أهلا وسهلا بالأخ باسيل ألبيرت
يقرأ الأخ باسيل الكتاب المقدس. وتصدُمه فيه أحيانًا بعضُ العبارات التي يُتَّـيِهُ ظاهرُها القارئ ويحاولُ فهم ظاهر حرفِها. مثلا: سببُ قتلِ قايين لهابيل هو الله لأنَّه قبِلَ ذبيحةَ هابيل ورفض قربانَ قايين فزرع الحسد بينهما. ربما قايين أيضًا يحب الله لكنه غارَ من أخيه. أضاف السائل : أ ليسَ اللهُ من وَصَّى يالأبن البكر؟ فلماذا يُفَضِّلُ دومًا الأبن الثاني؟. فَضَّل إسحق على إسماعيل ، ويعقوب على عيسو، ويوسف على رأُوبين؟.
وسألَ أيضا : لماذا تزوج إبراهيم أخته ( من أبيه)، واسحق تزوج أخته ، والشريعة حرمت ذلك؟. ولماذا تزوج يعقوب أختين بينما مُنعَ عن باقي الشعب اليهودي؟. وأنهى كلامه : ” أنا حائرٌ من هذه الأحداث “!.
بين القانون العشائري والشريعة الألهية !
أبدأ بالرد على الأسئلة من آخِرِها. لا تحتار كثيرًا أَيُّها القارئُ الكريم. فما ذُكرَ عن سلوكِ إبراهيم واسحق ويعقوب يخضع لشريعة الأنسان المرعية في البقعة التي يعيشُ فيها. كانت الأمبراطورية الكلدانية البابلية ثم وريثتها الآثورية رامية الأطراف تحكم حتى البحرالأبيض المتوسط. وإبراهيم ونسله خضعوا لقوانين الأمراطورية. ولم يكن بعد قد تكَوَّن الشعب اليهودي. تكوَّن هذا على يد موسى. وعندئذ زوَّده الله بشريعة خاصَّة به تُرشِدُه الى النموذج المثالي للأخلاق. وبين إبراهيم وموسى حوالي سبعمائة سنة، قضى منها نسل إبراهيم 400 أربعمائة سنة في مصر (تك17: 13؛ أع6: 6؛ 13: 20). فسلوكُ الآباء لا يُقاس بالشريعة التي أتت بعدهم بمئات السنين بل بالشريعة المرعية في زمانهم. لا يمدح الله الزواج من الأخت لا لابراهيم ولا لاسحق. ولا مدح يعقوب لزواجه أُختين معًا حسب الشريعة المدنية القائمة آنذاك. مع العلم لم تكن رفقةُ، زوجةُ اسحق، أُختَه. كانت حفيدة عمِه: رفقة بتوئيل ناحور (أخ إبراهيم). وإذا إدَّعى أنها أُختُه فخوفًا على حياته (تك26: 7). ولو كان الله مؤَّيدًا لهكذا زواج لما حَرَّمه على يد موسى.
يُخبر الله بضعف الأنسان وبساطة تفكيره مع التمَّسُكِ بالحياة الجسدية، حياة الغابة نوعًا ما، حيثُ الغاية تُبَّررُ الوسيلة، والقوي يأكلُ المستوي لأنَّ حُجَّته هي التي تعلو وإرادَتَه هي التي تسود.
لم يكن الله قد أوحى بعدُ بشريعته، شريعة القداسة وسمو الفكر والروح على الحِسِّ والعاطفة (أح19: 2؛ 1بط1: 16؛ 1تس4: 3-8). ولما عرف الله في حكمته أنَّ العقل البشري بلغ من النمو مستوى إدراك ذلك أعلن شريعة الروح، شريعة القداسة محَرِّمًا كلَّ ما يُعارضُها. وطبعًا هذا لا يعني أن شعب الله، شعب القداسة، لم يُخالف ولم يتبع شهواته (مر7: 7؛ متى 15: 3). بل خالف إلى أن فقد بسبب ذلك إختياره ( يو7: 19 ؛ متى21: 43). الكتاب ينقل الينا واقعَ الأنسان وكم جهدٍ بذله الله لتثقيفه وقيادته في طريق الحق والبر والراحة. فـكما يُرَّبي الوالدان أولادهم شيئًا فشيئًا حسبما يكبرون في معرفتهم وقدرتهم على التفاعل مع تربيتهم. الله ربَّى الأنسان كطفل إبنٍ له (هو11: 1-4). والرسل أيضًا سيتعاملون مع إعلان الأيمان الجديد فيُعطونه على مراحل حسب قابلية السامعين له (1كور3: 1-3).
الأبنُ البكــر !
شريعة الأبن البكر أتت أيضًا عندما تكَوَّن الشعبُ وآستقَلَّ من مُستعبِدِه وصار قائمًا بذاتِه أصبح بحاجة الى مقومات أُمَّةٍ حُرَّة : الحُرِّية أو السيادة، الأرض والدستور. الأرضُ موعودة تنتظرُ، السيادة تحَقَّقت بتحرُّر الشعب من سلطة مصر، وكان يبقى الدستور فأعطى الله وصاياه، ونظَّم عليها موسى القوانين التي تسود الحياة الجماعية. وقبل كلِّ ذلك تبَّنى الله لنفسِه، من بين الأُمم، شعبًا ” إبنًا ” يُرَّبيه على يده لأنَّه يتعاملُ كأب وليس كسلطان. دعاه : ” إسرائيلُ إبني البكر” (خر4: 22-23). ولما أهلك الله أبكار المصريين حمى أبكاراسرائيل
مُعتبِرًا إِيَّاهم ” أولاده”. فطلب تكريس كلِّ بكر له، من الأنسان والحيوان، تخليدًا لما أنعم عليهم بنعمة تحريرهم وحمايتهم ” بيد قديرة “.
ولمً يُمَّيزاللهُ البكرَ بآمتياز خاص، بل كان يجب أن يشتروه منه. أما إمتياز البكر المُتَّبع عند اليهود فهو موروثُ من القوانين الآثورية التي كانت تُخَصِّص للبكر حِصَّتين من الميراث مقابل حصَّةٍ واحدة لكل أخ. لأنَّ البكر يلزم مكان الأب. أما بين اسحق وإسماعيل فلم يحدث أي تفضيل. إسماعيل هو إبن الأمة بينما اسحق هو ابن سيدة البيت الحُرَّة. وآبنُ ” الأَمَة لا يرثُ مع ابن الحُّرة ” حسب النظام السائد، فطردت سارة خادمتها مع ابنِها (تك21: 10). ولما إستاء إبراهيم قال له الرب ” بإسحق يكون لك نسلٌ”، لأنَّ إسحق هو الأبن الشرعي حسب شريعة الله منذ البداية. لم يخلق الله أحرارًا وعبيدًا، ولا سيِّدات وإماء، ولا سنَّ تعَدُّدَ الأزواج. لم يقل الله له خُذ الخادمة وأنجب طفلا. بل قال له ” أنا أعطيك إبنًا من سارة (تك 17: 16). ولم يظلم الله إسماعيل ولا كرَّسَ غلطة إبراهيم بزواح الخادمة. بارك إسماعيل ووفقَّه بالنسل والمال والحلال أضعاف ما كان لأسحق. أما تفضيل يعقوب على عيسو فلأنَّ عيسو هوالذي تنازل عن بكوريته وحقوقها مقابل ماعون عدس حتى قال عنه الكتاب :” و آستخَّفَ عيسو بالبكورية “(تك25: 34). وأكمل سوءَه بأنه تزوَّج من وثنيتين ” كانتا لأسحق ورِفقة خيبةً مُرَّة ” (تك26: 35). أما عن يوسف ورأوبين فلم يأخذ يوسف مكان رأوبين، بل يهوذا الذي أنقذ يوسف من موت البئر وكفلَ أن يُعيد بنيامين الى أبيه سالمًا. أما رأوبين فكان دوره ضبابيًا. بقي رأوبين بكرًا لكنه لم يرث البركة التي ذهبت الى يهوذا. و البركة على ما يبدو كانت أنْ من نسله يأتي المسيح : ” ..وملوكٌ من نسلك يخرجون. وأُقيمُ عهدًا أبديًا بيني وبينك وبين نسلكَ من بعدِكَ” (تك17: 5-7).
قايين وهابيل !
أنْ يكون الله فضَّلَ ذبيحة هابيل على قربان قايين أمرٌ طبيعي. هل يتساوى الجَّيدُ والسَّيئ؟. لا طبعًا. هل كان الله يكون عادلا لو ساوى بين التقدمتين؟. كان قايين يستحِّقُ عقابًا لأنَّه إستهان بالله وأراد أن يتحَدَّاه. إستهان لمَّا قدَّم له الخائس من الأثمار. وهل يفعلها إبنٌ مع أبيه؟. لماذا لم يقدمها لوالديه ؟. لم يحسب لله قيمة إلا بقيمة أتعسَ وأنجسَ ما لديه. إذا لا فقط لم يعترف بسيادة الله بل أهانه علنًا. ملأَه كبرياؤُه وأنانيته. وتحَدَّى الله لمَّا أوعز إليه أن يُحسنَ سلوكه. فعوضًا عن أن يسمع منه ذهب ونفَّذَ ما في رأسِه فقتلَ أخاه الذي أحَّبَهُ الله. و أرادَ بهذا إلزامَ الله أن يقبل تقدمته رغمًا عنه. قايين يُحاول أن يفرض إرادته على الله نفسِه. نبَّهه الله أن ما ينوي فعله شَرٌّ بذاتِه، هو تعَّدٍ على الحياة. والحياة لن تسكت على ذلك. حتى الأرضُ التي شربت الدم البريء صارت تطالبُ بالإنتقام منه.