أهلا وسهلا بالأخ ريبوار ايليا داود.
سمع الأخ ريبوار، في الإغتراب ، بـ ” أربعاء الرماد ” في بداية الصوم ما لم يسمع به لا في العراق ولا في كنيستِه الكلدانية. فســأل ما يلي :
ما هو أربعاء الرماد في فترة الصوم ؟
لماذا لا يوجد مثله في كنيستنا الكلدانية ؟
ألا تُعْـتبَر هذه عادة وثــنية ؟
أربعاء الرماد !
هو فاتحة الصوم ، اليوم الأول منه في الكنيسة اللاتينية. تبدأُ الكنيسة اللاتينية الصوم الكبير يوم الأربعاء ، بعد الكلدان بيومين. ولا تَعُّـدُ أيام الآحاد من أيام الصوم. وهكذا تصوم الكنيسة اللاتينية 40 أربعين يوما قبل عيد القيامة. تحسبُه كالآتي: الأسبوع الأول 4 أربعة أيام، من الأربعاء الى السبت، تليها ستة أسابيع من ستة أيام، من الاثنين الى السبت. والآحاد لا تُحسب صوما إذ لا صيامَ فيها. وهكذا تصومُ مع المسيح40 أربعين يوما.
بينما يصوم الكلدان أيضا مع المسيح 40 أربعين يوما ولكن بطريقة مختلفة وحساب خاص. تبدأ منذ الأحد رأس الصوم. وتعتبرُالآحاد جزءَا من الصوم وإن كانت لا تفرُض فيه الصيام . وتنهي صومها يومين قبل عيد السعانين. أى خمسة أسابيع من سبعة أيام وخمسة أيام من الأسبوع السادس، من الأحد والى الخميس.
تـبدأُ الكنيسة اللاتينية صومَها برتبة مقدسة هي تكريس رماد
مخلوط بالزيت وتوسم به جبين المؤمن الذي يحضر المراسيم معلنة
بذلك بدء فترة التـوبة وتدعوه الى فحص حياتِه خلال الصوم على
ضوءِ إيمانه بالمسيح ، ويُصلح الأمورالسَّيئة في سلوكِه. هذه
الرتبة أخذتها من اللاتين الكنيسة المارونية ، وكذلك السريانية
الكاثوليكية. إنما يحتفل بها السريان قبل اللاتين بيومين أى في
يوم الأثنين الذي به يبدأون صومهم مثل الكلدان.
لماذا لا يوجد مثله عند الكلدان ؟
ترعرعت الكنيسة الكلدانية وتنظمت طقوسها وهي في عزلة من بقية جسم الكنيسة الجامعة لأنها كانت تتواجد في بقاع الدولة الفارسية. كان عداءٌ بين الفرس والرومان ، وقامت بينهم حروبٌ عديدة وطويلة وكان الكلدان مواطنوا الدولة الفارسية شبه مقطوعين، بسبب ذلك ، عن الغرب المسيحي. لذا شَّبَت كنيسة المشرق هذه وآنفردت بطقوس خاصة بها ولمْ تمارس كل ما مارسه الغرب أو كما مارسه. كما صارت للغرب طقوس مختلفة عن الشرق بسبب حضارته الخاصة وظروفِه المختلفة. وهكذا توجد مثلا عند الكلدان ” الباعوثة ” ولا ذكر لها عند اللاتين. يحتفل الكلدان بالسعانين بشكل إحتفالي لا تعرفه الكنيسة اللاتينية. لكن عامل الأختلاط والأغتراب صار فرصة وسببا لتتأثرالشعوب والكنائس من بعضها فتتبنى طقسا أو تلغي غيره للتوالم مع بعضها. أخذت الكنيسة الكلدانية من اللاتينية مثلا، مثل كل الكنائس الكاثوليكية، عبادة درب الصليب والوردية.
هل الوسم بالرماد عادة وثنـية ؟
أن يكون الوثنيون قد إستعانوا بالرماد للتعبير عن حزنهم وألمهم ، جائز. لكنه لا يبدو وقفًا عليهم. فالكتاب المقدس يشهدُ بأن المؤمنين بالله أيضا إستعملوها. ولم يبدِ الكتاب لا رفضا لها ولا حتى لومًا ، كما فعل مع أمور أخرى كتخديش الأبدان حدادا على ميت أو حلق أطراف الرأس أو قَّصِ أجزاءٍ من اللحى، أو حتى كتابة وشم على الجسم (لا19: 27-28). فهذا أيوب يجلس على الرماد تعبيرًا عن حزنِه، ويشُّق أصدقاؤُه ثيابَهم ويذُّرون التراب فوق رؤوسهم نضامنا معه (أي 2: 8 -12). وكذلك ملك نينوى لبس المسحَ وجلس على الرماد إنما علامة على التذلل أمام الله والتوبة وأمرأن يلبس الشعب كله بل وحتى البهائم المسوح و يرجعوا عن طريقهم الشَّرير(يو3: 6-8). ومع المسح صام الشعب تذللا منه أمام الله ورغبة في إظهار توبته. وسبقهم دانيالُ الى كل ذلك وأكثر فقال : ” تطَّـلعتُ الى السَّيد الأله طالبا بالصلاة والتضرعات وبالصوم والمسح والرماد. صَّليتُ الى الرب وآعترفت وقلتُ… إننا خطِئنا وأثمنا وفعلنا الشَّرَ وتمَّردنا… فحَّلَ علينا جميع هذا السوء من دون …أن نتوبَ عن آثامنا…والآن أيها السيد إسمَع. أيها السيد سامح. أيها السيد أصغِ وآفعل… وبينما أعترفُ بخطيئتي وخطيئة شعبي رأيتُ جبرائيل …وقال لي… منذ بدايةِ تضَّرعاتِك استجابَ الله لك ..”(دا9: 1-23). وأضاف الملاك في حدث ثان لدانيال الذي صام ثلاثة أشهر بأنَّ الله سمع كلامه وآستجابَ مطلبَه لأنه أَذَّلَ نفسه أمام الله (دا10: 2-3، و 12). كما ذكر نحميا أنَّ بني ” اسرائيل إجتمعوا للصيام وعليهم مسوح وتراب “(نح9: 1).
لم نرَ في كل هذه المواقف والنصوص غير رضى الله وقبوله التوبة بالصوم والصلاة و المسح والرماد. ربما كان ذلك عند الوثنيين تعبيرًا عن الحزن والحداد وقريبا من اليأس. لكن الأيمان حوَّله تعبيرا عن الحزن بسبب الشر وتذللا أمام الله علامة ً للندم والتوبة. و قد أعلن ذلك الرب يسوع نفسُه لما عَّنفَ مدن البحيرة التي لم تـتُبْ فقال :” لو جرى في صور وصيدا ما جرى فيكم من المعجزات لأَظهرتا التـوبة بالمسح والرماد ” (متى11: 21). ولا ننسى أنَّ الله نفسَه طلبَ من موسى أن يُبَّلغَ الشعب بأن يتذللَ أمامه ، إضافـة الى الصوم ، علامة على توبتهم وتكفيرا عن خطايا كبريائهم وتمَّردهم (لا23: 26-29).
ليس كل شيءٍ أتٍ من الوثنيين عادة ســيَّئة. فالوثنيون بشرٌ لهم ثقافة ولهم تطلعات وآمال، و لهم مشاعر. و ليست إنسانيتهم خالية من كل حَّقٍ أو نور أو فضيلة. لأنهم يبقون صورة الله ويملكون من روحه وعقله وطيبه ما قد يجعلهم يتصرفون بشكل جَّيد. تماما كما ليس كلُّ المؤمنين جديرين بآسم الله بسبب سلوكهم المشين وتقاليدهم الفاسدة. إنَّ روح الله الساكنة في الوثنيين قد تُبدعُ وتُدهشُ بقداسةِ أصحابها. لذا لا تحكم الكنيسة مطلقا على حضارة الشعوب بأنها سيئة وآثمة. بل تحاولُ أن تستجلي فيها ما هو جيد وبناء فتُكَّرسُه، وتلقي بعيدا وترفض ما تراه فيها سيّئًا ومهينا.