فيدعو الناس إلى أن تتبعَه في السلوك. لكنه في الواقع” دَجّالٌ وغَشَّاش” إذ ينخُرُ الأيمان من الداخل. أَ ما هكذا تظاهر ابليس لحوّاء إلى أن أغراها حتى فقدت ثقتها بالله فخالفته وسقطت من مجدها؟. عندما تكون النيَّة سيِّئة ينحرفُ الفعلُ فيُثمرُ سوءًا. والمنافق السَيِّيء لا يكشف هويتَه بل يتظاهر بآتّباع الحق والأمانة وحتى المحبة للمسيح. إنَّه يتمسكن حتى يتمَّكن. وإذا تمَّكن يكشفُ عن أنيابِه فيدّعي مسيحًا عصريًا يوَّفر للأنسان كلَّ التسهيلات لنيل الشهوات والملذات، تبَعًا للحياة الأجتماعية السائدة في كُلِّ العالم. قد يفعلون ذلك بُغضًا بالمسيح أو غيرةً ودعايةً لمبادئهم المناوئة للمسيح. وفي كلتا الحالتين يحاولون تدمير كنيسةِ المسيح وإبادة تلاميذه.
تسود اليومَ العالمَ مباديءٌ هدَّامة، تُرخي العنان للملَّذات الحِسِّية والشهوانية، تقَّدمها بعضُ الفِئات لتفترس بها خرافَ المسيح كما فعل بلعام بشعب الله (رؤ2: 14؛ عدد 31: 16؛ 25: 1-3). فمطلوبٌ من المؤمن بالمسيح أن يحذر أمثالَ هؤلاء. أحيانًا تفضحُهم تصَّرُفاتُهم. و لكن في الأغلب يُخفون نواياهم السَّيئة. فـللتأكد من عدم الوقوع في شرِاكِهم ولحماية إيمانهم نقيًا قويًا ينفعُ المؤمن أن يُصغيَ للكنيسة، وأن ينتبه إلى صوت الضمير، الذي فيه يُسمِعُه الروح القدس صوتَه. الكنيسة وحدَها تملكُ الحَّق لأنها تملكُ المسيح، الأله المخَّلص. ومن خلالها يُفهِمُنا الرب تعليمه. ولها وحدَها السُلطان الألهي في تعليم الحَّق وتفنيد الضلال (متى 28: 19). و طوبى لمن يُصغي إليها. فقد قال الرب :” من سمع منكم ـ رسل الكنيسة في كل العصور ـ سمع مني. ومن أعرضَ عنكم أعرضَ عنّي. ومن أعرضَ عني أعرض عن الذي أرسلني” (لو10: 16).