أهلا وسهلا بالأخ ريبوار داود
تساءَل الأخ ريبوار عن الآية المذكورة قائلاً :
* ماذا يُقصـدُ بالآية ؟
* هل يوحنا هو إيليا ؟
الآية هي : ” إِذا شِئتُم أنْ تُصَّدِقوا ، فآعلموا أنَّ يوحنا هو إيليا المُنتَظَر”.
قـصدُ الآية !
كانت مأساة الشعب اليهودي، وفي مقدمته القادة الكهنة والكتبة والفريسيون أنهم لم يؤمنوا بيسوع أنه هو المسيح المنتظر. وبرروا ذلك بألفِ حجَّةٍ وحُجَّة. إنما الحجة الأساسية كانت أنهم حسدوه (مر15: 10)، ورفضوا أن يعترفَ به الشعبُ فيتبَعَه ويتراجعَ عن إتّباعِهِم و الخضوع لتوجيهاتِهم (يو11: 48؛ 12: 10-11، 19). وقد لامهم يسوع على ذلك مرارًا (يو8: 45-47؛ 10: 25)، ودعاهم الى تصديق ما يقوله ويعمله بآسم الآب (يو10: 38؛ 14: 11). وبما أنهم ما كانوا يُصَّدقون أنه{ يسوع} هو المسيح، فعرض عليهم أن يُصَّدقوا أقَّله ما قاله لهم عن يوحنا المعمدان الذي آمن به الشعب ورفض القادة الأيمان به (متى21: 25-26).
ويعني يسوع بذلك أنَّ الخلل ليس فيه هو حتى لا يؤمنوا به. بل الخلل فيهم هم إذ لا يؤمنون أصلاً حتى ولا بالله (يو5: 43-44)، بل فرضوا عقوبة الطرد من المجمع لكل من يؤمن بيسوع (يو9: 22). لأنهم لا يؤمنون حتى بالله إِذ لم يعرفوه (يو7: 28 ؛ 8: 19)، ولا أحَّبوه (يو5: 42) ولا سمعوا صوته قط (يو5: 37). وحتى موسى الذي يقَّدسونه ويَدَّعون تلمذته (يو9: 28-29) وعقدوا كلَّ آمالهم عليه لا يُصَّدقونه (يو5: 47). إنهم لا يؤمنون إلا بأنفسِهم بأنَّهم وحدَهم مُؤتمنون على الحَّق، فأقاموا أنفسَهم نموذجًا للأيمان يُقتدى به (يو7: 48). ويعرضُ عليهم يسوع حقيقة أُخرى وتعليمًا كتابيا حاضرًا في أذهان كل يهودي ألا و هو إنتظارُهم لأيليا النبي ليُعيدَ الحَّق الى نصابِه ويُهَّيِئَ الجو لآستقبال المسيح. ولعَّلهم يعيدون النظر في مواقفهم ويُغَّيرون موقفَهم منه.
من هو يوحنا ؟
هو إيليا المُنتظر، كما قال يسوع. قام جدال بين الناس وخلافٌ حول شخصية يسوع من يكون؟ أَ يكون إيليا أو إرميا أو حتى يوحنا قد عاد الى الحياة ؟. أما عن يوحنا فلا أحد فكَّر أو إدعى بأنه إيليا. هناك تشابُهٌ غريب بين مظهرهما الخارجي في اللبس أو الأكل (2مل1: 8)، وتقارب كبير في سلوكهما في الوقوف بوجه الملوك الأقوياء الفاسدين وإيصال صوت الحَّق الألهي (1مل18: 17-19؛ متى14: 3-5). أما نعتُ يسوع ليوحنا أنه نبيٌّ فقد تحَدَّثَ يسوع في آيات سابقة وأكَّد بأن الكتاب المقدس تكَّلم عن ذلك مُطَّبقًا على يوحنا ما أنبأَ به ملاخي عن إيليا، فقال :” إنه نبيٌّ وأفضل من نبي. فهو الذي يقول فيه الكتاب : أنا أُرسلُ رسولي قدّامَك، ليُهَّيئَ الطريقَ أمامَك “(متى11: 9-10). القاسمُ المشترك والوجهُ الرديف بين الشخصين هو” الرسالة / المهمة ” التي يؤَّديانها.
لقد سبق الملاك وأعلن ذلك لزكريا عندما بشَّره بمولد يوحنا. وقال :” يسيرُ أمام الله بروح إيليا وقُـوَّتِه، ليُصالحَ الآباء مع الأبناء.. فيُهَّيئَ للرَّبِ شعبًا مُستَعِّدًا له “(لو1: 17). ولو عُدنا الى نبوءة ملاخي لقرأنا ما يلي :” ها أنا أرسلُ إليكم إيليا النبي، قبلَ أن يجيءَ يومُ الرَّب العظيم الرهيب. فيُصالحُ الآباء مع البنين..” (ملا3: 23-24). واليوم العظيم يعني به ظهور الله أو المسيح المخلص المنتظر لمحاسبة الأشرار،{ يمحص ويُنّقي ويُصَّفي}، والدعوة الى التوبة (ملا3: 1-7). وملاخي لا يفعل سوى أن يُعيد الى الأذهان نبوءة أشعيا عن الخلاص بالمسيح الذي يسبقُ مجيئَه رسولٌ يُهَّيئُ الناس للتعرُّف عليه والتجاوب معه، فيقول:” صوتُ صارِخٍ في البرية : هَّيئوا طريقَ الرب ومَّهدوا في البادية دربًا قويمًا لآلهنا .. فيظهرُ مجدُ الرب ويراهُ جميعُ البشر معًا” (اش40: 3-5).
كلُّ هذا يقودُنا الى أن نُمَّيز، إن كان في إيليا أو في يوحنا المتشابهين والمتقاربين، بين ” الشخص” وبين ” الرسالة “. إنهما شخصان مختلفين. عاشَ الأول في القرن التاسع قبل المسيح وعاصر الملك آخاب (869-850ق م)، وهو فاتحُ عهد النبوة، بينما عاصر يوحنا المسيح وختمَ النبوة بإعلان تحقيقها بمجيء المخلص المنتظر الذي يُصَّفي حساب البشرية ويُنَّقي بيدرَه من الشر والمفسدين (متى3: 7-12). أما الرسالة فهي نفسُها مُعزاةٌ الى إيليا لأنه كان يُعتقَدُ أنه مازال حَّيًا وأنه سيعودُ الى مسرح الأحداث ليُهَّيئَ لمجيءِ المخَّلص المنتظر. لقد عاد فعلا ليشهد للمسيح مع موسى يوم تجَّلى يسوعُ في لاهوته أمام تلاميذه. أما الرسالة فقد أدَّاها يوحنا، وأكمل الدور بتهيئة الطريق أمام الله الحاضر مع البشر. فايليا ظلٌّ أو صورةٌ ترمز الى يوحنا، ويوحنا تحقيقٌ لتلك الصورة. وقد إفتهمَ زكريا أنَّ دور إبنه أن يُتَمِّمَ نبوءة اشعيا ويُكمل نبوءة ملاخي، فقال له :” وأنتَ أَيُّها الطفلُ، نبِيَّ العَلِّيِ تُدعَى، لأنَّكَ تتقَدَّمُ الرَّبَ، لتُهَّيئ الطريقَ له ” (لو1: 76). وقد نوَّهت الرسالة الى العبرانيين بأنَّ كثيرًا مما جاء في العهد القديم هو” صورةٌ وظلٌّ للحقائق السماوية ” (عب8: 5)، ومثالٌ لنا (1كور10: 6)، كُتبَتْ تعليما (رم14: 4) ، و تنبيهًا لنا نحن الذين بلغوا منتهى الأزمنة ” (1كور10: 11).