أهلا وسهلا بالأخت الشماسة فهيمة.
تحِّية طيبة لكِ يا أم أرسلان والى زوجك العزيز الشماس عبدالله النوفلي. لا أنسى خدمتكم في كنيسة الميكانيك ونشاطكم الثمين للكنيسة عامَّةً، وأنتم ما زلتم مستمرين عليه في بلاد الأنتشار. الرَبُّ يحفظكم ويجازيكم بكل نعمةٍ وخير.
كتبتْ الأخت فهيمة تسألُ : ” هل قصَّةُ آدم وحوّاء هي أُسطورة ، أم لا ؟
هل كــان آدم أوَّلَ إنـسانٍ خلقَه الله ، أم لا ؟
أُسطورة أم حقيقة ؟
أن يكون آدم وحوّاء حقيقةً أم أُسطورة هذا أمرٌ يمُّسُ وجودَ الكائنات كلِّها. بل يمُّسُ الوجودَ نفسَه. آدمُ وحواء هما، بغَّضِ النظر عن الأسماء، “الإنسانُ” الذي من أجله وُجِدَ كلُّ ما في الكون. وإن كان الأنسانُ أُسطوريًا أو خيالاً فكلُّ شيءٍ هو خيال. كلُّنا، نحن وما حوالينا، هو خيال. وهذا أمرٌ سألَ عنه الأنسانُ من القِدَم. وعمَّقَ الفلاسفةُ التفكيرَ فيه. وآنتهى بحثُهم لمَّـا قال أحدُهم : ” هل أنا موجود؟. أنا أُفكِّر. إذن أنا موجود “!. وإن كان هو موجودًا ، فنحن كلُّنا موجودين. وإن كنَّا موجودين، ونتكاثر وننمو ونعمل ونموت، فإذن لنا بدايةٌ نمَتْ و كثرت. وكلُّ ما ينتهي له بداية، وليس أزليًا ولا خيالاً.
إذا كان الأنسانُ، آدم وحواء، أُسطوريًا، عندئذٍ يطرحُ السؤالُ نفسَه : كيفَ وُجِدنا ؟. هل من نفسِنا؟ لا نرى شيئًا جديدًا يظهر من نفسِه. كلُّ شيءٍ يأتي من غيره، يتسلسلُ منه ، أو على يد غيرِه. وحتى الذي يأتي حاليًا من غيره يفترضُ بداية النموذج الأول الذي يكون الأول دون أن يسبقه غيرُه، مَصدَرًا له. وحتى إذا أتى بنا غيرُ واحد فإمَّا حصَل علينا من غيرِه أو أوجدَنا هو بذاته، بقدرته. وهذا الأمر لا يقوَى عليه الأنسان ولا أيُّ مخلوقٍ آخر. لابُدَّ إذن أن يرتقيَ وجود الأنسان الى كائنٍ قائمٍ بذاته يكون أصلَ الوجودِ والموجودات؛ كائنٍ موجودٍ بذاته، أزليٍّ بلا بداية ولا نهاية، كامل ٍ في صفاته ، قادر ٍ على أن يُعطيَ لغيرهِ من ذاتِ وجودِه ومن كماله، دون أن ينقصَ. وهذ هو الله !
من أوجد الأنسان ؟
هذا ما يوصله إلينا كتابُ سفر التكوين من معلوماتٍ على حقيقة وجودِ إنسانٍ أول ٍ أوجدَه الله، فخلقه وكوَّنَهُ بشكلٍ يقدر أن يُعطيَ بدوره الوجود لغيره. وفعل مثله لبقية الكائنات. خلق كل كائن ” ذكرًا وأنثى ” ليُنجبا فيتكاثرا وينموا ويملَـئَا الأرض (تك1: 28). من وجوده أعطى اللهُ للأنسان الوجودَ وزَوَّده بما يحتاجه من طاقات ،:” جبلَ الرَبُّ الإلَهُ آدمَ من تراب الأرض ونفخَ في أنفِهِ نسمةَ حياةٍ. فصار آدمُ نفسًا حَيَّة ” (تك2: 7). وهذا ما نتحَقَّقُ منه يوميًا لأنَّه يجري أمام أعيننا، من وجود وفعل وآستثمار طاقات الطبيعة. فنقدرُ أن نقول : ” إننا نرى. إننا نعمل. إننا نتأكد مما نؤمنُ به. إذن هذا حَقٌّ “.
هل آدم هو الأنسان الأول ؟
من يكون غيرُه إِن لم يكن آدم؟. لا يهُّمُ الآسم. فآدم وحواء إسمان رمزيان يُشيران الى حقيقة طبيعة الأنسان. هو من نَفَس الله فهو روح. لكنه ليس اللهَ ليُدعى : الله”. ليس هو أزليًا ليكون له إسمُهُ الخاص. إسمُه على جسمِه. جسمه من التراب، والى التراب سيعودُ. فصار الترابُ إسمًـا لهُ. وهذا ما تعنيه كلمة ” آدم”، إذ هي مُشتَقَّة من اللفظة الآرامية / العبرية ” أَدَمْتا ܐܲܕܲܡܬܵܐ ” ومعناها ” الأرض/ التراب”. أمَّا حواءُ فأخذَت إسمَها من فعلها. إنها تُنجِبُ أي تُكثرُ الأحياء. وهذا ما قاله الكتاب :” أنتَ ترابٌ والى التراب تعود. وسَمَّى آدمُ آمرأتَه حَوَّاء لأنَّها أُمُّ كلِّ حَّي” ( تك 3: 19-20). ولو كان أيَّ إنسان غيرُ آدم هو الأول كان سيكون إسمُه آدم، وآسم الأُنثى حواء. فليس الأسم ما يهُّم في الأنسان الأول، بل أن يتحَدَّدَ فعله و مصيرُه. وهذا ما ذكرَه الكتابُ المقدَّس.
لم يذكر العلمُ ولا التأريخُ لا إنسانًا ولا إسمًا آخر أولاً، ولا ما جاءَ في الكتاب يُعارضُ الحقيقة الوجودية للأنسان. وما يقولُه الكتابُ المقَّدس لا يُرَّكزُ على الأولية أو الأسم، وهي أُمورٌ ثانوية، بل شَـدَّدَ على هويةِ هذا الكائن ومصدرِه ورسالتِه. ولا ننسى أن موسى لم يختلق القصَّةَ وما يتبعها من فكره. بل هو الله الذي كشف له بدايات الخليقة. كان من الواجب أن يعرف الأنسانُ ذلك. فلا بدَّ لآدم أن قصَّ الخبرَ على إبنِه شيت ونسله كله. لكنَّ الخطيئةَ قفلت عقلَ الأنسان، ونزعَتَه في التحَرُّر من الله ومنافسته في الحياة أوقعانِهِ في جهلٍ عن بداياته. ومع دعوة إبراهيم بدأ الله يكشفُ ذاته للأنسان، وضاعَفَها مع موسى، وآستمَّر يكشفُ إرادته مع الأنبياء ، مُهَّيئًا لكشفٍ أخير ٍ كامل بتجَسُّدِه في شخص المسيح، إبن الأنسان، ” آدم الثاني”. وكان :” آدمُ الأنسانُ الأوَّلُ نفسًا حَـيَّةً. وكان آدمُ الأخيرُ روحًا يُحـيي ” (1كور15: 45).
فآدم وحوّاء ، كإنسان، حقيقةٌ لا أسطورة. لم يُوجد من نفسِه بل أوجده الله الذي هو أصل الوجود وخالقُ الكون وكل ما فيه. والأنسان ، آدم وحواء، هو أول زوج ٍ بشري على الأرض ومنه تناسل الناسُ جيلا بعد جيل. يبقى الإعلانُ عن الخلق عبارة بشرية لحقيقة تأريخية إلَهية ، هي وجود الأنسان وهويته.